(الصفحة 136)
أقول : الفرق المذكور وإن كان مسلّماً لا ريب فيه ، إلاّ أنّ اقتضاءه ثبوت الفرق من جهة ثبوت الخمس وعدمه ، لو لم نقل باقتضائه ثبوت الخمس في المهر دون الإجارة ، ومجرّد كونه من قبيل تبديل مال بمال لا يوجب عدم تعلّق الخمس مع تحقّق التفاضل في المالية .
فالتحقيق في وجه عدم ثبوت الخمس في المهر ما ذكرناه من السيرة ، مضافاً إلى أنّه لم يفت به أحد ظاهراً ، وإن كان حسن الاحتياط ممّا لا ينبغي أن ينكر .
تنبيهان مهمّان
الأوّل : أنّ مقتضى القاعدة ثبوت الخمس في أرباح مطلق التجارات حتّى الإجارات ، سواء كانت الإجارة على الأعمال أو المنافع ، وسواء كان العمل أمراً غيرعباديّ كالخياطة والكتابة، أو أمراً عباديّاً كالصلاة والصوم والحجّ والزيارات، فاُجرة الحجّ في النيابة الاستئجارية لا تكون خارجة عن هذه القاعدة ، بل هي أيضاً متعلّقة للخمس فيما إذا فضلت عن مؤونة السنة كسائر الأرباح .
ولكن يستفاد من صاحب الوسائل (قدس سره) خلاف ذلك ، حيث عقد في أبواب ما يجب فيه الخمس باباً بهذا العنوان; وهو «باب أنّه لا يجب الخمس فيما يأخذه الأجير من اُجرة الحجّ . . .» وأورد فيه رواية عن الكليني بسندين ـ أحدهما صحيح ، وفي الآخر سهل بن زياد ـ عن علي بن مهزيار قال : كتبت إليه : يا سيّدي رجل دفع إليه مال يحجّ به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس ، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب(عليه السلام) : ليس عليه الخمس(1) .
- (1) الكافي 1 : 547 ح22 ، الوسائل 9 : 507 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب11 ح1 .
(الصفحة 137)
وناقش بعض الأعلام (قدس سره) في الاستدلال بها بعد الاعتراف بصحّة أحد السندين بقصور الدلالة بما يرجع :
أمّا أوّلاً: فلأجل أنّه لم يفرض فيها أنّ المال المدفوع إليه كان بعنوان الإجارة ، ومن الجائز أن يكون قد بذل للصرف في الحجّ ، كما هو متعارف ومذكور في الروايات(1) أيضاً من غير تمليك ولا عقد إجارة ، بل مجرّد البذل وإجارة الصرف في الحجّ ، ومن الواضح عدم وجوب الخمس في ذلك ، إذ لا خمس إلاّ فيما يملكه الإنسان ويستفيده ، والبذل المزبور ليس منه حسب الفرض .
وأمّا ثانياً: فلقرب دعوى أنّ السؤال ناظر إلى جهة الوجوب الفعلي ، إذ لم يسأل أنّه هل في المال خمس أو لا؟ حتّى يكون ظاهراً في الحكم الوضعي ليلتزم بالاستثناء بل يقول: هل عليه خمس ؟ ولا ريب أنّ كلمة «على» إذا دخلت على الضمير الراجع إلى الشخص ظاهرة في التكليف دون الوضع ، وعليه فلو سلّمنا أنّ الدفع كان بعنوان الإيجار فالسؤال ناظر إلى وقت الإخراج ، وأنّه هل يجب الخمس فعلاً أو بعد العود من الحجّ؟ فجوابه(عليه السلام) يرجع إلى أنّه ليس عليه ذلك فعلاً ، لا أنّ هذا المال لم يتعلّق به خمس(2) .
أقول: لو سلّمنا بالجواب الأوّل ولم نقل بأنّ مقتضى الإطلاق الشمول للاستئجار أيضاً ، بل قلنا بأنّ ظاهره الحجّ البذلي في مقابل الحجّ الاستئجاري فلا نسلّم بالجواب الثاني ، ضرورة أنّه ليس محطّ نظر السائل الحكم الوضعي أو التكليفي بالنحو الذي أفاده ، بل محطّ نظره بعد الفراغ عن تعلّق الخمس أنّ الخمس الذي
- (1) وسائل الشيعة 11: 39 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ب10 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 218 ـ 219 .
(الصفحة 138)
يتعلّق بالاُجرة ، هل يتعلّق بمجموعها الذي يأخذه الأجير وهو ألف تومان ، أو بما يبقى له بعد صرف مقدار منها في مصارف الحجّ كالمائتين الباقيتين بعد ثمانمائة المصروفة في الحجّ فرضاً ؟ وعليه فظاهر الجواب أنّه ليس الخمس ثابتاً في مورد السؤال بوجه .
فالإنصاف أنّه لو فرض كون مورد السؤال خصوص الحجّ النيابي الاستئجاري أو الأعمّ منه لكانت الرواية دالّة على عدم الوجوب على خلاف القاعدة المقتضية للوجوب ، كما عرفت(1) .
الثاني : أنّ من المسلّم في باب الإجارة التي هي من العقود اللازمة حصول ملكيّة الاُجرة للأجير في إجارة الأعمال ، وللمؤجر في إجارة المنافع بمجرّد تحقّق عقد الإجارة وصدوره من الطرفين ، كما أنّ من المسلّم في باب الخمس ثبوته على من آجر نفسه في سنة وفضلت الاُجرة عن مؤونة سنته ، وكذا على من آجر داره الإضافيّة المنتقلة إليه بالإرث ، أو مثله ممّا لا يتعلّق به الخمس ، أو بالشراء من المال المخمّس وكان معاشه من طريق إجارتها وفضلت الاُجرة عن مؤونة سنته مع فرض كون الإجارة في تلك السنة .
