(الصفحة 106)
الخامس [: ما زاد عن مؤونة السنة]
ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات ، بل وسائر التكسّبات ولو بحيازة مباحات ، أو استنماءات أو استنتاجات ، أو ارتفاع قيم أو غير ذلك ممّا يدخل في مسمّى التكسّب ، ولا ينبغي ترك الاحتياط بإخراج خمس كلّ فائدة وإن لم يدخل في مسمّى التكسّب ، كالهبات والهدايا والجوائز والميراث الذي لا يحتسب ، وكذا فيما يملك بالصدقة المندوبة ، وإن كان عدم التعلّق بغير أرباح ما يدخل في مسمّى التكسّب لا يخلو من قوّة، كماأنّ الأقوى عدم تعلّقه بمطلق الإرث والمهر وعوض الخلع ، والاحتياط حسن . ولا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة وإن زاد عن
المقام الثاني : في أنّ اعتبار النصاب هل هو بعد إخراج المؤونة أو قبله؟ فيه خلاف ، المشهور(1)ـ وتبعهم صاحب الجواهر (قدس سره)(2) والماتن ـ هو الأوّل ، وحكي عن صاحب المدارك الثاني(3) . هذا ، وظاهر الجمود على صحيحة البزنطي المتقدّمة(4) الواردة في نصاب المعدن وإن كان هو الثاني لتعليق الحكم ببلوغ عشرين ديناراً على ما أخرج المعدن من قليل أو كثير من دون تعرّض لاستثناء المؤونة ، إلاّ أنّ المتفاهم العرفي خلاف ذلك ، وأنّ المقصود بلوغ ما يغتنمه عشرين ديناراً لا بلوغ ما أخرج المعدن وإن كانت المؤونة بقدر عشرين أو أقلّ بقليل ،
- (1) تذكرة الفقهاء 5 : 427 ، منتهى المطلب 1 : 547 ، شرائع الإسلام 1 : 181 ، مسالك الأفهام 1: 469 ، الحدائق الناضرة 12 : 344 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 83 .
- (3) مدارك الأحكام 5: 392 .
- (4) في ص47 .
(الصفحة 107)
مؤونة السنة . نعم ، يجب الخمس في نمائهما إذا قصد بإبقائهما الاسترباح والاستنماء لا مطلقاً1 .
ويؤيّده أصالة البراءة عن تعلّق الخمس بما دون النصاب بعد المؤونة ، كما لا يخفى .
1 ـ تعلّق الخمس بهذا العنوان تشريعاً ممّا تسالم عليه أصحابنا الإماميّة رضوان الله عليهم أجمعين(1) ، ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى القديمين(2) ، وعبارتهما غير ظاهرة في النسبة ، وعلى أيّ فقولهما على تقدير صدق النسبة مسبوق بالإجماع وملحوق به ، مضافاً إلى تحقّق السيرة العمليّة بين المتشرّعة المتّصلة بزمان الإمام(عليه السلام) .
ويدلّ عليه قبل كلّ شيء الآية الشريفة الوحيدة الواردة في باب الخمس; وهو قوله تعالى :
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(3) فإنّه لا ينبغي الإشكال في توجّه الخطاب إلى جميع المؤمنين بل المكلّفين ، نظير قوله تعالى :
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}(4) وسائر الموارد التي هي من هذا القبيل ، ومجرّد المسبوقية والملحوقية بآيات القتال لا يستلزم أن يكون الخطاب متوجّهاً إلى خصوص المجاهدين ، كما ذكره الفخر الرازي(5) نظير ذلك في ذيل آية التطهير المختصّة موضوعاً بالخمسة ، والعامّة حكماً لجميع الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، وقد بيّنا تحقيق
- (1) الخلاف 2 : 118 مسألة 139 ، المعتبر 2 : 623 ، تذكرة الفقهاء 5 : 421 ، جواهر الكلام 16 : 45 .
- (2) المعتبر 2 : 623 ، مختلف الشيعة 3 : 185 مسألة 141 ، البيان : 218 .
- (3) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (4) سورة الأنفال 8 : 28 .
- (5) التفسير الكبير 5 : 484 .
(الصفحة 108)
ذلك بما لا مزيد عليه في رسالة «آية التطهير ، رؤية مبتكرة»(1) .
وما ذكره الفخر(2) من الكلام الباطل عبارة عن كون مسبوقية آية التطهير بأحكام زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) وملحوقيّتها بها قرينة على اختصاص موردها بالزوجات مع أنّها ممنوعة كمال المنع .
وبالجملة : فالظاهر أنّ المخاطب في آية المقام عامّ غير مختصّ .
وأمّا قوله :
{أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء} فالظاهر أنّ المراد به مطلق ما ربحتم واستفدتم من شيء ولو كان قليلاً .
