(الصفحة 120)
المتشرّعة المتّصلة إلى زمن المعصوم(عليه السلام) ، فإنّا نراهم جعل يوم من أيّام السنة رأس سنته ويدفعون خمس أموالهم الحاصلة من مثل الأرباح بعد استثناء مؤونتهم في تلك السنة ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة في مقام المحاسبة ودفع الخمس المتعلّق بهم ، كما أنّه ممّا ذكرنا يظهر أنّ المناط في السنة هي السنة الشمسية باعتبار اشتمالها على جميع الفصول الأربعة لا القمرية غير المشتملة عليه ، وإن كان المراد بالشهر في جلّ الموارد أو كلّها هو الشهر القمري كما في رمضان وغيرها .
وأمّا تقييد العيال بواجبة النفقة كما في بعض العبارات فالظاهر أنّه لا وجه له ، بل الظاهر الشمول للمؤن التي هي من شأن الرجل وإن لم تكن واجبة عليه شرعاً ، كما في نفقة بعض الأقارب على ما قرّر في محلّه ، ولعلّه المراد من إطلاق عبارة المتن .
وينبغي هنا البحث عن أخبار التحليل وإن كان التعرّض لها وقع في كتاب العروة في آخر مباحث الخمس(1) بصورة اُخرى ، فنقول : إنّ الأخبار الواردة في هذا المجال نفياً أو إثباتاً أو تفصيلاً على طوائف ثلاثة :
الطائفة الاُولى : ما تدلّ على وقوع التحليل للشيعة مطلقاً ، مثل :
صحيحة أبي بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم ، كلّهم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم; لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ . وفي رواية الصدوق «وأبناءهم»(2) بدل «وآباءهم» ولعلّه الأنسب كما لا يخفى .
وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) حلّلهم من
- (1) العروة الوثقى 2: 407 مسألة 19 .
- (2) علل الشرائع: 377 ح2 ، التهذيب 4: 137 ح386 ، الاستبصار 2: 58 ح191 ، الوسائل 9: 543 ، أبواب الأنفال ب4 ح1 .
(الصفحة 121)
الخمس ـ يعني الشيعة ـ ليطيب مولدهم(1) .
ورواية الحارث بن المغيرة النصري ـ التي في سندها أبو عمارة المجهول ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : إنّ لنا أموالاً من غلاّت وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أنّ لك فيها حقّاً ، قال : فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلاّ لتطيب ولادتهم ، وكلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا ، فليبلغ الشاهد الغائب(2) .
وروايته الاُخرى التي في سندها جعفر بن محمّد بن حكيم الواقع في بعض إسناد كتاب كامل الزيارات لابن قولويه استاذ المفيد (قدس سره) ، قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)فجلست عنده ، فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له ، فدخل فجثا على ركبتيه ، ثمّ قال : جعلت فداك إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة والله ما اُريد بها إلاّ فكاك رقبتي من النار ، فكأنّه رقّ له فاستوى جالساً فقال : يا نجية سلني ، فلا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ، قال : جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان ؟ قال : يا نجية إنّ لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله ـ إلى أن قال :ـ اللّهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا . قال : ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال : يا نجية ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا(3) .
وينبغي قبل إيراد الطائفتين الآخرتين الواردتين في هذا المجال من ملاحظة أنّه لو كنّا نحن والآية الشريفة الدالّة على الخمس ، وهذه الطائفة من الروايات الدالّة على التحليل المطلق; أي الخمس المركّب من سهم الإمام(عليه السلام) وسهم السادة العظام ، غاية الأمر لخصوص الشيعة القائلين بثبوت الخمس وعدم اختصاص متعلّقه
- (1) علل الشرائع : 377 ب106 ح1 ، الوسائل 9 : 550 ، أبواب الأنفال ب4 ح15 .
- (2) التهذيب 4 : 143 ح399 ، الوسائل 9 : 547 ، أبواب الأنفال ب4 ح9 .
- (3) التهذيب 4 : 145 ح405 ، الوسائل 9 : 549 ، أبواب الأنفال ب4 ح14 .
(الصفحة 122)
بغنائم دار الحرب ـ كما يقول به غيرنا ـ فهل اللازم حمل الآية على بيان الحكم الاقتضائي ، وحمل الروايات على بيان الحكم الفعلي؟
ويردّه ـ مضافاً إلى أنّه لا شاهد في الآية على الحكم الاقتضائي ، خصوصاً مع ثبوت الفعليّة ولو بالإضافة إلى غنائم دار الحرب ، وإلى أنّ لازمه عدم ثبوت الفعليّة بالنسبة إلى غير الشيعة ـ أنّ نفس التحليل قرينة على الثبوت والفعليّة ، مع أنّ إنشاء الحكم الوضعي مع العلم بعدم بلوغه إلى مرحلة الفعليّة لعدم اعتقاد بعض المكلّفين به وثبوت غيره في حقّ المعتقدين ممّا لا يكاد يستقيم .
أو الالتزام بأنّ الروايات لأجل كونها مخالفة للقرآن تكون مطروحة ، واللازم ضربها على الجدار ، كما في بعض الأخبار الواردة في الروايات المخالفة للكتاب .
