(الصفحة 132)
وأمّا بالنظر إلى السند فأحمد بن هلال وإن كان فاسد العقيدة منسوباً إلى الغلوّ تارةً وإلى النصب اُخرى(1) ، وعلى قول الشيخ (قدس سره)(2) يظهر أنّه لم يكن يتديّن بدين للبعد بين النسبتين بما بين المشرقين ، إلاّ أنّ الظاهر أنّه موثوق به في النقل ومقبول الرواية كما عن النجاشي(3) .
ومنها: غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
والمتحصّل من جميع ما ذكرنا بعد ملاحظة أنّ المسألة ليست بحدّ حتّى يلزم أن يكون الوجوب على تقديره ضرورياً ، بل الوجوب وعدمه من هذه الحيثية على حدٍّ سواء ، وقد عرفت ادّعاء الشهرة من كلتا الطائفتين(4) ، ومقتضى إطلاق الآية وبعض الروايات وإن كان هو الوجوب ، إلاّ أنّ انصراف الإفادة بيوم فيوم ـ كما مرّ في بعض الروايات(5) وإن كان في سندها محمد بن سنان ـ يوجب عدم الوجوب ، وعليه فمقتضى الاحتياط الوجوبي ذلك وإن كان ظاهر المتن الاحتياط الاستحبابي .
هذا ، ومثل الهبة والهدية والجائزة ، الصدقة المندوبة ، كما في المتن ، والمال الموصى به كما في العروة(6) .
ثانيها : الميراث ، وقد وقع فيه الاختلاف على أقوال ثلاثة ، ثالثها التفصيل بين
- (1) الفهرست للشيخ: 83 ، كمال الدين 1: 76 .
- (2) راجع كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم) : 86 و193 ، وحكاه عنه صاحب مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 212 .
- (3) رجال النجاشي : 83 .
- (4) في ص129 .
- (5) في ص117 ـ 118 .
- (6) العروة الوثقى 2 : 389 .
(الصفحة 133)
مطلق الإرث وبين الإرث ممّن لا يحتسب .
وظاهر المتن أنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي الثبوت مطلقاً . غاية الأمر أنّ رعاية الاحتياط كذلك في الإرث ممّن لا يحتسب يكون آكد وأشدّ وإن كان مشتركاً مع غيره في عدم الوجوب .
أقول : فالكلام يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في تعلّق الخمس بمطلق الإرث وعدمه كما لعلّه المشهور(1) ، وهو الظاهر; لأنّ الغنيمة في الآية الشريفة وإن كانت لا تختصّ بغنائم دار الحرب كما عرفت (2) ، بل هي بمعنى مطلق الفائدة والاستفادة ، إلاّ أنّ صدق الفائدة في نظر العرف على الميراث مشكل بل ممنوع ، ويؤيّده بل يدلّ عليه وجود الفرق بين مثل الميراث ومثل الهبة في شدّة الابتلاء به دون الثاني ، وعليه فلو كان الخمس ثابتاً في الإرث لكان بالغاً حدّ التواتر ، مع أنّ السيرة العمليّة القطعية من المتشرّعة على العدم .
المقام الثاني : في تعلّق الخمس بميراث من لا يحتسب وعدمه أيضاً ، والظاهر أنّ الدليل الوحيد في هذا الباب ـ بعد عدم شمول الآية الشريفة ـ صحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدّمة(3) المشتملة على عطف ميراث من لا يحتسب لعدم كونه أباً ولا إبناً على الجائزة التي لها خطر في تعلّق الخمس .
والظاهر أنّه ليس المراد منها عدم كون الوارث من الطبقة الاُولى من طبقات
- (1) السرائر 1 : 490 ، تذكرة الفقهاء 5 : 421 ، البيان : 219 ، كفاية الأحكام: 43 ، مدارك الأحكام 5: 384 ، مستند الشيعة 10: 52 ، كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم): 191 .
- (2) في ص108 ـ 109 .
- (3) في ص114 .
(الصفحة 134)
الإرث الثلاث ، بل المراد عدم تخيّل الوارث صيرورته كذلك .
والمثال الواضح ما أفاده السيّد في العروة من أنّه إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات وكان هو الوارث له(1) ، وقد عرفت(2) أنّ اشتمال الصحيحة على الإشكال لا يقدح في صحّة الاستدلال ، فهذا القسم من الإرث في حكم الهبة من جهة الاحتياط الوجوبي المتقدّم ، ولا يرد عليه ما ذكرناه في مطلق الإرث من أنّه لو كان متعلّقاً للخمس لبلغ حدّ التواتر; لوضوح ندرة هذا القسم من الإرث بخلاف مطلقه ، كما لا يخفى .
ثمّ ليعلم وجود الفرق بين هذا المقام وبين ما تقدّم في أخبار التحليل من جعل الطائفة الثالثة الدالّة على التفصيل بين من انتقل عنه ، وبين من انتقل إليه شاهدة للجمع بين الطائفتين الدالّتين على التحليل وعلى عدمه ، وهو أنّ محلّ البحث هناك في ثبوت التحليل وعدمه ، وهنا بعد الفراغ عن عدم ثبوت التحليل يكون البحث في أنّ الانتقال القهري المجّاني هل يوجب تعلّق الخمس بالوارث ، أو لا يوجب ولو كان ذلك مع العلم بأداء المورّث الخمس فضلاً عن الاعتقاد به ، فالفرق بين المسألتين واضح .
