(الصفحة 253)
بهذا النحو ساقط عن الاعتبار ولو لم يكن هناك معارضة مع الروايات الاُخرى .
ثمّ إنّ قول الإمام(عليه السلام) في ذيل الرواية: «وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)» يدلّ على أنّ المراد هو التشبيه في مقام العمل ببذل حقّه وحصّته ، لا عدم ثبوت الحقّ له رأساً ، ولم يقل به أحد أصلاً ، كما لا يخفى .
الأمر الثاني : الظاهر من المتن أنّ المراد بذي القربى هو الإمام(عليه السلام) كما هو المشهور(1) بل المجمع عليه(2) في تفسير الآية الشريفة ، خلافاً لابن الجنيد القائل بأنّ المراد به مطلق القرابة(3) كما يقول به العامّة(4) ، ويؤيّده إفراد ذي القربى وإن كان جعله دليلاً قد وقع مورداً للإشكال ; بأنّ المراد به هو الجنس كما في ابن السبيل ، وإن كان يدفع الإشكال قوله تعالى :
{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}(5) الوارد في قصّة فدك الذي أعطاها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)فاطمة (عليها السلام) وأنحلها إيّاها .
ويؤيّده أيضاً اعتبار السيادة في الأصناف الثلاثة الاُخر; وهم المساكين واليتامى وأبناء السبيل ، فلو كان المراد بذي القربى مطلق القرابة يلزم أن تكون الأسهم ما دون الستّة ، واحتمال اعتبار الفقر في خصوص الثلاثة الأخيرة وجعله فارقاً بينهم وبين مطلق القرابة ـ مضافاً إلى استبعاد أن يكون مثل أبي لهب الوارد في قدحه السورة المباركة مستحقّاً للخمس ـ يدفعه ضرورة عدم استحقاق الغنيّ للخمس كما في الزكاة التي هي أوساخ الناس ، وقد جعل الله تعالى الخمس عوضاً عنها كما في
- (1) مختلف الشيعة 3: 198 مسألة 156 ، كفاية الأحكام: 44 ، مستند الشيعة 10: 86 .
- (2) غنية النزوع: 130 ، تذكرة الفقهاء 5 : 432 ، منتهى المطلب 1 : 550 ، جواهر الكلام 16 : 86 .
- (3) مختلف الشيعة 3 : 198 مسألة 156 .
- (4) الاُمّ 4 : 147 ، المغني لابن قدامة 7 : 304 ـ 305 ، الشرح الكبير 10 : 492 .
- (5) سورة الإسراء 17 : 26 .
(الصفحة 254)
الروايات الكثيرة(1) .
وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ المراد بذي القربى هو الإمام(عليه السلام) ومن بحكمه ، وهي فاطمة الزهراء سلام الله عليها .
وعلى ما ذكرنا فالمقصود به هو صاحب العصر والزمان روحي وأرواح العالمين له الفداء في زماننا هذا ، بل يكون نصف الخمس المعبّر عنه بسهم الإمام(عليه السلام) له ، ثلثه أصالةً ، وثلثاه سهم الله ـ تبارك وتعالى ـ وسهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لما ورد من الروايات الدالّة على أنّ ما كان لله فهو للرسول وما كان للرسول فهو للإمام; مثل صحيحة البزنطي ، عن الرضا(عليه السلام) قال : سئل عن قول الله عزّوجلّ :
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى} فقيل له : فما كان لله فلمن هو؟ فقال : لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو للإمام ، الحديث(2) .
الأمر الثالث : المعروف بين الأصحاب والمشهور أنّ مستحقّ الخمس من انتسب إلى عبد المطّلب بالأب(3) ، خلافاً لما نسب إلى السيّد المرتضى (قدس سره)(4) من كفاية الانتساب إليه من قبل الاُمّ ، واختاره من المتأخّرين صاحب الحدائق (قدس سره)(5) ، بل أصرّ عليه وذكر أنّ منشأ الخلاف هو أنّ ولد البنت ولد حقيقة أو لا . فالمرتضى على الأوّل ، والمخالف على الثاني ، كما يقول به الشاعر :
- (1) الوسائل 9 : 509 ـ 516 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح1 و4 و7 ـ 10 .