وما ربّما يقال من اختصاص معنى الغنيمة بخصوص غنائم دار الحرب فهو على تقدير صحّته ـ وإن كان لا يساعده اللغة(3) ولم يثبت اصطلاح في ذلك ، وإن كان ربّما يؤيّده بعض الروايات المتقدّمة(4) الوارد فيها هذا العنوان عطفاً على الكنوز والمعادن والغوص ; نظراً إلى ظهور العطف في المغايرة كما تقدّم ـ لا يستلزم اختصاص الآية المشتملة على قوله : «ما غنمتم» بذلك ، ولعلّه لذا حكي عن تفسير القرطبي(5) وغيره أنّ الآية في نفسها ظاهرة في العموم وإن كان الإجماع بنظرهم على خلافه ، لكن إجماعهم لا يكون حجّة عندنا; لعدم ثبوت رأي المعصوم(عليه السلام)بسببه ولا حجّية فيه في نفسه ، خصوصاً بعد مخالفة أصحابنا الإماميّة لهم كما عرفت .
- (1) آية التطهير : 13 ـ 15 .
- (2) التفسير الكبير 9 : 168 .
- (3) راجع مجمع البحرين 2 : 1337 وتاج العروس 17 : 527 ولسان العرب 5 : 66 .
- (4) في ص93 .
- (5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8 : 1 .
(الصفحة 109)
وبالجملة : لو كنّا نحن والآية لما كان هناك دليل على اختصاصها بغنائم دار الحرب ، كما لا يخفى على من اجتنب التعصّب .
ثمّ إنّ هاهنا إشكالاً مهمّاً; وهو أنّه يرى الفرق بين الزكاة والخمس من ناحية ثبوت التشكيلات لجمع الزكوات من بلاد مختلفة ووجود العاملين لأخذها وجبايتها ، ويكون في هذا المجال قضايا معروفة كقصّة مالك بن نويرة وغيرها ، وأمّا الخمس فلا يرى له لا في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ولا في زمن من بعده من الزعماء ـ وحتّى في زمن الخلافة الظاهرية لوصيّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين(عليه السلام) ، الذي كانت مدّة خلافته زائدة على خمس سنوات ـ عمل مثل الزكاة من الأخذ والجباية ، وإن كان قد حكي في هذا المجال في بعض صحاح أهل السنّة بعض القصص والمقالات ، لكنّها على فرض صحّتها اُمور جزئيّة غير قابلة للقياس مع مسألة الزكاة ، خصوصاً مع تعلّقها بأشخاص مخصوصين ، والخمس متعلّق بالأرباح مطلقاً .
وبالجملة : لم يوجد لهذا القسم من الخمس أثر إلى زمان الصادقين (عليهما السلام) اللذين بيّناه في ضمن روايات غير كثيرة ، فما الفرق بين الزكاة والخمس من هذه الجهة؟
وقد زعم بعض الأعلام (قدس سره) أنّه يمكن التفصّي عن الإشكال بوجهين مترتّبين :
أحدهما : ما يبتني على مسلكه من تدريجيّة الأحكام وجواز التأخير للتبليغ عن عصر التشريع بإيداع بيانه من النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى الإمام(عليه السلام) ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الواقعيّة الباعثة على ذلك ، بل قد يظهر من بعض النصوص أنّ جملة من الأحكام لم تنشر لحدّ الآن ، وأنّها مودعة عند وليّ العصر عجّل الله تعالى فرجه(1) .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 196 .
(الصفحة 110)
ويرد على هذا الوجه أنّ تدريجيّة الأحكام وتشريعها كذلك في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله)وإن كان ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، ضرورة عدم صدور جميع الأحكام دفعة واحدة وواحداً بعد آخر متّصلاً ، وكذا لا ينبغي الارتياب بملاحظة بعض الروايات أنّ جملة من الأحكام مودعة عند بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه ، إلاّ أنّ الحكم المشروع الثابت في القرآن وظهوره فيه كيف أودع بيانه من النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى الإمام(عليه السلام) ، مع أنّه لا شاهد في الآية الشريفة على تأخير إجرائه وعدم كون المقصود عدم إجرائه في مدّة من الزمن ، فأيّ فرق بين هذه الآية والآية الواردة في الحجّ ومثله؟ فهذا الوجه لا يكاد يمكن التخلّص عن الإشكال به .
ثانيهما : مع الغضّ عن ذلك المبنى إبداء الفرق بين الزكاة والخمس; لأنّ الأوّل ملك للفقراء ومثلهم ومصروف في مصالح المسلمين ، وفيه قد أمر(صلى الله عليه وآله) بالأخذ من أموالهم في قوله تعالى :
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً . . .}(1) وأمّا الخمس فهو حقّ له(صلى الله عليه وآله) ولأقربائه ، فيشبه الملك الشخصي ، ولا يناسب الأخذ فيه مثل الأخذ في باب الزكاة; لجلالة شأنه وعظمة مقامه(صلى الله عليه وآله)(2) .
ويرد على هذا الوجه أنّ مقتضاه الفرق بين الزكاة والخمس من جهة وجود التكرار فيها والعطف على الصلاة كثيراً في الكتاب العزيز ، إلاّ أنّ عدم انحصار الخمس به(صلى الله عليه وآله) لا يقتضي عدم الاعتناء بشأنه ، خصوصاً مع ملاحظة مثل قوله تعالى :
{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}(3) كما لا يخفى .
والحقّ أن يقال : إنّ بُعد العهد وكثرة الفصل بين مثل هذه الأزمنة وبين زمن
- (1) سورة التوبة 9 : 103 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 196 .
- (3) سورة الإسراء 17 : 26 .