(الصفحة 249)
ودعوى أنّه يمكن أن يكون الوجه في الاحتياط الأمر بالتصدّق بالخمس في نقل الوسائل للموثّقة(1) ، مدفوعة بعدم إشعار شيء من كلامه إلى هنا بذلك .
وأمّا الصورة الثانية : فالحكم بالإضافة إلى عدم ثبوت الخمس عليه كما مرّ في الصورة الاُولى ، لكن البيع يصير فضوليّاً بالإضافة إلى الحرام الواقعي المجهول المشتمل عليه المبيع; لعدم صدوره بإذن المالك . غاية الأمر أنّه حيث يكون المالك مجهولاً يتوقّف على إجازة الحاكم الشرعي وإمضائه ، فإن لم يمضه يثبت للمشتري خيار تبعّض الصفقة ، ومع عدم إعمال الخيار يكون المال في يده من الحلال المختلط بالحرام مع إحراز كونه كذلك قبل المعاملة ، وإن أمضاه يكون المبيع بتمامه ملكاً للمشتري ، ويصير العوض في صورة كونه مقبوضاً للبائع كالمعوّض قبل البيع في كونه من الحلال المختلط بالحرام ، فيترتّب عليه حكمه ، ولوليّ الخمس الرجوع إلى البائع في هذا الفرض ، كما أنّ له الرجوع إلى المشتري في الفرض الآخر الذي صار المبيع مقبوضاً له ، ولكن أصل جواز الرجوع إلى البائع أو المشتري مشكل; لمّا عرفت من أنّ تعلّق الخمس بهذا الأمر ليس كتعلّقه بسائر الاُمور المتعلّقة للخمس في ثبوت الشركة مثلاً ، بل الخمس إنّما يؤثِّر في تحليل الباقي وتطهيره في مقابل القاعدة المقتضية لوجوب الاجتناب عن الجميع ، فتأمّل .
- (1) أي موثّقة السكوني المتقدّمة في ص214 .
(الصفحة 250)
(الصفحة 251)
القول في قسمته ومستحقّيه
مسألة 1 : يقسّم الخمس ستّة أسهم : سهم لله تعالى ، وسهم للنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وسهم للإمام (عليه السلام) ، وهذه الثلاثة الآن لصاحب الأمر أرواحنا له الفداء وعجّل الله تعالى فرجه، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل ممّن انتسب بالأب إلى عبد المطّلب، فلو انتسب إليه بالاُمّ لم يحلّ له الخمس ، وحلّت له الصدقة على الأصحّ1 .
1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة لاُمور :
الأمر الأوّل : أنّه يقسّم الخمس ستّة أسهم ، والأصل في ذلك قوله تعالى :
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(1) الآية ، وقد وردت في هذا المجال روايات مستفيضة ، بل متواترة بالتواتر الإجمالي الذي يرجع إلى العلم القطعي بصدور بعضها إجمالاً (2) . لكن في مقابل هذا القول ـ الذي هو المشهور(3) والمعروف ـ قول ابن
- (1) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (2) الوسائل 9 : 509 ، أبواب قسمة الخمس ب1 .
- (3) المهذّب البارع 1: 560 ، غاية المرام 1: 297 ، الروضة البهيّة 2: 78 ، مسالك الأفهام 1: 470 ، الحدائق الناضرة 12: 369 ، مستند الشيعة 10: 83 .
(الصفحة 252)
الجنيد بأنّه يقسّم خمسة أسهم(1) .
وحكي عن المدارك(2) التوقّف في المسألة ، استناداً إلى صحيحة ربعي بن عبدالله ابن الجارود ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ، ثمّ قسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله ـ عزّوجلّ ـ لنفسه ، ثمّ يقسّم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل ، يعطي كلّ واحد منهم حقّاً ، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول(صلى الله عليه وآله)(3) .
