(الصفحة 402)
والشيخ في جملة من كتبه(1) ، وابن إدريس في السرائر(2) ، كما سيجيء عبائرهم .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا إشكال في أصل الثبوت ; للآية الشريفة الواردة في الخمس(3) ، بعد كون المراد بالغنيمة الواردة فيها مطلق ما يغنمه الإنسان على ما هو معناها بحسب اللغة(4) ، ويدلّ عليه الرواية الآتية الواردة في تفسيرها ، وللفتاوى المذكورة وغيرها .
الأمر الثاني: في متعلّق هذا الخمس .
فنقول: لا إشكال في ثبوته في التجارات التي مرجعها إلى حصول الربح ; لأجل تغيير المكان أو اختلاف الزمان أو غيرهما ، وكذا في الصناعات التي معناها إيجاد الهيئة المقصودة في المادّة الخالية عنها صناعة ، وكذا في الزراعات التي حقيقتها التوليد . وأمّا في غيرها كالميراث والهبة والصداق ففي ثبوت الخمس فيها إشكال ، ولابدّ من النظر في الفتاوى والنصوص حتى يظهر مقدار دلالتها من حيث متعلّق الخمس في هذا القسم .
فنقول: قال المفيد في المقنعة : وكلّ ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد(5) ، وقال مثله السيّد في الانتصار(6) ، وقال الشيخ في النهاية : ويجب الخمس أيضاً في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك بعد إخراج مؤنته
- (1) النهاية : 196 ـ 197 ، المبسوط 1 : 238 ، الخلاف 2 : 118 مسألة 139 ، الاقتصاد : 427 ، الرسائل العشر (الجمل والعقود) : 207 .
- (2) السرائر 1 : 486 .
- (3) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (4) راجع مجمع البحرين 2: 1337 ، ولسان العرب 5: 66، وتاج العروس 17: 527.
- (5) المقنعة : 276 .
- (6) الانتصار : 225 .
(الصفحة 403)
ومؤنة عياله(1) . وقال ابن زهرة في الغنية : ويجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤنة الحول على الإقتصاد من كلّ مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الإستفادة أيّ وجه كان(2). وقال ابن إدريس في السرائر : ويجب الخمس أيضاً في أرباح التجارات والمكاسب ، وفيما يفضل من الغلاّت والزراعات على اختلاف أجناسها عن مؤنة السنة له ولعياله(3) .
والظاهر أنّه لا يستفاد من شيء منها ثبوت الخمس في مثل الميراث والهبة ، وإن وقع عطف كلمة «غير ذلك» في بعض العبارات المتقدّمة ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد به ما يشبه التجارات ونحوها ، والضابط هو الفوائد الحاصلة من وجود المعاملات أو من كدّ يمينه أو مثلهما ، ولا تشمل كلماتهم ما ذكر .
وأمّا النصوص :
فمنها : رواية محمّد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : أخبرني عن الخمس ، أ على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه : الخمس بعد المؤونة(4) .
والظاهر عدم دلالتها إلاّ على وجوب الخمس بعد المؤونة ، وثبوته في جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير ، ومن الواضح أنّ الاستفادة ظاهرة في الاستفادات المتعارفة الحاصلة من الطرق المعمولة بين الناس في إعاشتهم واكتسابهم .
- (1) النهاية : 196 ـ 197 .
- (2) غنية النزوع : 129 .
- (3) السرائر 1 : 486 .
- (4) التهذيب 4 : 123 ح352 ، الاستبصار 2 : 55 ح181 ، الوسائل 9 : 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1 .
(الصفحة 404)
ومنها : رواية أبي عليّ بن راشد قال : قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما اُجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس ، فقلت : ففي أيّ شيء؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم ، قلت : والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(1) .
والمراد بقوله(عليه السلام) : «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» إذا فضل لهم شيء بعد إخراج المؤونة واستثنائها ، وعدم دلالته على ثبوت الخمس في مثل الهبة والميراث واضحة .
ومنها : رواية سماعة قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس؟ فقال : في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير(2) .
والحكم فيها معلّق على جميع ما أفاد(3) الناس ، ومن الظاهر أنّ المتبادر من الفائدة الحاصلة للناس الفائدة الحاصلة من الطرق المعمولة المتعارفة التي بها يكتسب غالباً ، كما لا يخفى .
ومنها : رواية عبدالله بن القاسم الحضرمي(4) ، عن عبدالله بن سنان قال : قال أبوعبدالله(عليه السلام) : على كلّ امرئ غَنِمَ أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة (عليها السلام) ، ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس ، فذاك لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤوا، وحرّم عليهم الصدقة ، حتّى الخيّاط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا
- (1) التهذيب 4 : 123 ح353 ، الاستبصار 2 : 55 ح182 ، الوسائل 9 : 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح3 .
