(الصفحة 314)
من غير فرق في هذه الثلاثة بين ما كان في أرض الإمام (عليه السلام) ، أو المفتوحة عنوةً ، أو غيرهما . نعم ، ما كان ملكاً لشخص ثمّ صار أجمة مثلاً فهو باق على ما كان1 .
1 ـ أمّا رؤوس الجبال وما يكون بها من النبات والأشجار والأحجار ونحوها وكذا الآجام بالمعنى المذكور في المتن فلم يردا في روايات معتبرة . نعم ، وردا في روايات ضعيفة(1) معتبرة بسبب الانجبار بالعمل على طبقها . وأمّا بطون الأودية فقد وردت في رواية حفص بن البختري ، وكذا رواية محمّد بن مسلم الصحيحتين المتقدّمتين(2) ، فلا محيص عن العمل بهما .
وقد ذكر في مجمع البحرين(3) في تفسير قوله تعالى :
{فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}(4)هي جمع واد على القياس ، وهو الموضع الذي يسيل منه الماء بكثرة فاتّسع فيه ، واستعمل للماء الجاري .
أقول : والظاهر أنّ تعبير إبراهيم(عليه السلام) حين إسكانه زوجته وولده إسماعيل عند بيته المحرّم بقوله :
{رَبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِى بِوَاد غَيْرِ ذِى زَرْع عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}(5) إنّما هو لأجل كون البيت واقعاً من جهة في السطح الداني مع وجود الجبال الكثيرة المرتفعة في جوانبه من جهة اُخرى الموجب لجريان السيل في الكعبة ، ولعلّه لذا صار خراباً مكرّراً .
نعم ، يبقى الكلام في أنّ هذه الاُمور الثلاثة هل هي من الأنفال فيما إذا كانت في
- (1) الوسائل 9 : 524 ، أبواب الأنفال ب1 ح4 .
- (2) في ص292 و 300 .
- (3) مجمع البحرين 3 : 1921 .
- (4) سورة الرعد 13 : 17 .
- (5) سورة إبراهيم 14 : 37 .
(الصفحة 315)
أرض الإمام(عليه السلام) ، أو مطلقاً ولو كانت في الأراضي المفتوحة عنوةً ، أو غيرهما؟ مقتضى المقابلة بينها وبين الأرض الخربة في الروايتين الصحيحتين هو الثاني ، سيّما ما وقع فيه العطف بـ «أو» ; لأنّه لو كان المراد الأوّل يلزم أن يكون العطف من قبيل عطف الخاصّ على العام ، كما في قوله تعالى :
{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}(1) على ما حكي عن بعضهم(2) .
والثمرة تظهر فيما إذا كانت بطون الأودية عامرة حين الفتح ، فعلى الأوّل لا تكون من الأنفال; لكونها ملكاً للمسلمين جميعاً ، وعلى الثاني تكون من الأنفال ، ويكون ذلك بمنزلة الاستثناء ممّا دلّ على ملكيّة المسلمين للأراضي الخراجيّة . الظاهر كما في المتن عدم الفرق; لإطلاق الروايتين المشار إليهما ، وكون عطف الخاصّ على العام خلاف ظاهر العطف ، ولا يصار إليه إلاّ في مثل مورد الآية ممّا قام الدليل عليه .
اللّهم إلاّ أن يقال بأنّ النسبة بين الدليلين عموم وخصوص من وجه ; لأنّ أدلّة الأراضي المفتوحة عنوةً مطلقة شاملة لبطن الوادي ; لأنّ المفروض كونها عامرة حال الفتح ، والروايتان تدلاّن بإطلاقهما على أنّ بطون الأودية من الأنفال ، سواء كانت في الأراضي المفتوحة عنوةً ، أو في أراضي الإمام مثلاً ، ولا مرجّح لأحد الدليلين على الآخر .
والجواب : أنّ أدلّة الأراضي المفتوحة لا تدلّ بنفسها على ذلك ، بل بمعونة الاستصحاب كما تقدّم(3) ، ومع وجود الدليل اللفظي على الخلاف لا مجال لجريان الاستصحاب ، كما لا يخفى .
- (1) سورة الرحمن 55 : 68 .
- (2) مجمع الفائدة والبرهان 4 : 334 .
- (3) في ص308 ـ 309 .
(الصفحة 316)
نعم ، في الأراضي الشخصيّة التي تكون ملكاً لشخص أعمّ من أن يكون واحداً أو عنواناً كذلك كالموقوف عليه العام إذا صارت أجمة بذاتها; أو بعمل تكون الملكية باقية على المالك الأوّل ، ولا تصير من الأنفال بصرف كونها أجمة مثلاً في شيء من الصورتين ، والوجه فيه واضح .
ولكنّه ناقش فيه جماعة(1) واحتمل التعميم ، وفي المقابل ناقش في التعميم جماعة كابن إدريس(2) وصاحب المدارك(3); لانصراف النصّ عن ذلك .