ويبعّده عدم اعتراض مثل زرارة على الإمام(عليه السلام) في هذا المجال .
أو يقال بتقييد إطلاق الآية; لشموله لغير الشيعة من المسلمين ، بل الكفّار بناءً على اشتراكهم مع المسلمين في الفروع كما في الاُصول .
ويبعّده أنّ التقييد المستلزم لعدم العمل بالإطلاق بوجه قبيح; لأنّ المفروض ثبوت التحليل بالإضافة إلى المعتقدين ، وعدم التأثير للإطلاق بالإضافة إلى غيرهم ، كما لا يخفى .
والتحقيق أن يقال: إنّه لا مجال للالتزام بمفاد هذه الأخبار; لاستلزامه أن لا يكون طريق لسدّ فقر فقراء السادة بعد حرمة الزكاة عليهم ، وثبوت التحليل بالنسبة إلى سهمهم كما هو المفروض ، واستلزامه أيضاً لعدم تداوم الحوزات العلمية التي بها يتقوّم بقاء الدين اُصولاً وفروعاً; لارتزاقهم من الخمس المركّب من السهمين ، وعدم وجود سبب آخر لارتزاقهم حتّى الموقوفات ، ومن هذه الجهة يتحقّق الاطمئنان الكامل بعدم تحقّق التحليل من ناحيتهم (عليهم السلام) .
(الصفحة 123)
الطائفة الثانية : ما تدلّ على عدم التحليل المطلق ولو لخصوص الشيعة ، وينبغي أن تعدّ من هذه الطائفة ما يدلّ على ثبوت الخمس في كلّ ما كان ركازاً في جواب السؤال عن المعادن ، وصحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدّمة(1) الدالّة على أنّ أبا جعفر الثاني(عليه السلام) حلّل في خصوص العام الآخر من سنوات عمره الشريف لخصوص مواليه بعض الاُمور المتعلّقة للخمس ، فإنّا وإن كنّا قد ذكرنا أنّ فيها إشكالاً لا يمكن التفصّي عنه(2) ، إلاّ أنّ دلالتها على عدم إطلاق التحليل في جميع الأعصار والأعوام ممّا لا يقبل الإنكار .
وكيف كان ، فهذه الطائفة عبارة عن مثل صحيحة إبراهيم بن هاشم قال : كنت عند أبي جعفر الثاني(عليه السلام) إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل وكان يتولّى له الوقف بقم ، فقال : يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف في حلّ ، فإنّي قد أنفقتها ، فقال له : أنت في حلّ ، فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر(عليه السلام) : أحدهم يثب على أموال (حقّ خ ل) آل محمّد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ، ثمّ يجيء فيقول: إجعلني في حلّ ، أتراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل؟ والله ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً(3) .
والرواية وإن لم يقع فيها التصريح بالخمس ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد من الأموال أو الحقّ الخمس ، خصوصاً مع ذكر الأيتام والمساكين وأبناء السبيل كما لا يخفى ، وإن كان يبعّد ذلك قوله: «فيأخذه» .
- (1) في ص112 ـ 114 .
- (2) في ص117 .
- (3) الكافي 1 : 548 ح27 ، التهذيب 4 : 140 ح397 ، الاستبصار 2 : 60 ح197 ، الوسائل 9 : 537 ، أبواب الأنفال ب3 ح1 .
(الصفحة 124)
ورواية أبي بصير ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سمعته يقول: من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله ، اشترى ما لا يحلّ له(1) .
وحكي عن صاحب الوسائل أنّه رواها في باب آخر بسند آخر أيضاً(2) يكون صحيحاً غير قابل للمناقشة .
الطائفة الثالثة : ما تدلّ على التفصيل ، مثل :
صحيحة أبي سلمة سالم بن مكرم ; وهو أبو خديجة ـ فله كنيتان ، وقد نقل أنّ الصادق(عليه السلام) أعطى إحداهما إيّاه(3) ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قال رجل وأنا حاضر : حلّل لي الفروج ، ففزع أبو عبدالله(عليه السلام) فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق ، إنّما يسألك خادماً يشتريها ، أو امرأة يتزوّجها ، أو ميراثاً يصيبه ، أو تجارة أو شيئاً أعطيه ، فقال : هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب ، والميّت منهم والحيّ ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال ، أما والله لا يحلّ إلاّ لمن أحللنا له ، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمّة ، وما عندنا لأحد عهد ، ولا لأحد عندنا ميثاق(4) .
ورواية يونس بن يعقوب ـ التي في سندها محمّد بن سنان ـ قال : كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام) فدخل عليه رجل من القمّاطين ، فقال : جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت ، وأنّا عن ذلك مقصّرون ؟
- (1) التهذيب 4 : 136 ح381 ، الوسائل 9 : 484 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب1 ح5 وص540 ، أبواب الأنفال ب3 ح6 .
- (2) وسائل الشيعة 17: 369 ح6 .
- (3) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي» : 353 رقم 661 .
- (4) التهذيب 4 : 137 ح384 ، الاستبصار 2 : 58 ح189 ، الوسائل 9 : 544 ، أبواب الأنفال ب4 ح4 .