(الصفحة 274)
إذا أذن في صرفه في البلد ، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده موافقاً مع نظر مقلَّده ، أو كان يعمل على طبق نظره1 .
1 ـ عمدة النظر في المسألة السابقة كانت بالإضافة إلى نصف الخمس الذي هو سهم للسادة العظام ، وأمّا في هذه المسألة يكون النظر إلى النصف الآخر الذي هو سهم الإمام(عليه السلام) ، وإن كان يبدو في النظر أنّه لا وجه لتكرير المسألة وجعلها متعدّدة ، خصوصاً مع عدم إشعار المسألة السابقة بالاختصاص بسهم السادة; للتعبير منها بالخمس الذي هو أعمّ من سهم الإمام(عليه السلام) ، ومع أنّ الأقوى في نظره أنّ أمر سهم السادة بيد الحاكم أيضاً ، وخصوصاً مع وجود بعض التهافتات في المسألتين ، مثل مسألة الضمان في بعض الفروض وعدمه مع اشتراك الدليل ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وكيف كان ، فملخّصها أنّه لو كان المجتهد الذي في البلد الآخر مرجع تقليده ، إمّا لانحصاره ، أو لتعيّن تقليده عليه لكونه أعلم مثلاً ، أو جوازه بناءً على عدم تعيّن تقليد الأعلم مثلاً يتعيّن النقل إليه في صورة الإمكان ، إلاّ إذا أذِن في صرفه في البلد ، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده متّحداً معه ، أو كان يعمل على طبق نظره ، وقد مرّ أنّ المراد من اتّحاد المصرف هو الاتّحاد من جميع الجهات حتّى من جهة الكيفيّة والكمّية .
وإن لم يكن مرجع تقليده ، كما لو فرض أنّه أجاز له أن يصرف في أيّ مجتهد شاء ، فلو نقله لأن يصرفه في مجتهد في بلد آخر مع وجوده في البلد ، فالظاهر هو الجواز من جهة الحكم التكليفي .
وأمّا من جهة الحكم الوضعي أي الضمان فقد فصّل في المتن فيه بين صورة تعيّن النقل وعدمه ، كما إذا كان المال في بلده في معرض تلف السرقة ونحوها ولم يمكن
(الصفحة 275)
دفعه إلى مجتهد البلد فوراً .
والوجه فيه أنّ لزوم النقل وتعيّنه لا يكاد يجتمع مع الضمان لو تلف في الطريق قهراً من دون تعدّ ولا تفريط ، وإن كان جواز الإتلاف شرعاً ربما يجتمع مع الحكم بالضمان ، كما فيمن أتلف مال الغير لحفظ نفسه عن الهلاك ، فإنّه يجوز الإتلاف والأكل حينئذ شرعاً ، ولكنّه ضامن ، لكن جواز الإتلاف أمر ، والضمان الذي منشؤه قاعدة الإتلاف غير المختصّة بحال الاختيار ـ كما في حال النوم أو الغفلة فضلاً عن صورة التعمّد والاختيار ـ أمر آخر ، لكنّ البحث هنا في التلف من غير تعدّ ولا تفريط ، فإنّه لا يجتمع الحكم بالضمان فيه مع تعيّن النقل أو جوازه شرعاً ، مع أنّ الأمين لا يكون ضامناً ، ومثل الأوّل بعض كفّارات الإحرام المجتمعة مع الجواز ، كلبس المخيط للرجال اضطراراً لبرد ونحوه ، فإنّه يجوز ولكن يجب فيه الكفّارة كما قد قرّر في محلّه(1) .
كما أنّه جعل الأولى والأحوط النقل إذا كان من في البلد الآخر أفضل ، أو كان هنا بعض المرجّحات كشدّة الفقر مثلاً ، وظاهره عدم ثبوت الضمان في هذه الصورة أيضاً ، مع أنّ مقتضى ما ذكر من الدليل على الضمان ممّا تقدّم من صحيحة محمّد بن مسلم ثبوته هنا أيضاً لوجدان ربّ المال في البلد ، والأولوية المذكورة لا تنهض لنفيه كما لا يخفى .
وكيفما كان ، فكلّ ما تأمّلنا لم نجد لهذه المسألة هدفاً خاصّاً غير مذكور في المسائل السابقة ، سواء كان الهدف تعيّن إيصال سهم الإمام(عليه السلام) إلى المرجع ، أو الصرف بإذنه ، أو على طبق نظر من يقول باتّحاد المصرف ، أو يعمل على طبق
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب الحجّ) 4 : 77 .
(الصفحة 276)
مسألة 10 : يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر وإن كان عروضاً ، ولكن الأحوط أن يكون ذلك بإذن المجتهد حتّى في سهم السادات1 .
نظره ، وسواء كان الهدف عدم الضمان مع تعيّن النقل إليه ، وسواء كان الهدف تعيّن مرجع التقليد لذلك .
نعم ، قد عرفت ظهور بعض العبارات في عدم الضمان في صورة أولوية النقل ، وهو مع أنّه مخالف للواقع مغاير لما سبق ، فلا مجال للتكرير أصلاً ، خصوصاً مع ما عرفت من التعبير في المسألة السابقة بالخمس الذي هو أعمّ من سهم الإمام(عليه السلام) في الآية الشريفة ، وفي الروايات المأثورة ، وفي التعبيرات الفقهية ، كما عرفت .
1 ـ لا شبهة في أنّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من نفس المال الذي تعلّق به ، كما إذا أراد أن يدفع خمس المعدن من نفس ما استخرجه منه مع البلوغ حدّ النصاب المتقدّم ، بل هو الأصل في دفع الخمس بعد تعلّقه بالعين .