والعمدة في الجواب أنّ المدّعى أنّ الخمس خمسة أسهم بحذف سهم الله تبارك وتعالى ، وعمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا دلالة له على ذلك ، بل غايته أنّه أعرض عن سهمه وبذل حصّته لسائر الأصناف ، لا أنّه لم يكن له حصّة مع تصريح الآية بذلك .
هذا ، مضافاً إلى أنّ إعراض المشهور عن هذه الرواية بناءً على كون مفادها ما رامه ابن الجنيد يستلزم طرح الرواية ، ويوجب العمل بتلك الروايات ولو فرض عدم ثبوت التواتر الإجمالي لها ، بل عدم صحّة سند جميعها كما قد قرّرناه مكرّراً .
ولا يبعد أن يقال : إنّ مثل هذه الرواية من الروايات المشتملة على مخالفة القرآن
- (1) قال الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: 288: وإن حكى بعض استظهار كونه ابن الجنيد إلاّ أنّ المحكي عنه في المختلف 3: 197 ذيل المسألة 26: موافقة المشايخ الثلاثة وباقي علمائنا . وكذا قال المحقّق الهمداني في مصباح الفقيه 14: 203: بل لم يعرف قائله ، وقد حكي عن بعض استظهار كونه ابن الجنيد .
- (2) مدارك الأحكام 5 : 396 ـ 397 .
- (3) التهذيب 4 : 128 ح365 ، الوسائل 9 : 510 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح3 .
(الصفحة 253)
بهذا النحو ساقط عن الاعتبار ولو لم يكن هناك معارضة مع الروايات الاُخرى .
ثمّ إنّ قول الإمام(عليه السلام) في ذيل الرواية: «وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)» يدلّ على أنّ المراد هو التشبيه في مقام العمل ببذل حقّه وحصّته ، لا عدم ثبوت الحقّ له رأساً ، ولم يقل به أحد أصلاً ، كما لا يخفى .
الأمر الثاني : الظاهر من المتن أنّ المراد بذي القربى هو الإمام(عليه السلام) كما هو المشهور(1) بل المجمع عليه(2) في تفسير الآية الشريفة ، خلافاً لابن الجنيد القائل بأنّ المراد به مطلق القرابة(3) كما يقول به العامّة(4) ، ويؤيّده إفراد ذي القربى وإن كان جعله دليلاً قد وقع مورداً للإشكال ; بأنّ المراد به هو الجنس كما في ابن السبيل ، وإن كان يدفع الإشكال قوله تعالى :
{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}(5) الوارد في قصّة فدك الذي أعطاها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)فاطمة (عليها السلام) وأنحلها إيّاها .
ويؤيّده أيضاً اعتبار السيادة في الأصناف الثلاثة الاُخر; وهم المساكين واليتامى وأبناء السبيل ، فلو كان المراد بذي القربى مطلق القرابة يلزم أن تكون الأسهم ما دون الستّة ، واحتمال اعتبار الفقر في خصوص الثلاثة الأخيرة وجعله فارقاً بينهم وبين مطلق القرابة ـ مضافاً إلى استبعاد أن يكون مثل أبي لهب الوارد في قدحه السورة المباركة مستحقّاً للخمس ـ يدفعه ضرورة عدم استحقاق الغنيّ للخمس كما في الزكاة التي هي أوساخ الناس ، وقد جعل الله تعالى الخمس عوضاً عنها كما في
- (1) مختلف الشيعة 3: 198 مسألة 156 ، كفاية الأحكام: 44 ، مستند الشيعة 10: 86 .
- (2) غنية النزوع: 130 ، تذكرة الفقهاء 5 : 432 ، منتهى المطلب 1 : 550 ، جواهر الكلام 16 : 86 .
- (3) مختلف الشيعة 3 : 198 مسألة 156 .
- (4) الاُمّ 4 : 147 ، المغني لابن قدامة 7 : 304 ـ 305 ، الشرح الكبير 10 : 492 .
- (5) سورة الإسراء 17 : 26 .