(الصفحة 331)كلمة المقرر المعظّم
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد التحيّة والسلام ; عندما كنت أتجوّل في المسودّات التي كتبتها في سالف الزمان ، إذاً واجهت مع مسودّة مختصرة كتبتها قبل أربعين سنة، وهي رسالة فقهية في بحث الخمس مستفادة من محاضرات الاُستاذ الأكبر زعيم الحوزات العلمية في زمانه; آية الله العظمى السيِّد الحاجّ آقا حسين الطباطبائيّ البروجردي قدّس سرّه الشريف .
والرسالة وإن كانت في كمال الاختصار، إلاّ أنّه حيث كان المعظّم له خرّيت فنّ الفقه وما يتوقّف عليه من العلوم المختلفة ، فلا محالة تكون مشتملة على فوائد عظيمة لعلّ بعضها لم يوجد إلاّ فيها ، فطلبت من بعض الأفاضل الباحثين في مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) الذي أسّسته ، القيام بتخريج مصادرها من الأقوال والروايات وسائر الجهات ثمّ إبرازها إلى عالم الطبع ، لعلّه كان شكراً لأنعمه الكثيرة عليّ ، ومنشأً للانتقال إلى المطالب الاُخرى ، فإنّه ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، وربما يستفيد بعض من خلالها المخفيّ مالا يستفاد من ظاهرها. مستمدّاً بذلك من الله تبارك وتعالى، لإنجاز هذا المشروع ومنتظراً للأجر والثواب .
(الصفحة 332)
(الصفحة 333)
الخمس
لا ريب في وجوبه في الشريعة المقدّسة الإسلامية ، بل هو من الضروريات ، ويدلّ عليه ما عدا العقل من الأدلّة الأربعة: الكتاب(1) والسنّة(2) والإجماع(3) ، فأصل وجوبه في الجملة ممّا لا ينبغي الارتياب فيه ، وإن وقع الاختلاف الكثير في فروعاته ، كما ستقف عليه .
قال الله تعالى في سورة الأنفال :
{وَاعلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَىء}الآية ، وهي نازلة بعد حرب بدر الذي سمّـاه الله تعالى في هذه الآية يوم الفرقان ويوم التقى الجمعان ; لأنّ الله فرّق فيه بين المسلمين والمشركين بقمع هؤلاء وإعزاز اُولئك ، وكان يوماً التقى الجمعان فيه ، وقد وقع في سنة اثنتين من الهجرة على رأس ثمانية
- (1) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (2) الوسائل 9 : 483 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب1 .
- (3) اُدّعي الإجماع في كثير من كتب فقهائنا، كالانتصار : 226 ، والخلاف 2 : 117 ـ 118 مسألة 138 و139 ، وغنية النزوع : 129 ، والمهذّب البارع 1 : 556 ، وذخيرة المعاد : 477 ، ورياض المسائل 5 : 237 ، ومستند الشيعة 5 : 10 ، وجواهر الكلام 5 : 16 .
(الصفحة 334)
عشر شهراً ، وكان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، وجمع الكافرين بين تسعمائة إلى ألف من صناديد قريش ورؤسائهم ، ومع ذلك فهزموهم وقتلوا منهم زيادة على السبعين ، وأسروا منهم مثل ذلك ، وقد وصل إلى المسلمين من تلك الحرب فوائد كثيرة وغنائم عظيمة .
ثم خاطبهم الله بقوله تعالى:
{وَاعلَمُوا} إلخ ، ومفاده أنّ ما اغتنمتم من الغنائم يكون خمسه للطوائف المذكورين في الآية، ومقتضى الجمود على ظاهر الآية الشريفة وإن كان اختصاص الحكم بخصوص الغنائم التي اغتنمها المسلمون في حرب بدر ، ولا دلالة لها على غيرتلك الغنائم ، إلاّ أنّه لا إشكال بين المسلمين في عدم الاختصاص بذلك . غاية الأمر أنّ العامّة يخصّون الحكم بغنائم دار الحرب أعمّ من حرب بدر وغيره(1) .
وأمّانحن فنحكم بشمول الحكم لكلّ غنيمةوفائدةواستفادة;لإلغاء الخصوصيّة من غنيمة حرب بدر وتسرية الحكم إلى مطلق الغنيمة والناس للنصوص .