وأمّا إذا أراد أن يدفع من مال آخر ، فتارةً يكون نقداً واُخرى عروضاً ، وظاهر المتن أنّ مقتضى الاحتياط أن يكون ذلك بإذن المجتهد حتّى في سهم السادات ، والوجه في ذلك أمّا بالإضافة إلى سهم الإمام(عليه السلام) فهو أنّ اختياره بيد الحاكم الشرعي ولو من باب الولاية والنيابة ، فتبديل ماله ولو بالنقد يتوقّف على إذنه وموافقته ، وأمّا بالإضافة إلى سهم السادات العظام فسيأتي ، وتقدّم(1) أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي أن يكون إيصال هذا السهم بأربابه موقوفاً على إذن المجتهد; لعدم تشخّص المالك وعدم ثبوت الترجيح اللازم ، فالوليّ له حقيقة هو المجتهد ، وعليه فالتبديل مطلقاً يحتاج إلى إذنه وموافقته ، وقد عرفت أنّه (قدس سره) قد قوّى أنّ أمره
(الصفحة 277)
بيد الحاكم وقد مرّ وجهه(1) ، وعليه فإذا أراد التبديل فلا مانع منه ، هذا بناءً على الشركة في المالية .
وأمّا بناءً على الشركة الحقيقية أو الكلّي في المعيّن فالأمر أوضح ، وقد صرّح السيّد في العروة(2) بأنّ تعلّق الخمس كالزكاة إنّما هو من باب الكلّي في المعيّن ، مع أنّ التعبير في باب الخمس في الآية والروايات إنّما هو بالخمس الذي هو الكسر المشاع بالإشاعة الحقيقيّة ، كما لو فرض أنّه باع خمس داره ، فإنّه قد انتقل إلى المشتري خمس الدار بالنحو المذكور بحيث يحتاج التقسيم إلى موافقته ورضاه .
وأمّا في باب الزكاة فالتعبيرات بالإضافة إلى الاُمور التي يتعلّق بها الزكاة مختلفة ، فمن بعضها يظهر الكلّي في المعيّن ، كما في قوله(عليه السلام) : في كلّ أربعين شاة شاة(3) ، ومن بعضها تظهر الشركة الحقيقيّة ، كما في قوله : في كلّ ما سقته السماء العشر (4) ، فإنّ كلمة «العشر» مثل كلمة «الخمس» في الدلالة على الشركة المزبورة ، ومن بعضها تظهر الشركة في المالية ، مثل قوله : في كلّ خمس من الإبل شاة(5) بعد ملاحظة عدم لزوم تهيئة الشاة من الخارج ولا تكون الشاة جزءاً من خمس إبل ، فلا محالة يكون المراد الشركة في المالية .
وحيث إنّ المقطوع به أنّ كيفيّة التعلّق في جميع الأجناس الزكوية على نحو واحد ، كما تفصح عنه آية الزكاة التي وقع فيها التعبير بالصدقات وكذا الروايات ،
- (1) في ص269 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 399 ـ 400 مسألة 76 .
- (3) الوسائل 9 : 116 ، أبواب زكاة الأنعام ب6 ح1 .
- (4) الوسائل 9 : 182 ، أبواب زكاة الغلاّت ب4 .
- (5) الوسائل 9 : 111 ، أبواب زكاة الأنعام ب2 ح6 .
(الصفحة 278)
فلا مناص من رفع اليد عن ظاهر بعض بصراحة الآخر ، فلا محالة يحمل على إرادة الشركة في المالية غير المنافية لحكمة الزكاة المجعولة للأصناف الثمانية المذكورة في الآية ، وعليه فقياس الخمس على الزكاة في غير محلّه ، وقد مرّ أنّ مقتضى الشركة الحقيقيّة أنّ الاعتبار بيد الحاكم والإناطة بإذنه ، فلابدّ من أن يكون التبديل مع موافقته .
هذا هو مقتضى القاعدة ، لكن ذكروا في باب الزكاة أدلّة لعلّ بعضها يشمل المقام ، مثل صحيحة البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : هل يجوز أن اُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى ، أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجاب(عليه السلام) : أيّما تيسّر يخرج(1) . نظراً إلى أنّ السؤال الأوّل وإن كان ظاهراً في الزكاة ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال بإطلاق السؤال الثاني وشموله للخمس .
لكن ربما يورد عليه بأنّ الإشكال في الدفع من العروض الاُخر ; لأنّ الدرهم بدل الدينار ربما ينتفع به الفقير بخلاف دفع كتاب مثلاً إليه بدله .
هذا ، ولكنّ الظاهر عدم شمول الرواية لغير الزكاة; لأنّ الذهب بعنوانه لا يكون من الاُمور المتعلّقة للخمس ، وأمّا في باب الزكاة يكون متعلّقاً لها ، خصوصاً بقرينة أنّ المراد بالذهب ليس مطلق الذهب ، بل مطلق الدينار لمقابلته بالدرهم ، ومن المعلوم أنّ الدينار لا يكون إلاّ متعلّقاً للزكاة ، وأمّا تعلّق الخمس به لأنّه كان الرائج في الأزمنة السابقة في الثمن هو النقدين ، فهو وإن كان صحيحاً إلاّ أنّ تعلّق الخمس ليس لأجل الدينار ، بل لأجل كونه من أرباح المكاسب ، كما لا يخفى .
- (1) الكافي 3 : 559 ح1 ، الوسائل 9 : 192 ، أبواب زكاة الغلاّت ب9 ح1 .