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ محلّ الكلام فعلاً ما لو كانت الملكيّة مستندة إلى شراء ونحوه ، وأمّا المستندة إلى الإحياء ففيه كلام لا يخصّ بطون الأودية ، وهو أنّه لو ملك شخص بالإحياء ثمّ خربت فهل ترجع إلى الإمام(عليه السلام) ، أو تبقى في ملك المحيي؟ فيه بحث مذكور في كتاب الإحياء ، ولعلّ الأظهر هو الرجوع إلى الإمام(عليه السلام) .
وكيفما كان ، فهو خارج عن محلّ الكلام ، والبحث فعلاً متمحّض فيما لو ملك بغير الإحياء . والظاهر أنّه لا يرجع إلى الإمام(عليه السلام) ، وإن احتمل بعضهم أنّ عنوان بطن الوادي عنوان مستقلّ فيشمل بمقتضى إطلاقه ما كان منقلباً عن الملك الشخصي بزلزلة ونحوها ، ولكنّه لا يتمّ .
وذكر في وجهه ما ملخّصه: أنّ مورد هاتين الروايتين هي الأموال التي تنتقل من الكفّار إلى المسلمين ، كما يشهد به صدرهما من فرض المصالحة ، فذكر البطون في هذا السياق يكشف عن كون النظر مقصوراً على ما يتسلّمه المسلمون من الكفّار ، فلا تشمل الأرض التي هي ملك شخصي لمسلم ثمّ صارت بطن الوادي بزلزلة
- (1) المعتبر 2 : 633 ، البيان : 221 ـ 222 ، الحدائق الناضرة 12 : 475 ، جواهر الكلام 16 : 121ـ122 .
- (2) السرائر 1 : 497 .
- (3) مدارك الأحكام 5 : 416 .
(الصفحة 317)ومنها : ما كان للملوك من قطائع وصفايا1 .
ومنها : صفو الغنيمة كفرس جواد ، وثوب مرتفع ، وسيف قاطع ، ودرع فاخر ، ونحو ذلك2 .
ومنها : الغنائم التي ليست بإذن الإمام (عليه السلام)3 .
ونحوها ، فليست هي في مقام بيان أنّ كلّ شيء صدق عليه بطن الوادي فهو من الأنفال ، فالمقتضي قاصر ، وإن أبيت فلا ينبغي الارتياب في الانصراف عن المقام(1) .
قلت : ويؤيّده أنّه من المستبعد في نفسه رجوع ملك شخصي لمسلم إلى الإمام(عليه السلام) بزلزلة ونحوها ، كما لا يخفى .
1 ـ ولا إشكال في كونها من الأنفال ، وتدلّ عليه عدّة من الأخبار ، كصحيحة داود بن فرقد قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : قطائع الملوك كلّها للإمام ، وليس للناس فيها شيء(2) ، ومثلها موثّقة سماعة وغيرها(3) .
2 ـ ولا إشكال في كون صفو الغنيمة كالأمثلة المذكورة في المتن للإمام(عليه السلام) وإن كان الحرب بإذنه .
3 ـ قد تقدّم في بحث الغنيمة(4) التي هي أحد الاُمور المتعلّقة للخمس أنّ المراد
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 362 ـ363 .
- (2) التهذيب 4 : 134 ح377 ، الوسائل 9: 526 ، أبواب الأنفال ب1 ح6 .
- (3) الوسائل 9 : 526 ، أبواب الأنفال ب1 ح8 وص531 ـ 532 ح20 و21 .
- (4) في ص27 ، الجهة الثالثة .
(الصفحة 318)ومنها : إرث من لا وارث له1 .
ومنها : المعادن التي لم تكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض أو بالإحياء2 .
بها ما إذا كان الحرب واقعاً بإذن الإمام(عليه السلام) وبلغ المسلمون إلى غنائم ، وأمّا إذا لم يكن الحرب كذلك،أيواقعاً بغيرإذن الإمام(عليه السلام) فالغنيمة كلّهامن الأنفال وللإمام(عليه السلام).
وقد تقدّم في صحيحة معاوية بن وهب(1) قوله(عليه السلام) : إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام(عليه السلام) عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ .
1 ـ هذا أيضاً ممّا لا إشكال فيه ، وتدلّ عليه عدّة من الروايات أورد عمدتها في الوسائل في كتاب الميراث(2) . وقد ذكر رواية واحدة منها في هذا الباب ، وهي موثّقة أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى ، قال : هو من أهل هذه الآية :
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الاَْنفَالِ}(3) . نعم ، قد وقع البحث في كتاب الإرث في اشتراك الإمام مع الوارث إذا كان زوجة منحصرة وعدم الاشتراك ، والتحقيق هناك .
2 ـ في المعادن ثلاثة أقوال :
الأوّل : أنّها من الأنفال مطلقاً ، سواء كان في الملك الشخصي بالمعنى الأعمّ من الموقوفة لعنوان عامّ ، أو في الملك العام كالمفتوحة عنوة ، غاية الأمر أنّهم (عليهم السلام)أباحوها لكلّ من أخرجها ، فيجب عليه التخميس من دون فرق بين ما إذا كان
- (1) في ص300 .
- (2) الوسائل 26 : 246 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب3 .
- (3) التهذيب 4 : 134 ح374 ، الوسائل 9 : 528 ، أبواب الأنفال ب1 ح14 .