(الصفحة 196)
والعمدة في الترجيح أنّ التعبير بالخمس اصطلاح قرآني في مقابل الزكاة التي اُمر بإيتائها بعد الأمر بإقامة الصلاة كثيراً ، وعليه فيبعد أن يكون المراد به هما العشرين وإن كانا متساويين من حيث المقدار; لاتّحاد العشرين مع الخمس ، ولا يناسب التعبير بالخمس في باب الزكاة ولو فرض التساوي من حيث المقدار ، وذلك مثل أنّه لا يقال في مقام الاستغفار: «يا شديد العذاب» بل يقال : «يا غفّار» مثلاً مع وحدة الموصوف بالوصفين ، كما هو واضح . هذا ، مع أنّ مثل صاحب الوسائل استفاد من الرواية الخمس ، ولذا أوردها في كتاب الخمس في أبواب ما يجب فيه الخمس ، فراجع .
ثمّ إنّه على تقدير القول بإجمال الرواية واحتمالها لكلا الوجهين ، نظراً إلى عدم ثبوت الترجيح بالمرجّحات المذكورة ، هل يمكن الالتزام بترجيح الوجه الأوّل من طريق آخر؟ قيل: نعم ، نظراً إلى أنّ مقتضى حجّية الظنّ الحاصل من الانسداد الصغير هو ترجيح هذا الوجه ، والانسداد الصغير الجاري هنا أنّه بعد العلم بكون المراد من الخمس في الرواية هو أحد الأمرين ، فمقتضى قاعدة الاحتياط الجارية في موارد العلم الإجمالي وإن كان هو الالتزام بدفع خمس عين الأرض وحاصلها معاً ، إلاّ أنّا نعلم بعدم ثبوت هذا الاحتياط ، وأنّه لا يلزم الذمّي بدفع كلا الأمرين ، فلابدّ من الالتزام بما هو المظنون منهما ، ولا ريب في أنّ الظنّ حاصل بالإضافة إلى الوجه الأوّل ; نظراً إلى الوجوه المذكورة في مقام ترجيحه ، فلا محيص إلاّ عن حمل الرواية عليه ، ولا بأس بهذا القول كما لا يخفى .
المقام الثاني : في حدود الموضوع وخصوصيّاته ، ونقول : البحث فيها في اُمور :
منها : الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم ، فإنّه لا إشكال في أنّ الأرض إذا كانت خالية محضة معدّة للبناء أو الزرع ونحوهما مشمولة للحكم ومتعلّقة بعينها
(الصفحة 197)
للخمس بعد ثبوت أصل الحكم وإثبات الدليل إيّاه ، بل هو القدر المتيقّن من الموضوع للحكم المذكور ، كما أنّه لو كان الأمر المشترى شيئاً غير مرتبط بالأرض رأساً ولا مشتملاً عليها ، كما إذا اشترى أشجار البستان فقط ، أو اشترى سهم الإرث الثابت للزوجة بناءً على كونها ممنوعة من إرث الأرض مطلقاً ، لا مجال لاحتمال ثبوت الخمس على الذمّي .
إنّما الكلام والإشكال فيما إذا اشترى دكّاناً أو خاناً أو داراً أو حمّاماً أو نحوها ممّا هو مشتمل على الأرض أيضاً ، فإنّه قد وقع الاختلاف في ثبوت الخمس بالإضافة إلى أرضها ، فالمحكيّ عن الفاضلين(1) والمحقّق الثاني(2) الاختصاص بأرض الزراعة .
ويظهر من المتن التفصيل بين ما إذا كانت الأرض المشتراة مبيعة تبعاً للعناوين المذكورة ، فلا يجب فيها الخمس ، وبين ما إذا كانت مبيعة مستقلّة ، فاللازم فيها الخمس ، ولعلّ السرّ فيه أنّ الصادق حينئذ اشتراء الدار أو الدكّان أو الحمّام لا اشتراء الأرض الذي هو الموضوع في الرواية .