- (2) الكافي 1 : 544 ح7 ، الوسائل 9 : 512 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح6 .
- (3) مسالك الأفهام 1: 470 ، كفاية الأحكام: 44 ، غنائم الأيّام 4: 363 ، الحدائق الناضرة 12: 390 .
- (4) رسائل الشريف المرتضى 4 : 327 ـ 328 .
- (5) الحدائق الناضرة 12 : 390 و394 و396 .
(الصفحة 255)
- در حقيقت مالك اصلى خداست
در حقيقت مالك اصلى خداست
-
بهر روزى اين امانت نزد ماست
بهر روزى اين امانت نزد ماست
ولا يخفى أنّ منشأ الخلاف ليس ما ذكر ، فإنّ البحث في الولديّة غير البحث في السيادة ، ولا ينبغي الإشكال في أنّ ولد الولد ولد حقيقة ولو كان ولد البنت . وما ذكره الشاعر خال عن الدليل ، بل الدليل على خلافه .
ومن الواضح صدق أبناء الرسول على الحسن والحسين وأبنائهما المعصومين (عليهم السلام) أو غير المعصومين ، وجعل الكتاب عيسى من ذرّية إبراهيم (عليهما السلام) ، مضافاً إلى جريان أحكام الأولاد في المناكح والمواريث وغيرهما على أولاد البنات ، وأمّا مسألة الخمس المبحوث عنها في المقام فلا يدور مدار صدق الولديّة وعدمه ، بل مدار صدق الهاشمي وعدمه .
وكيف كان ، فهنا مطلبان :
المطلب الأوّل : أصل اعتبار السيادة في الأصناف الثلاثة الأخيرة; وهم الأيتام والمساكين وأبناء السبيل ، والظاهر أنّه يكفي في إثبات هذا المطلب ـ مضافاً إلى الإجماع(2) بل الضرورة ، وإلى ما يدلّ على إثبات المطلب الثاني ممّا سيأتي إن شاء الله تعالى ـ ملاحظة آية الخمس مع آية الزكاة الواردة في الأصناف الثمانية ، بضميمة ما دلّ على أنّ الخمس جعله الله لأقرباء النبيّ عوضاً عن الزكاة التي هي أوساخ الناس; من الروايات الكثيرة الدالّة على هذا المعنى ، مضافاً إلى ضرورة أنّ المساكين مثلاً لا يكونون مستحقّين للزكاة والخمس معاً ، فمن يستحقّ الزكاة
- (1) خزانة الأدب 1 : 444 .
- (2) تذكرة الفقهاء 5: 433 ، مسالك الأفهام 1 : 470 ، الروضة البهية 2 : 80 ، رياض المسائل 5 : 254 ، جواهر الكلام 16 : 88 .
(الصفحة 256)
لا يكون مستحقّاً للخمس .
المطلب الثاني : في الملاك في الانتساب بالسيادة والتشرّف بشرفها ، وقد عرفت أنّ المشهور هو الانتساب بالأب إلى عبد المطّلب من دون فرق بين العلوي والعقيلي والعبّاسي ، وقد عرفت أنّ السيادة تغاير البنوّة ، وأنّ الاُولى أخصّ من الثانية ، ويدلّ على القول المشهور الذي اختاره الماتن (قدس سره) الروايات الواردة في أبواب تحريم الزكاة على بني هاشم ، وأنّه تعالى جعل الخمس عوضاً لهم عن الزكاة .
اللّهم إلاّ أن تكون الزكاة من مثله ، أي من مثله من بني هاشم ، فإنّ المستفاد من مثلها أنّ العنوان المأخوذ في موضوع هذه الأحكام إنّما هو الهاشمي وبنو هاشم ، قال الإمام الصادق(عليه السلام) : لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم(1) ، وغيرها ممّا ورد بهذا العنوان .