إنّما الإشكال فيما إذا آجر نفسه سنتين مثلاً واستلم الاُجرة بمجرّد تحقّق الإجارة ، وأنّه هل الملاك في فضل مؤونة السنة عن جميع تلك الاُجرة ، أو أنّ الملاك في ذلك هو الفضل عن مؤونة سنة واحدة بالإضافة إلى الاُجرة الموزّعة على تلك السنة؟ وكذا فيما إذا آجر داره الموصوفة آنفاً سنتين مثلاً واستلم المؤجر جميع الاُجرة ، وأنّه هل يجب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة بالإضافة إلى جميع الاُجرة ، أو أنّ
(الصفحة 139)
الملاك هي الاُجرة الموزّعة على سنة واحدة; وهي نصف مال الإجارة المفروض ؟
قال بعض الأعلام (قدس سره) في هذا المجال ما خلاصته ترجع إلى أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم الاحتساب في باب الإجارة على الأعمال; لأنّه وإن كان قد ملك اُجرة السنة الآتية وقد تسلّمها على الفرض ، إلاّ أنّه بإزاء ذلك مدين فعلاً بنفس العمل في السنة الآتية ، ولابدّ من استثناء الدين في تعلّق الخمس ، فإنّه من المؤن ، فلا يصدق أنّه استفاد بلا عوض ليتعلّق به الخمس .
قال : فالمقام نظير ما لو استدان مبلغاً وبقي عنده إلى نهاية السنة ، فإنّه لا خمس فيه وإن كان ملكاً له; لكونه مديناً بمقداره للغير ، ولا فرق في استثناء الدين بين المتعلّق بالأموال أو الأعمال; لاشتغال الذمّة الموجب للاحتساب من المؤونة في الموردين بمناط واحد كما هو ظاهر ، فلا يصدق في شيء منهما عنوان الفائدة(1) .
أقول : الظاهر أنّ الدين بمجرّده لا يكون من المؤونة ، بل الذي يكون منها هو أداء الدين وردّه إلى صاحبه . فلو بنى المقترض على عدم أداء قرضه أصلاً ، فهو وإن كان خلاف الشرع لوجوب الأداء ، إلاّ أنّه مع البناء على العدم وعدم تحقّق الأداء لا مجال للاحتساب من المؤونة ، ومجرّد الاشتغال لا يوجب ذلك ، ففيما إذا اقترض مالاً سنتين وشرط الأداء أقساطاً في كلّ شهر مقداراً معيّناً ـ كما هو المتداول في هذه الأزمنة ـ فاللاّزم مراعاة الأداء في كلّ سنة ، فإذا أدّى نصفه فرضاً قبل حلول السنة الخمسية التي عيّنها بالإضافة إلى كلّ سنة يكون المقدار المؤدّى في كلّ سنة محسوباً من مؤونته ، ويجب عليه الخمس بالنسبة إلى المقدار الباقي من سهم قرض السنة وسائر المؤن المصروفة .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 220 .
(الصفحة 140)
مثلاً إذا اقترض ألفين بشرط أن يؤدّي في كلّ سنة ألفاً ، فإذا أدّى الألف في السنة الاُولى طبقاً للشرط فهو يعدّ من مؤونتها ، فإذا فضل له من الألف وسائر المؤن المصروفة فاللازم أداء خمس الفاضل ، ولا مجال لحساب المجموع في هذه السنة ، كما أنّه لا مجال لعدم احتساب الألف بعد أدائه وردّه إلى المقرض . نعم ، لو لم يؤدّ يجب عليه خمس الألف أيضاً ، وهكذا على هذا المنوال .
وفيما كان الدين هو العمل فأداؤه هو إيجاده في ظرفه المستأجر عليه فيه ، وعليه فاللازم هو التفصيل بين من لا يكون له البناء على العمل في السنة الآتية في المثال المفروض ، فالفاضل يعدّ بالإضافة إلى مجموع الاُجرة المستلمة لا اُجرة خصوص العمل في هذه السنة ، كما لا يخفى .
هذا في الإجارة على الأعمال .
وأمّا الإجارة على المنافع ، فالمحكيّ عن السيّد الحكيم (قدس سره) في منهاجه(1) هو الاحتساب ، نظراً إلى وجود الفرق بين المنفعة والعمل من حيث الاشتغال وعدمه .
ولكنّه أورد عليه بعض الأعلام (قدس سره) بما يرجع إلى أنّ هذا النوع من الإيجار لا يوجب نقصاً في ماليّة العين بطبيعة الحال ، ضرورة أنّ الدار المسلوبة المنفعة عشر سنين مثلاً أو أقلّ تسوى بأقلّ منها لو لم تكن مسلوبة ، فكانت تقوّم بألف والآن بثمانمائة مثلاً ، ولا شكّ أنّ هذا النقص لابدّ من احتسابه ومراعاته عند ملاحظة الفائدة ، فلا يستثنى من الاُجرة التي تسلّمها خصوص مؤونة هذه السنة ، بل يراعى النقص المزبور أيضاً .
قال في توضيحه : فلو فرضنا أنّ الدار تسوى ألف دينار ، وقد آجرها عشر
- (1) منهاج الصالحين 1 : 468 ـ 469 مسألة : 45 .