(الصفحة 357)
فلا تغفل .
ومنها: رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)(1) .
ومنها: الرواية المتضمّنة لقصّة عبد المطّلب(2) .
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير الدالّة على أنّ الخمس على خمسة أشياء(3) .
ومنها: رواية عمّار بن مروان في باب المعادن أيضاً(4) .
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة على ثبوت الخمس في الكنوز .
وكيف كان، فلا إشكال عندنا في ثبوت الخمس في الكنز ، وأمّا العامّة فقد ذهب جمع منهم إلى ثبوته فيه(5) ، لكن لا بعنوان الخمس الثابت لأصناف خاصّة مذكورة في الآية الشريفة ، بل بعنوان الزكاة والصدقة ، كما عرفت نظيره في المعدن(6) .
ثمّ إنّ ظاهر الروايات الواردة في باب الكنز أنّ الكنز الذي يكون جميعه لواجده ـ لولا دليل وجوب الخمس ـ يجب على الواجد المالك له إخراج خمسه ، فلابدّ حينئذ من ملاحظة أنّ الكنز هل يكون ملكاً لواجده مطلقاً، أو في بعض الموارد؟
فنقول: إنّ الكنز تارة يوجد في دار الإسلام، واُخرى في دار الحرب ، وعلى التقديرين تارة يكون عليه أثر الإسلام ، كسكّة أحد ولاة المسلمين أو اسم
- (1) الفقيه 2 : 21 ح75 .
- (2) الفقيه 4 : 264 ح824 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 212 ، الخصال : 312 ح90 ، الوسائل 9 : 496 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح3 و4 .
- (3) الخصال : 191 ح53 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح7 .
- (4) الخصال : 290 ح51 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح6 .
- (5) راجع بدائع الصنائع 2 : 190 ـ 193 ، المجموع للنووي 6 : 75 ـ 77 ، المغني لابن قدامة 2 : 612 ـ 613 .
- (6) في ص344 .
(الصفحة 358)
النبي(صلى الله عليه وآله) ، واُخرى لا يكون ، وعلى التقادير تارة يوجد في الأرض التي لها مالك خاصّ ، واُخرى في الأرض المباحة أو شبهها .
وقد ذكر الفقهاء في أحكام هذه الصور أنّه إن وجد في أرض الحرب وإن كانت ملكاً لواحد خاصّ منهم ، أو في دار الإسلام ولم يكن عليه أثر الإسلام ولكن كانت الأرض مباحة، أو لم تكن ملكاً لواحد من المسلمين بالخصوص ، فيصير ملكاً لواجده ويتعلّق به الخمس .
وأمّا إذا وجد في أرض الإسلام المباحة أو شبهها مع وجود أثر الإسلام عليه ، أو في أرض الإسلام التي لها مالك خاصّ وإن لم يكن عليه أثر الإسلام ، فلا تصير ملكاً للواجد حتى يتعلّق به الخمس ، بل لقطة أو ملك لمالك الأرض(1) .
هذا ، والظاهر أنّه فرق بين المقام، وبين المعدن فيما لو وجد في الأرض التي لها مالك بالخصوص ، فإنّك عرفت أنّ ما يتكوّن في الأرض وتتغيّر صورته النوعية في باطنها إنّما هو تبع للأرض يعدّ من أجزائها، والمالك له هو المالك لها وإن كان المخرج له غيره كالغاصب ونحوه(2) ، وهذا بخلاف الكنز، فإنّه لا يعدّ من توابع الأرض وأجزائها ، بل هو شيء مستقلّ ، له حكم مستقل فالملكيّة للأرض لا تستتبع الملكيّة للكنز المذخور تحتها ، ومن هنا يعلم أنّ استدلال بعض العامّة كما قد حكي عنه بثبوت اليد والاستيلاء عليه كالاستيلاء على الأرض(3) مخدوش جدّاً ; فإنّ الاستيلاء على الأرض يستتبع السلطة على ما يعدّ من شؤونها وأجزائها .
وأمّا ما كان خارجاً عن عنوان الأرض مخفيّاً تحتها فلا يكون الاستيلاء عليه
- (1) راجع المبسوط 1 : 236 ، المهذّب 1 : 177 ـ 178 ، شرائع الإسلام 1 : 179 ـ 180 ، قواعد الأحكام 1 : 362 ، البيان : 215 ، التنقيح الرائع 1 : 337ـ 338 ، مسالك الأفهام 1 : 460 .
- (2) تقدّم في ص344 ـ 345 و352 ـ 353 .
- (3) هذا مذهب الشافعي ، راجع الأُمّ 2 : 44 ، والمجموع للنووي 6 : 76 و78 ، والمغني لابن قدامة 2 : 613 .
(الصفحة 359)
حاصلا بمجرّد الاستيلاء على الأرض ، فالحكم بالتسوية بين المعدن والكنز فيما لو وجد في أرض لها مالك خاصّ لا وجه له أصلا ، كما أنّ الحكم بخروج الكنز الذي يوجد في دار الإسلام في الأراضي المباحة وشبهها وعليه أثر الإسلام عن حكم وجوب الخمس لعدم صيرورته بالوجدان ملكاً للواجد مخدوش أيضاً ، بل الظاهر كون هذه الصورة أيضاً مشمولة لإطلاق أدلّة ثبوت الخمس في الكنز ، الظاهرة في كون الباقي ملكاً للواجد .