ولكن الذي ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ ما يرجع إلى مثل الدار مركّب من الأرض والبناء ، فالأرض جزء من المبيع ، ولا مجال لدعوى التبعية التي مرجعها إلى كونها خارجة عن المبيع بالذات وداخلة فيه بالتبع ، ولذا يحصل للمشتري خيار تبعّض الصفقة إذا انكشف كون الأرض مستحقّة للغير ، فدخولها في المبيع إنّما هو كالدخول فيما إذا اشترى أرضاً مع أرض آخر ، فالتبعية أمر والجزئية والضمنية أمرٌ
- (1) المعتبر 2 : 624 ، منتهى المطلب 1 : 549 .
- (2) جامع المقاصد 3 : 52 .
(الصفحة 198)
آخر ، فلِمَ لا يصدق عنوان الموضوع في الرواية بعد ثبوت الإطلاق لها(1)؟
ويمكن الإيراد عليه بأنّه بعد عدم إحاطتنا بحكمة أكثر الأحكام ـ سيّما العبادات المبنيّة على التعبّد ـ أنّ شمول الحكم لمورد تابع لصدق عنوان موضوعه عليه عرفاً ، ومن المعلوم أنّه لا يصدق عنوان اشتراء الأرض على من اشترى الدار أو الدكّان مثلاً ، فإنّ مثلهما وإن كان مشتملاً على الأرض لا بنحو التبعية ، بل بنحو الجزئية والضمنية ، إلاّ أنّ اشتراء الأرض يغاير عنوان اشتراء الدار ، فلا يقال لمن اشترى داراً: إنّه اشترى أرضاً ، وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع مركّباً من الأرض وغيره ، كما إذا اشترى أرضاً وأثواباً مثلاً . نعم ، لو اشترى أرض هذه الاُمور مستقلّة عن البناء ونحوه يصدق عنوان اشتراء الأرض ، كما لا يخفى .
ومنها : عنوان الاشتراء المذكور في الموضوع ، فإنّ فيه خصوصيات ثلاثاً: الانتقال ، وكون الانتقال في مقابل العوض ، وكون الانتقال كذلك بعنوان الاشتراء في مقابل الصلح المعاوضي والهبة المعوّضة ومثلهما . وإلغاء الخصوصية من جهة الخصوصية الثالثة وإن كان أمراً ممكناً في نفسه ، إلاّ أنّ الظاهر بمقتضى ما ذكرنا عدم جواز إلغاء الخصوصية بعد كون الموضوع عنوان الاشتراء ، ومرجعه إلى لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للأصل والقاعدة على القدر المتيقّن .
ولكنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) : أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي إلغاء خصوصيّة الشراء بحسب الفهم العرفي ، وأنّ الاعتبار بمطلق الانتقال من المسلم إلى الذمّي كيفما اتّفق ولا خصوصيّة للشراء ، فالمقام نظير منع المسلم عن بيع شيء من الذمّي كالعبد المسلم ، فإنّه لا يرى العرف خصوصيّة للانتقال البيعي .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 177 .
(الصفحة 199)
وبعبارة اُخرى; قد يكون الحكم متعلّقاً بنفس العقد ، كما في مثل: نهى النبي عن بيع الغرر(1) ، أو البيّعان بالخيار حتّى يفترقا(2) ، ففي مثله لا يتعدّى الحكم إلى مثل الصلح ، واُخرى يكون الحكم متعلّقاً بالخصوصيّة الكائنة في المنتقل عنه والمنتقل إليه كما في المقام ، ففي مثله لا يرى العرف خصوصيّة لكيفيّة الانتقال ، بل يتعدّى إلى مطلق النواقل ، ولعلّ السرّ في تشريعه هو التقليل من الانتقال المذكور خارجاً كي لا يتسلّط الكفّار على أراضي المسلمين ، ففرض عليه الخمس لكي تقلّ رغبته في الشراء(3) .