ثالثها : المهر وعوض الخلع ، فإنّ الظاهر عدم ثبوت الخمس فيهما .
أمّا عوض الخلع ، فلأنّه لا ينطبق عليه عنوان الغنيمة ولو بمعناها الوسيع الذي هو مطلق الفائدة; لعدم صدقها على عوض الخلع الذي هو عبارة عن المال المبذول بإزاء أن يطلّقها الزوج ، فالطلاق مبذول في عوض بذل الزوجة ، سواء كان بمقدار
- (1) العروة الوثقى 2 : 389 .
- (2) في ص114 ـ 117 .
(الصفحة 135)
المهر أو أقلّ أو أكثر ، فليس هنا مال بإزاء مال حتّى تتحقّق الغنيمة والفائدة .
وأمّا المهر ، فالظاهر فيه أيضاً عدم وجوب الخمس فيه ، إمّا لما ذكر من عدم صدق الغنيمة عرفاً على المهر ولو كان في النكاح المنقطع الذي يعتبر فيه ذكر المهر ، بخلاف النكاح الدائم الذي لا يعتبر فيه ذلك ، بل ولو كان أضعاف مهر المثل ، وإمّا لاستمرار سيرة المتشرّعة المتّصلة بزمن المعصوم(عليه السلام) على عدم الخمس في المهر مطلقاً ولو في النكاح المنقطع ، كما لا يخفى .
نعم ، هنا بعض الشبهات سيّما في النكاح المنقطع الذي يعتبر فيه ذكر المهر ، خصوصاً إذا كان أضعاف مهر المثل ، نظراً إلى التعبير عنهنّ بأنّهنّ مستأجرات(1) ، ولا ريب في ثبوت الخمس في باب الإجارة ، كما لو فرض أنّ شخصاً له دار ثانية اشتراها بالمال المخمّس وقد آجرها لمعاشه ، ففضل مال الإجارة عن مؤونة سنته ، فإنّه لا إشكال في ثبوت الخمس عليه بالإضافة إلى الزائد عن مؤونة السنة .
قال بعض الأعلام (قدس سره) ما ملخّصه : إنّه لا يقاس ذلك بباب الإجارات; ضرورة أنّ متعلّق الإجارة ليس له بقاء وقرار ولا يمكن التحفّظ عليه ، فلو لم ينتفع منه هو أو غيره يتلف ويذهب سدىً ، وهذا بخلاف الزوجيّة ، إذ للزوجة أن تبقي السلطنة لنفسها وتكون هي المالكة لأمرها دون غيرها ، وهذه السلطنة لها ثبات وبقاء ، كما أنّ لها بدلاً عند العقلاء والشرع وهو المهر ، فما تأخذه من الزوج يكون بدلاً عمّا تمنحه من السلطنة ، فيكون من قبيل تبديل مال بمال ولا ينطبق على مثله عنوان الغنيمة والفائدة(2) .
- (1) الكافي 5: 452 ح7 ، التهذيب 7: 258 ح1120 ، الاستبصار 3: 147 ح538 ، وسائل الشيعة 21: 18 ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ب4 ح2 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 217 .
(الصفحة 136)
أقول : الفرق المذكور وإن كان مسلّماً لا ريب فيه ، إلاّ أنّ اقتضاءه ثبوت الفرق من جهة ثبوت الخمس وعدمه ، لو لم نقل باقتضائه ثبوت الخمس في المهر دون الإجارة ، ومجرّد كونه من قبيل تبديل مال بمال لا يوجب عدم تعلّق الخمس مع تحقّق التفاضل في المالية .
فالتحقيق في وجه عدم ثبوت الخمس في المهر ما ذكرناه من السيرة ، مضافاً إلى أنّه لم يفت به أحد ظاهراً ، وإن كان حسن الاحتياط ممّا لا ينبغي أن ينكر .
تنبيهان مهمّان
الأوّل : أنّ مقتضى القاعدة ثبوت الخمس في أرباح مطلق التجارات حتّى الإجارات ، سواء كانت الإجارة على الأعمال أو المنافع ، وسواء كان العمل أمراً غيرعباديّ كالخياطة والكتابة، أو أمراً عباديّاً كالصلاة والصوم والحجّ والزيارات، فاُجرة الحجّ في النيابة الاستئجارية لا تكون خارجة عن هذه القاعدة ، بل هي أيضاً متعلّقة للخمس فيما إذا فضلت عن مؤونة السنة كسائر الأرباح .
ولكن يستفاد من صاحب الوسائل (قدس سره) خلاف ذلك ، حيث عقد في أبواب ما يجب فيه الخمس باباً بهذا العنوان; وهو «باب أنّه لا يجب الخمس فيما يأخذه الأجير من اُجرة الحجّ . . .» وأورد فيه رواية عن الكليني بسندين ـ أحدهما صحيح ، وفي الآخر سهل بن زياد ـ عن علي بن مهزيار قال : كتبت إليه : يا سيّدي رجل دفع إليه مال يحجّ به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس ، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب(عليه السلام) : ليس عليه الخمس(1) .
- (1) الكافي 1 : 547 ح22 ، الوسائل 9 : 507 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب11 ح1 .