وفي رواية اُخرى قال(عليه السلام) : لو كان العدل ما احتاج هاشميّ ولا مطّلبي إلى صدقة . . .(2) ، وكذا الروايات الاُخرى ، فإنّه من الواضح أنّ هذه العناوين تعدّ من العناوين التي يعبّر بها عن الطوائف والقبائل; كالتميمي ونحوه ، ولا ينبغي الارتياب في أنّ العبرة في صدقها عرفاً إنّما هو الانتساب بالأب ، فلا يقال التميمي لمن كانت اُمّه منهم دون الأب ، خصوصاً في إحدى جدّاته الطوليّة ، مضافاً إلى أنّه لو كان الملاك الأعمّ من الأب لقلّ وجود غير الهاشمي ، إذ قلّما يوجد شخص لا تكون إحدى جدّاته هاشميّة ، وعليه فلابدّ بمقتضى المقابلة أن يقلّ مستحقّ الزكاة ويختصّ بمن لا يكون واحد من أجداده ولا جدّاته هاشمياً ، ومن المعلوم قلّته ثبوتاً وعدم
- (1) التهذيب 4: 59 ح158 ، الاستبصار 2 : 35 ح109 ، الوسائل 9 : 269 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب29 ح3.
- (2) التهذيب 4 : 59 ح159 ، الاستبصار 2 : 36 ح111 ، الوسائل 9 : 276 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب33 ح1 .
(الصفحة 257)
إحرازه إثباتاً غالباً .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ سيادة الحسنين (عليهما السلام) ومن ينتسب إليهما بالأب إنّما كان لأجل أمير المؤمنين(عليه السلام) لا لأجل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يكون انتسابهما إليه بالاُمّ ، وكذلك ظهر أنّه لا فرق في السيادة بين الحسنين (عليهما السلام) وغيرهما من أولاد أمير المؤمنين(عليه السلام) الذين لا تكون اُمّهم فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، كأبي الفضل العبّاس ومحمّدبن الحنفية وغيرهما ، كما أنّه ظهر اشتراك الهاشميين العلويّين مع العبّاسيين والعقيليّين وغيرهما ممّن يكون انتسابه بالأب دون الاُمّ; لاشتراك الجميع في عنوان الهاشمي ، وقد عرفت دلالة بعض الروايات السابقة على حرمة الصدقة لبني العبّاس ، ويكون لهم ذريّة في هذا الزمان حتّى يوجد فيهم بعض العلماء والشخصيات العلميّة .
ويكون في زماننا هذا سيّما في مملكتنا إيران لكلّ أحد سجلّ يعبّر عنه بالفارسية بـ «شناسنامه» ويكون ذلك السجلّ مشتملاً على ذكر أكثر خصوصيات الرجل ، وعمدتها الاسم واللقب الذي يعبّر عنه بـ «فاميل» ويكون لقب كلّ أحد تابعاً للقب أبيه دون اُمّه ، مشعراً بأنّه من تلك الطائفة والقبيلة ، ولا يكون الانتساب إلى الاُمّ معهوداً في هذه الجهة أصلاً ، ويؤيّده سائر الاُمور المشتملة على ياء النسبية ، فلا يقال القمّي مثلاً إلاّ لمن كان أبوه قمّياً لا اُمّه ، وكذلك الطهراني ومثله .
فانقدح من جميع ذلك أنّ الأصحّ كما في المتن هو اعتبار الانتساب من طرف الأب وعدم كفاية الانتساب من طرف الاُمّ ، ويؤيّده بناء المتشرّعة على ذلك ، فإنّهم لا يعاملون مع من انتسب من طرف الاُمّ السيادة ولا يجوّزون التلبّس بلباسها له ، كما لا يخفى .
كما أنّه يؤيّده بعض الروايات الضعيفة الدالّة على ذلك ـ وإن كان يمكن دعوى انجبار ضعفها بفتوى المشهور على طبقها ، وإن أمكن المناقشة بأنّ الموافقة أعمّ من