(الصفحة 47)
غير ظاهرة لنا، ودون ذلك في الصدق الاُمور غير المستورة عن الأرض، كبعض الاُمور المذكورة في المتن، ومنه حجر الرحى والفحم الحجري، والأحجار المستعملة في هذه الأزمنة في الأبنية الخاصّة بدلاً عن الآجر .
وأمّا الأرض المالحة المذكورة في الرواية الأخيرة فهي أيضاً معدن بمقتضاها ، وفي ذيل الرواية أنّ هذا وأشباهه فيه الخمس .
وأمّا الاُمور الحاصلة في نفس الأرض وغير مستورة عنها كالجصّ وبعض من أنواع الطين الذي يكون له أثر وخاصّية مخصوصة، فالظاهر أنّ إجراء حكم المعدن عليها إنّما هو على سبيل الاحتياط، كما في المتن .
الجهة الثالثة : في ثبوت النصاب في تعلّق الخمس بالمعدن وعدمه، والظاهر أنّ المشهور بين القدماء من الأصحاب عدم ثبوت النصاب، وقد نسبه في محكيّ الدروس إلى الأكثر(1) ، وعن الحلّي ادّعاء إجماع الأصحاب على ذلك(2) ، ولكن حكى العلاّمة في التذكرة(3) عن الشيخ أقوالاً ثلاثة في ذلك في كتبه المختلفة، ولا ريب في أنّ مقتضى الإطلاقات الواردة في المعادن الدالّة على ثبوت الخمس فيها عدم اعتبار النصاب بوجه، إلاّ أنّ في مقابلها روايتين :
إحداهما : رواية البزنطي الواردة في خصوص المعدن ، قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شيء؟ قال : ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً(4) .
- (1) الدروس الشرعيّة 1 : 260 .
- (2) السرائر 1 : 488 ـ 489 .
- (3) تذكرة الفقهاء 5 : 426 ـ 427 .
- (4) التهذيب 4 : 138 ح391 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب4 ح1 .
(الصفحة 48)
ولا ينبغي الارتياب في دلالتها على عدم وجوب الخمس في شيء من المعادن ذهباً كانت أو غيرها من المعدنيّات ما لم يبلغ قيمته عشرين ديناراً ; لأنّ الظاهر أنّ فاعل «يبلغ» ضمير يرجع إلى ما اُخرج من المعدن، و«عشرين ديناراً» عطف بيان لـ «ما» الموصولة في قوله : «ما يكون» .
فالمراد أنّه لا يجب فيما اُخرج من المعدن ذهباً كان أو غيره شيء حتّى يبلغ ذلك مقداراً يكون ثابتاً في مثله الزكاة، وذلك المقدار هو عشرون ديناراً، وليس المراد هو اعتبار النصاب في خصوص الذهب حتّى يكون فاعل «يبلغ» هو «ما» الموصولة بعد كون السؤال عن حكم مطلق المعادن لا خصوص الذهب ، خصوصاً بعد كون الدينار عبارة عن الذهب المسكوك الذي يساوي وزنه مثقالاً، والذهب المستخرج من الأرض بعنوان المعدن لا يكون كذلك ، بل المستخرج إنّما هو التراب المشتمل على ذرّات الذهب، ويحتاج إلى العلاج حتّى يصير بالصورة الذهبية .
فلا ينبغي الإشكال في أنّ المراد من الرواية هو بلوغ ما أخرج المعدن مقداراً تكون قيمته عشرين ديناراً ، فالمراد من المماثلة هي المماثلة من جهة القيمة لا المماثلة من حيث الجنس، فضلاً عن اعتبار الخصوصيّات والأصناف المشخّصة، كما لا يخفى .
ولا يبعد أن يقال بأنّ ذكر «عشرين ديناراً» إنّما هو من باب المثال، وإلاّ فمائة درهم أيضاً كذلك .
ثمّ إنّه يشكل في الصحيحة بأنّها معرض عنها عند المشهور بين القدماء ، وإعراض المشهور قادح في اعتبار الرواية .
ولكنّ الظاهر أنّ الشهرة ليست بحدّ تكون قادحة، خصوصاً مع ذهاب الشيخ
(الصفحة 49)
في النهاية(1) وابن حمزة في الوسيلة(2) إلى اعتبار النصاب المذكور .
كما أنّه ربما يشكل فيها بخلوّها عن التعرّض للخمس ، فلعلّ مورد السؤال فيها هي الزكاة، كما عليها مثل أبي حنيفة(3) على ما عرفت، ولكن معهوديّة ثبوت الخمس في المعادن في قبال الرجل المذكور مع ذكر الشيء بعنوان النكرة الظاهرة في ثبوته بأيّ عنوان أعمّ من الزكاة والخمس يوجب أن يكون مورد السؤال مطلق ما ثبتَ بالشريعة في المعادن ، كما أنّ ذكر المعادن في السؤال من دون التقييد بمعدن الذهب دليل على كون مورد السؤال مطلق المعادن، وليس قوله(عليه السلام): «عشرين ديناراً» دليلاً على كون محطّ السؤال الزكاة، أو خصوص معدن الذهب أو الفضّة ، بناءً على نفي البُعد الذي ذكرناه ، خصوصاً مع ملاحظة قوله(عليه السلام) : «ما يكون في مثله الزكاة» .
