(الصفحة 259)مسألة 3 : الأقوى اعتبار الفقر في اليتامى ، أمّا ابن السبيل ـ أي المسافر في غير معصية ـ فلا يعتبر فيه في بلده . نعم ، يعتبر الحاجة في بلد التسليم وإن كان
غير المؤمن للخمس ولو كان هاشميّاً .
ثمّ إنّ المراد ممّا في حكمه اللحوق بالمؤمن وإن لم يتّصف بذلك أصالة ، كالولد الملحق بالمؤمن لأجل عدم بلوغه .
وأمّا عدم اعتبار العدالة ـ فمضافاً إلى أنّه لا دليل عليه يوجب اعتبارها ـ قلّة المستحقّين للخمس جدّاً; لعدم وجود هذا الوصف في أكثرهم ، بل عدم وجود الأمارة الشرعية على العدالة; وهي حسن الظاهر فيه ، مضافاً إلى ما ورد في شارب الخمر من عدم جواز دفع الزكاة إليه(1) ، فإنّ مقتضى البدلية المنع عن الخمس أيضاً . نعم ، قد وقع البحث هناك في جواز التعدّي إلى المحرّمات المهمّة الاُخرى ، سيّما مثل ترك الصلاة الذي هو أهمّ من شرب الخمر .
وقد احتاط في المتن بعدم الدفع إلى المتهتّك المتجاهر بالكبائر ، بل قوّى عدم الجواز فيما إذا كان في الدفع إعانة على الإثم والعدوان وإغراء بالقبيح وفي المنع ردع عنه ، والوجه في ذلك حرمة الإعانة ووجوب المنع عن المحرّم ، وإن كانت الإعانة راجعة إلى قصد وقوع المعان عليه من المعان ، وهنا لا يكون الأمر كذلك ، لكنّ هذا لا ينافي الاحتياط .
ثمّ إنّه جعل في الذيل أنّ الأولى ملاحظة المرجّحات في الأفراد ، ككونه أهل العلم ، أو أشدّ فقراً من أقوامه أو جيرانه ، والوجه فيه واضح .
- (1) الكافي 3: 563 ح15 ، المقنعة: 242 ، التهذيب 4: 52 ح138 ، الوسائل 9: 249 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب17 ح1 .
(الصفحة 260)
غنيّاً في بلده ، كما مرّ في الزكاة1 .
1 ـ أمّا اعتبار الفقر في اليتامى فهو المعروف والمشهور بين الفقهاء(1) ، وهو المناسب لعلّة تشريع الخمس; وهو سدّ حاجة بني هاشم(2) كالزكاة لغير بني هاشم ، وإن كان ظاهر الآية الشريفة باعتبار عطف المساكين على اليتامى يقتضي المغايرة ، وأنّ اليتامى موضوع مستقلّ في مقابل المساكين ، لكن الظاهر أنّ العطف إنّما هو بلحاظ الاهتمام بيتامى الفقراء في مقابل غيرهم من المساكين ، ويؤيّده بل يدلّ عليه بعض الروايات الضعيفة(3) التي يمكن دعوى استناد المشهور إليها ، مضافاً إلى استبعاد استحقاق اليتيم للخمس ولو كان في كمال الغنى .
وأمّا ابن السبيل ، فالبحث فيه تارةً من حيث الموضوع ، واُخرى من جهة الحكم .
أمّا من الجهة الاُولى: فقد صرّح صاحب العروة(4) بأنّه لا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية ، ولكن صريح المتن أنّ المراد بابن السبيل هو المسافر في غير معصية ، أي الذي لا يكون سفره محرّماً ولا غايته كذلك وإن لم يكن في طاعة ، وهو المناسب للاعتبار ، فإنّ من يكون سفره في معصية لا يناسب إعطاء الخمس له ، خصوصاً إذا كان فيه الإعانة على الإثم بالمعنى المتقدّم وفي المنع الردع عنه .
وأمّا من الجهة الثانية: فالظاهر عدم اعتبار الفقر فيه ، بل اعتبار الحاجة في بلد
- (1) الروضة البهية 2 : 82 ، الحدائق الناضرة 12: 385 .
- (2) وسائل الشيعة 9 : 520 ، أبواب قسمة الخمس ب3 .
- (3) الوسائل 9 : 513 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح8 وص553 ، أبواب الأنفال ب4 ح21 .
- (4) العروة الوثقى 2 : 403 مسألة 1 .
(الصفحة 261)مسألة 4 : الأحوط إن لم يكن الأقوى عدم دفع من عليه الخمس إلى من تجب نفقته عليه ، سيّما زوجته إذا كان للنفقة ، أمّا دفعه إليه لغير ذلك ممّا يحتاج إليه ولم يكن واجباً عليه فلا بأس ، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليه ولو للإنفاق حتّى الزوجة المعسر زوجها1 .
مسألة 5 : لا يصدّق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه . نعم ، يكفي في ثبوتها
التسليم وإن كان غنيّاً في بلده ; لأنّ الملاك فيه هي الحاجة لذلك لا الفقر المطلق ، ولذا عطف على المساكين ، والعطف دليل المغايرة .