توضيح ذلك : أنّ الروايات المختلفة التي يمكن توهّم شمول كلّ طائفة منها للمقام على طوائف:
الطائفة الاُولى: الروايات الواردة في ثبوت الخمس في الكنز(1) ، والظاهر شمولها للمقام وإن كان ربما يناقش في الشمول ; نظراً إلى أنّ إطلاقات هذه الطائفة لا تكون في مقام البيان من هذه الجهة ، وأنّ الكنز يصير ملكاً للواجد بمجرّد الوجدان في جميع الموارد ، بل غاية مفادها أنّ ما صار ملكاً للواجد يجب فيه الخمس ، فهي واردة بعد الفراغ عن ثبوت الملكيّة للواجد ، فيصير محصّلها أنّ ما كان ملكاً للواجد بحيث لو لم تكن أدلّة ثبوت الخمس في الكنز لكان ملكاً للواجد بأجمعه ، يجب على واجده إخراج خمسه ، وأنّ هذا المقدار ثابت لأرباب الخمس .
هذا ، ويمكن الجواب عن هذه المناقشة في المقام وإن ناقشنا بها في اطلاق أدلّة ثبوت الخمس في المعدن(2) ; بأنّ الظاهر ثبوت الفرق بين الكنز وبين المعدن ، فإنّ إخراج المعدن والوصول إلى الأشياء المتكوّنة تحت الأرض من الطرق الرائجة العقلائية للاكتساب، ويدور عليها مدار التعيّش في جميع الأعصار سيّما في العصور
- (1) الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 .
- (2) أي في ص348 و 352 ـ 353 .
(الصفحة 360)
الحاضرة ، وهذا بخلاف الكنز ، فإنّه ليس طريقاً للاكتساب ، بل قد يوجد على سبيل الإتّفاق والصُدفة ، وقد عرفت أنّه لا يكون من شؤون الأرض وتوابعها بخلاف المعدن الذي يعدّ من أجزائها ، فالحكم بثبوت الخمس فيه ظاهر في صيرورته ملكاً للواجد بمجرّد الوجدان ، غاية الأمر أنّه يجب عليه إخراج خمسه ، فالظاهر أنّه لا مجال لهذه المناقشة، فتأمّل .
الطائفة الثانية: الروايات الواردة في اللقطة الدالّة على عدم ثبوت ملكيّتها للملتقط بمجرّد الوجدان ، بل يجب عليه التعريف سنة فيما إذا كان زائداً على مقدار الدرهم ، وبعد ذلك يجعله كسبيل ماله أو يتصدّق به عن صاحبه(1) ، فإنّ هذه الروايات ظاهرة في لزوم رعاية الملكيّة لصاحب المال ، وأنّه لا يجوز فرضه بمجرّد الوجدان كالملك ، بل يعرّف سنة ، فإن يئس عن معرفة صاحبه وإيصال المال إليه يجعله كسبيل ماله أو يتصدّق به عن مالكه ، فإذا جاء ورضي بالتصدّق ، وإلاّ فهو له ضامن يجب عليه الخروج عن عهدته .
فمقتضى إطلاق هذه الروايات الشمول للمقام ، خصوصاً بعد ملاحظة بعضها الظاهر في الورود في خصوص المقام ، وهي رواية إسحاق بن عمّار الواردة فيما التقطه الرجل من بعض بيوت مكّة وكان مدفوناً فيها(2) .
هذا ، والظاهر عدم شمول هذه الروايات للمقام ; لأنّ موردها هو المال الضائع الذي قد وقعت الحيلولة بينه وبين صاحبه مع عدم شعوره بذلك حين الضلال ، وأين هذا من الكنز الذي عرفت أنّه عبارة عن المال المذخور تحت الأرض قصداً كما مرّ(3) ، فلا ارتباط لتلك الروايات بما نحن فيه .
- (1) الوسائل 25 : 441 ، كتاب اللقطة ب2 وص446 ب4 وص447 ب5 .
- (2) التهذيب 6 : 391 ح1171 ، الوسائل 25 : 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح3 .
- (3) في ص356 .
(الصفحة 361)
الطائفة الثالثة: ما ورد في حكم مجهول المالك وأنّه يتصدّق به(1) ، والظاهر حكومة أدلّة الكنز الظاهرة في ثبوت الملكيّة للواجد بمجرّد الوجدان عليها ; لأنّ مورد هذه الطائفة ما إذا لم يكن ملكاً للواجد بل لمالكه الأصلي المجهول ، وأدلّة الكنز تحكم بثبوت الملكيّة بمجرّد الوجدان ، فلا يكون الكنز مجهول المالك أصلا .
الطائفة الرابعة : ما ورد فيما وجد في جوف دابّة مبتاعة من جوهر أو غيره :
مثل صحيحة عبد الله بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل(عليه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن يكون ذلك؟ فوقّع(عليه السلام): عرّفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله إيّاه(2) .
هذا ، ولكن الظاهر خروج مثل مورد الرواية عن مفهوم الكنز عرفاً ولغة ، فلا يشمل الحكم المذكور فيها له ، بل الظاهر ما عرفت من أنّ الشامل للمقام هو الطائفة الاُولى الظاهرة في حصول الملكيّة بمجرّد الوجدان مطلقاً .
ثم إنّه يقع الكلام بعد ذلك في نصاب الكنز .
فنقول: مقتضى رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس(3) ، أنّ النصاب في باب الكنز هو النصاب في باب الزكاة ، وحيث إنّه وقع الإشكال في مفاد الرواية ومقدار دلالتها ، فلابدّ لنا من التكلّم فيها حتى يظهر الحال ويرتفع الإشكال .
فنقول وعلى الله الاتكال: إنّ الرواية ـ مع قطع النظر عن صحيحة اُخرى لابن
- (1) الوسائل 26 : 296 ، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب6 .
- (2) الكافي 5 : 139 ح9 ، التهذيب 6 : 392 ح1174 ، الوسائل 25 : 452 ، كتاب اللقطة ب9 ح1 .
- (3) الفقيه 2 : 21 ح75 ، الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح2 .