ويمكن الإيراد عليه : بأنّ أغلبيّة الشراء بالإضافة إلى سائر المعاوضات لعلّها صارت موجبة للحكم المذكور ، فلا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية منه . نعم ، الظاهر اعتبار المعاوضة وإن كانت بغير الشراء ، وإن كان وجوب الخمس فيما لم يكن هناك معاوضة لعلّه كان أقوى في بادئ النظر ، بل لا وجه للخمس كما يأتي .
والتحقيق أنّ في المسألة تردّداً وإشكالاً كما في المتن والعروة(4) ، والظاهر منهما أنّه لا إشكال في عدم جواز إلغاء الخصوصيّة من الجهة الاُولى; لأنّه لا مجال لتوجّه الخمس إليه بعد عدم تحقّق الانتقال أصلاً ، كما إذا اُبيح للذمّي التصرّف في أرض المسلم من ناحيته ، إنّما الإشكال في الجهتين الاُخريين ، ويظهر منهما أنّه لا خمس فيما
- (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 ح168 ، وسائل الشيعة 17: 448 كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ب40 ح3 .
- (2) الكافي 5: 170 ح4 ـ 6 ، الخصال: 127 ح128 ، التهذيب 7: 20 ح85 ، الاستبصار 3: 72 ح240 . وسائل الشيعة 18: 5 ـ 6 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب5 ح1 ـ 3 .
- (3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 178 ـ 179 .
- (4) العروة الوثقى 2 : 386 .
(الصفحة 200)
إذا انتقلت إليه مجّاناً كما في الهبة غير المعوّضة; لتخصيصهما الإشكال والتردّد بالمعاوضات غير الشراء ، ولازم ما ذكره بعض الأعلام ممّا تقدّم إلغاء الخصوصية من هذه الجهة ; لأنّ المهمّ المستفاد من كلامه تحقّق الانتقال من المسلم إلى الذمّي، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون بصورة المعاوضة أو بصورة غيرها ، كما لا يخفى .
ويرد على بعض الأعلام (قدس سره) أنّ مناسبة الحكم والموضوع بالنحو المذكور غير ثابتة ، خصوصاً مع ملاحظة ما ذكرنا في الشراء من أنّ أغلبيّته لعلّها كانت موجبة للحكم .
وأمّا ما أفاده من التفصيل في الأحكام المترتّبة على مثل البيع ، فيرد عليه ـ مضافاً إلى عدم تماميّته في نفسه ـ أنّا نرى بعض الأحكام مترتّباً على بيع شيء من دون خصوصيّته للبائع والمشتري مع عدم ثبوته في غير البيع من سائر المعاوضات ، كما في مثل خيار الحيوان الثابت في بيعه للمشتري ثلاثة أيّام ، مع عدم جريانه في مثل صلح الحيوان ولو كان مع العوض ، فلِمَ لا يكون المقام كذلك ؟
وبالجملة : لا نرى قوّة في إلغاء الخصوصية من غير جهة الانتقال ، فتأمّل .
ثمّ إنّه في المتن احتاط وجوباً في مورد الإشكال في ثبوت الخمس للاشتراط عليه في المعاملة أن يعطي مقدار الخمس; لأنّ الظاهر أنّه أراد من المعاوضة في المتن خصوص المعاوضة غير البيع والشراء ، فيكون المراد هو الاحتياط الوجوبي .
ويرد عليه أنّه لا وجه للحكم بوجوب الاحتياط; لأنّه بعد عدم وضوح إلغاء الخصوصيّة من الدليل الذي يكون الموضوع فيه هو الشراء غير الشامل لسائر الموضوعات يكون مقتضى الأصل البراءة ولا مجال للاحتياط .
وكيف كان ، فثبوت الخمس في صورة الاشتراط إنّما يتحقّق بالاشتراط الذي