- (2) الكافي 1 : 545 ح11 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح6 .
- (3) وليعلم أنّ «أفاد» بمعنى الإستفادة والفائدة ; لأنّه يستعمل بهذا المعنى أيضاً ، كما يظهر بمراجعة اللغة ، (المقرّر).
- (4) والظاهر أنّه ضعيف ، راجع رجال النجاشي: 226 الرقم 594، ومجمع الرجال 4: 36 ، (المقرّر) .
(الصفحة 405)
منه دانق، إلاّ من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة ، إنّه ليس من شيء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا ، إنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول : ياربّ سل هؤلاء بما أبيحوا(1) . والحكم فيها معلّق أيضاً على الغنيمة والتكسّب ، وهما لا يشملان المقام .
ومنها : رواية حكيم ، الواردة في تفسير الآية الشريفة(2) ، وأنّ المراد بالغنيمة هي الإفادة يوماً بيوم(3) .
وليس المراد حصر المراد فيما ذكر ، بل بيان أنّ الإفادة يوماً بيوم أيضاً من مصاديق الغنيمة المعلّق عليها وجوب الخمس ، وظاهرها الفوائد اليومية الحاصلة من الطرق العادية التي يتحقّق للناس نوعاً في كلّ يوم ، فلا تشمل المقام أيضاً ، وقد انقدح أنّ شيئاً من هذه الروايات لا تدلّ على ثبوت الخمس فيما ذكر .
نعم ، يمكن أن يستدلّ على الثبوت ـ مضافاً إلى دعوى أنّه إذا كان الخمس ثابتاً في الفوائد الحاصلة من الطرق العادية ، المبتنية على نوع كلفة ومشقّة من حيث تغيير المكان، أو تطويل الزمان، أو تغيير الهيئة أو نحوها ، كما في التجارة والصناعة والزراعة ، ففيما لا يكون مشتملا على شيء من ذلك ، بل يحتاج إلى قبول لفظيّ فقط كما في الهبة ، أو لا يحتاج إليه أيضاً كما في الميراث ، يكون الخمس ثابتاً بطريق أولى . وإن أبيت عن الأولويّة فمقتضى مفهوم الموافقة الذي هو عبارة عن إلغاء الخصوصية ، كما نبّهنا عليه مراراً ثبوت الخمس فيها أيضاً ـ ببعض الروايات التي يمكن التمسّك بها بذلك ، كرواية عليّ بن مهزيار الطويلة الدالّة على ثبوت الخمس
- (1) التهذيب 4 : 122 ح348 ، الاستبصار 2 : 55 ح180 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح8 .
- (2) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (3) التهذيب 4 : 121 ح344 ، الاستبصار 2 : 54 ح179 ، الوسائل 9 : 546 ، أبواب الأنفال ب4 ح8 .
(الصفحة 406)
في الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن(1) .
ورواية يزيد ، الدالّة على ثبوت الخمس في مطلق الجائزة من دون التقييد بما له خطر(2) .
وليعلم أنّ الراوي عن يزيد في هذه الرواية هو أحمد بن محمّد بن عيسى ، ولم يرو عنه في الكتب الأربعة إلاّ هذه الرواية ، ولا يعلم من يزيد ، ولم يعلم أبوه ، فهو مجهول الحال رأساً .
ورواية أبي بصير ، الواقع في سندها «أحمد بن هلال» الدالّة على ثبوت الخمس في مطلق الهدية(3) ، ولكنّه يحتمل قوياً أن يكون الصادر نفي الخمس في ذلك ، بحيث كان الصادر كلمة «لا خمس» لا «الخمس» .
ورواية علي بن حسين بن عبد ربّه ، الدالّة على نفي الخمس فيما سرّح به صاحب الخمس ، الظاهرة في ثبوته فيما سرّح به غيره(4) ، كما لا يخفى .
ورواية أبي خديجة ، الدالّة على ثبوته في الميراث والعطية(5) .
هذا ، ولكن الفتوى على طبق هذه الروايات ـ مع عدم كون مثل الميراث والهبة من طرق الإكتساب ، المعمولة بين العقلاء الرائجة عندهم في كلّ يوم ، وحصر الخمس في الأشياء المعيّنة المعهودة التي منها أرباح المكاسب غير الشاملة
- (1) التهذيب 4 : 141 ح398 ، الاستبصار 2 : 60 ح198 ، الوسائل 9 : 501 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح5 .
- (2) الكافي 1 : 545 ح12 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح7 .
- (3) مستطرفات السرائر: 100 ح28 ، الوسائل 9 : 504 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح10 .
- (4) الكافي 1 : 547 ح23 ، الوسائل 9 : 508 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب11 ح2 .
- (5) التهذيب 4 : 137 ح384 ، الاستبصار 2 : 58 ح189 ، الوسائل 9 : 544 ، أبواب الأنفال ب4 ح4 .