ثمّ إنّ الخمس المستعمل في الآية ليس له حقيقة شرعيّة بحيث كان لفظه موضوعاً شرعاً بإزاء الحقّ المالي الثابت في الآية للطوائف المذكورة فيها ، بل معناه هو الكسر المعهود الذي هو من جملة الكسور التسعة ، وليس ظاهراً في خصوص المشاع حتّى لا ينطبق على الكلّي في المعيّن وغيره من الاُمور المحتملة في باب الخمس ، كما سيجيء .
ثمّ إنّ ظاهر الآية كون الخمس متعلّقاً لحقّ ستّة ، ولابدّ من أن يقتسم كذلك ، وقد ذهب إليه أصحابنا(2) ، ولكنّه حكي عن جماعة كابن عبّاس وإبراهيم
- (1) المغني لابن قدامة 7 : 297 ، بداية المجتهد 1 : 407 ، مغني المحتاج 3 : 99 ، بدائع الصنائع 6 : 90 .
- (2) الانتصار : 225 ، الخلاف 4 : 209 مسألة 37 ، غنية النزوع : 130 ، التبيان 5 : 123 ، مجمع البيان 4 : 429 ، فقه القرآن للراوندي 1 : 243 ، مستند الشيعة 10 : 83 .
(الصفحة 335)
وغيرهما أنّ الخمس يقسّم على خمسة أسهم ، وأنّ سهم الله والرسول(صلى الله عليه وآله) واحد ، ويصرف هذا السهم إلى الكراع والسلاح(1) .
وحكي عن الشافعي أنّ الخمس يقسّم على أربعة أسهم: سهم ذي القربى لقرابة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والأسهم الثلاثة لمن ذكروا بعد ذلك من سائر فرق المسلمين(2) .
وحكي عن أبي حنيفة أنّه قال: يقسّم على ثلاثة أسهم ; لأنّ سهم الرسول قد سقط بوفاته عندهم ; لأنّ الأنبياء لا يورّثون فيما يزعمون ، وسهم ذي القربى قد سقط ; لأنّ أبا بكر وعمر لم يعطيا سهم ذي القربى ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة عليهما(3) .
وحكي عن بعض أهل العراق أنّه قال : لو أُعطي فقراء ذوي القربى سهماً والآخرون ثلاثة أسهم جاز ، ولو جعل ذوو القربى أسوة الفقراء ولا يفرد لهم سهم جاز(4) .
وهذه الأقوال مشتركة في أنّ افتتاح الكلام بالله في الآية الشريفة إنّما هو على جهة التيمّن والتبرّك ; لأنّ الأشياء كلّها له عزّ وجلّ ، ولكن نحن معاشر الإماميّة نقول بما يقتضيه ظاهر الآية الشريفة من ثبوت سهم لله ـ عزّوجلّ ـ وهو مع سهم الرسول له(صلى الله عليه وآله) في حال حياته ، وبعده هما مع سهم ذي القربى للإمام القائم مقام
- (1) حكى عنهم في التبيان 5 : 123 ، ومجمع البيان 4 : 429 ، والمغني لابن قدامة 7 : 300 ، والمبسوط للسرخسي 10 : 8 .
- (2) الأمّ 4: 147، وحكى عنه في التبيان 5 : 123 ـ 124 ومجمع البيان 4 : 429 ، لكن المعروف عن الشافعي أنّه يقسّم على خمسة أقسام ، راجع الخلاف 4 : 209 ـ 210 مسألة 37 ، والجامع لأحكام القرآن 8 : 10 ، وبداية المجتهد 1 : 407 ، والحاوي الكبير 10 : 481 ، والمغني لابن قدامة 7 : 300 .
- (3) حكى عنه في الخلاف 4 : 182 مسألة 2 ، ومجمع البيان 4 : 429 ، وبدائع الصنائع 6 : 102 ـ 103 ، والمغني لابن قدامة 7 : 301 ، وشرح فتح القدير 5 : 234 ـ 244 .
- (4) حكاه الطبرسي في مجمع البيان 4 : 429 ، وانظر البحر الرائق 5 : 153 ـ 154 .