1 ـ الوجه في الاحتياط اللازم بل الأقوى عموم التعليل الوارد في بعض الروايات الصحيحة الدالّة على المنع من إعطاء الزكاة لواجبي النفقة ، من قوله(عليه السلام) : إنّهم عياله لازمون له(1) ، فإنّ المستفاد منه أنّ نفقتهم إنّما هي كنفقة نفسه ، ولا ريب في عدم جواز إنفاق خمس نفسه لنفقتها ، ولو في الاُمور المتعلّقة للخمس غير المرتبطة بمؤونة السنة كالمعدن ونحوه ; لأنّ الواجب عليه الدفع لا الصرف . نعم ، في الاُمور الزائدة على النفقة الواجبة المحتاج إليها لا بأس بدفع الخمس بلحاظها ، كما أنّه لا بأس بدفع خمس الغير إلى واجبي النفقة ، كالزوجة التي يكون زوجها معسراً غير قادر على إنفاقها; لأنّ مجرّد وجوب الإنفاق لا يكفي في عدم جواز دفع الخمس مع فرض عدم القدرة عليه ، كما لا يخفى .
كما أنّه يجوز للزوجة التي يجب عليها الخمس دفع خمسها إلى زوجها لو كان مستحقّاً له ولو لإنفاق هذه الزوجة ، فتدبّر .
- (1) الوسائل 9 : 240 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب13 ح1 .
(الصفحة 262)
كونه معروفاً ومشتهراً بها في بلده من دون نكير من أحد ، ويمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد إحراز عدالته بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقّه; أيّ شخص كان حتّى الآخذ ، ولكنّ الأولى عدم إعمال هذه الحيلة1.
1 ـ لا إشكال في أنّ السيادة المعتبرة في الأصناف الثلاثة الاُخرى على ما تقدّم(1) لابدّ من إحرازها كسائر الاُمور المعتبرة ، كالفقر وكونه ابن السبيل ، ولا يكفي في الإحراز مجرّد الدعوى وادّعاء السيادة كما هو الشائع ، خصوصاً في بعض الأمكنة ، وذلك ليس لجريان استصحاب عدم الهاشمية كاستصحاب عدم القرشية في المرأة التي رأت الدم فوق الخمسين على ما ذكره المحقّق الخراساني (قدس سره)(2)وتبعه جملة من الأجلّة(3); لما حقّقناه في محلّه(4) من عدم جريان هذا الاستصحاب بوجه; لعدم اتّحاد القضيتين: المتيقّنة والمشكوكة; ضرورة أنّ السالبة في الاُولى سالبة بانتفاء الموضوع ، وفي الثانية سالبة بانتفاء المحمول ، بل لأجل أنّ الشرط يحتاج إلى الإحراز ولا يكفي فيه مجرّد دعواه ، خصوصاً بعد ترتّب نفع عليه ، وهذا كما في مثل قوله : لا صلاة إلاّ بطهور(5) ، فإنّه لابدّ من إحراز الطهارة ولو بأصالتها بناءً على الشمول للطهارة الظاهرية ، أو بالاستصحاب بناءً على الاختصاص بالطهارة المعنويّة ، كما لا يخفى .
نعم ، ذكر في المتن أنّه «يكفي في ثبوتها كونه معروفاً ومشتهراً بها في بلده من دون
- (1) في ص253 .
- (2) كفاية الاُصول 1 : 261 .
- (3) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 208 .
- (4) معتمد الاُصول 1: 295 ـ 296 .
- (5) الوسائل 1 : 365 و366 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب1 ح1 و6 .
(الصفحة 263)
نكير من أحد» وحاصله تحقّق الشياع على سيادة المدّعي ، لكنّ الشياع في نفسه ليس بحجّة إلاّ إذا أفاد العلم أو الاطمئنان الذي يقوم مقام العلم عند العقلاء ، وقد تقدّم البحث عن حجّية الشياع في نفسه وعدم حجّيته كذلك في بعض المباحث السابقة .
وذكر في الذيل أنّه يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد إحراز عدالته بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقّه; أيّ شخص كان حتّى الآخذ ، لكن جعل الأولى عدم إعمال هذه الحيلة ، ولعلّ السرّ فيه أنّ إحراز العدالة يكفي لأجل عدم الدفع إلى غير من يراه سيّداً ، وأمّا من يراه كذلك فهو سيّد حقيقة أم لا ، فلا ، خصوصاً بالإضافة إلى نفسه .
وبعبارة اُخرى يعتبر أن يكون الدافع للخمس محرزاً لسيادة المدفوع إليه ، ولا يكفي إحراز الواسطة وإن كان عادلاً حقيقة ، لكن علّل الصحّة في محكي الجواهر بأنّ المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكّل ما لم يعلم الخلاف(1) ، فمع عدم اعتبار المباشرة في إيصال الخمس إلى مستحقّه فالعبرة في الوصول إنّما هو بعلم الوكيل وتشخيصه لا الموكّل ; لأنّه مقتضى أصالة الصحّة الجارية في عمل الوكيل .
لكن مع ذلك ذكر أنّ الإنصاف أنّه لا يخلو عن تأمّل أيضاً ; لأنّه يرد عليه ما وجّهه بعض الأعلام (قدس سره) بأنّ الأصل المزبور لمّا كان مستنداً إلى السيرة العقلائية القائمة على البناء على الصحّة ، والقدر المتيقّن منها ما إذا لم يعلم الموكّل الكيفيّة التي وقع الفعل عليها خارجاً ، كما إذا وكّله على عقد ولم يعلم الموكّل صحّة ما أجراه من
- (1) جواهر الكلام 16 : 106 .