فالإنصاف أنّ المناقشة في الرواية سنداً أو دلالةً غير تامّة، وأنّها تدلّ على اعتبار النصاب في مطلق المعادن وهو عشرون ديناراً، أو مائتا درهم قيمةً ، ومع اختلافهما في القيمة يكون مقتضى الاحتياط ما في المتن من رعاية أقلّهما; لصدق بلوغ نصاب الزكاة .
ثانيتهما : ما رواه البزنطي، عن محمّد بن علي بن أبي عبدالله، عن أبي الحسن(عليه السلام)وقد تقدّم في أصل البحث(4)، وهي واردة في الغوص والمعدن جميعاً، ومدلولها اعتبار بلوغ قيمته ديناراً .
وقد أفاد سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) أنّ الظاهر أنّ المراد بمحمّد بن
- (1) النهاية : 197 .
- (2) الوسيلة : 138 .
- (3) كذا في النسخة ، والصحيح الشافعي ، كما أشرنا إليه في ص43 .
- (4) في ص44.
(الصفحة 50)
علي بن أبي عبدالله هو محمّد بن عليّ بن جعفر المعروف(1)، وإن كان هذا الاستظهار لا يخرجه من المجهوليّة من حيث الوثاقة، خصوصاً مع أنّه ربما يقال بعدم ثبوت الرواية بهذا العنوان في الفقه إلاّ في موردين(2)، ومع أنّه لم يعمل بهذه الرواية إلاّ أبوالصلاح الحلبي في الكافي(3)، وقد حملها صاحب الوسائل(4) على خصوص الغوص، نظراً إلى تذكير الضمير في قوله(عليه السلام) : «إذا بلغ قيمته» ، وكأنّ الإمام(عليه السلام)اقتصر في الجواب على بيان حكم الغوص، ولم يتعرّض للجواب عن المعادن لعلّة كان هو أعرف بها من تقيّة أو غيرها .
ويمكن أن يقال: إنّ تذكير الضمير إنّما هو لأجل الرجوع إلى كلّ واحد منهما، لا لأجل الرجوع إلى الغوص فقط ، ولكنّه محلّ تأمّل ، كما أنّه يمكن أن يقال بأنّ التذكير إنّما هو لأجل أنّ الأمر في التأنيث والتذكير سهل، خصوصاً بالنسبة إلى غير ذوي العقول، ولكنّه أيضاً محلّ تأمّل. والذي يبدو في نظري القاصر أنّ البزنطي كيف روى أمرين متضادّين عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) من دون إشعار بالتناقض والتضادّ، ومن دون استيضاح من الإمام(عليه السلام)، من دون فرق بين تقدّم النقل الأوّلي أو الثانوي؟ فالمتحصّل من مجموع ما ذكرنا اعتبار النصاب كما اُفيد في المتن.
ويبقى الكلام في مسألة اعتبار النصاب في المعدن ـ التي قوّيناها ـ في أمرين :
الأمر الأوّل : في أنّه هل يجب التخميس بعد استثناء المؤونة المصروفة في الاستخراج ووضعها، أم يجب ولو كانت المؤونة زائدة على المقدار الذي استخرجه
- (1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 345.
- (2) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس: 40.
- (3) الكافي في الفقه : 170 .
- (4) الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .
(الصفحة 51)
منه ، فلو كانت المؤونة للإخراج والاستخراج ثلاثين ديناراً مثلاً، والمقدار المستخرج من المعدن عشرون ديناراً، فهل يجب عليه التخميس أم لا؟ الظاهر العدم; لأنّه مضافاً إلى أنّه متسالم عليه بين الأصحاب يدلّ عليه اُمور ثلاثة :
الأوّل : أنّ تعلّق الخمس بالمعدن إنّما هو من باب كونه أحد مصاديق الغنيمة المذكورة في آية الخمس ، وقد عرفت في أوائل الكتاب(1) أنّ الظاهر أنّ الاُمور السبعة المتعلّقة للخمس كلّها من باب الغنيمة حتّى في الحلال المختلط بالحرام، والأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم بالتوجيه الذي ذكرنا .
وقد صرّح بذلك الشهيد في محكي البيان(2)، ولازمه كون الدليل في الخمس هي آيته، لا مركّباً من الآية والرواية، بحيث كان الدليل على بعضها الكتاب وعلى البعض الآخر السنّة ، وعليه فلابدّ في تعلّق الخمس من صدق الغنيمة .
ويؤيّده تناسب الحكم والموضوع، فإنّه لا مجال لتوهّم تعلّق الخمس مع عدم الاسترباح والغنيمة، بل في صورة الخسران أيضاً بعد الكسر والانكسار ، ففي المثال الذي ذكرناه لم يستفد المستخرج شيئاً، بل تضرّر عشرة دنانير، فكيف يجب عليه الخمس؟ وقد ورد في بعض الروايات الصحيحة أنّه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة(3).
الثاني : أنّه قد ورد في جملة من الأخبار التي ستجيء الإشارة إليها في بحث أرباح المكاسب أنّ الخمس بعد المؤونة ، والظاهر بملاحظة عدم إضافة المؤونة إلى
- (1) في ص10 ـ 14.
- (2) البيان : 213 .
- (3) الفقيه 2: 21 ح74، التهذيب 4: 124 ح359، الاستبصار 2: 56 ح184، الوسائل 9 : 485 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح1 .