(الصفحة 168)
والدفتر والحساب ، فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر ، بل يمكن أن يقال: إنّ المعيار استقلال التجارات لا اختلاف أنواعها1 .
1 ـ في هذه المسألة أيضاً صور متعدّدة :
الصورة الاُولى : ما لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة في محلّ واحد ومركز فارد فباع واشترى مراراً ، فخسر في بعضها وربح في بعض آخر ، وهذه الصورة هو القدر المتيقّن من جبر الخسران بالربح وكون الملاك والمناط هي ملاحظة المجموع ، فإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة ، وهي المرتبطة بباب الخمس المتعلّقة له بعد استثناء المؤونة .
الصورة الثانية : ما لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد من غير استقلال كلّ برأسه ، كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات; لكثرة الدكاكين المشتملة على أجناس مختلفة ، ويختلف ذلك حسب اختلاف البلاد ، بل يوجد في بعض الدكاكين من القرى أجناس مختلفة كمال الاختلاف من المواد الغذائيّة والأثواب والألبسة وغيرهما ممّا يحتاج إليه الناس ، وفي هذه الصورة أيضاً ينجبر الخسران في البعض بالربح في الآخر ، لاتّحاد التجارة ولو كانت في أجناس مختلفة بعد كون المحلّ واحداً وحساب الدخل والخرج كذلك ، بل ربما لا يمكن أن يكون لكلّ جنس حساب مستقلّ برأسه ، فاللازم ملاحظة الكسر والانكسار وحساب المجموع; لأنّ الربح وعدمه عند العقلاء إنّما يلاحظان بالإضافة إليه كما هو غير خفيّ .
الصورة الثالثة : ما إذا اتّجر بأنواع مختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج ، ويلاحظ حال التاجر من جهة الربح والخسران بالإضافة إلى المجموع الذي يجمعها ذلك المركز ، والظاهر في هذه الصورة
(الصفحة 169)
مسألة 16 : لو اشترى لمؤونة سنته من أرباحه بعض الأشياء كالحنطة والشعير والدهن والفحم وغير ذلك وزاد منها مقدار في آخر السنة ، يجب إخراج خمسه قليلاً كان أو كثيراً . وأمّا لو اشترى فرشاً أو ظرفاً أو فرساً ونحوها ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها ، إلاّ إذا خرجت عن مورد الحاجة ، فيجب الخمس فيها على الأحوط1 .
أيضاً عدم استقلال كلّ شعبة ، بل ملاحظة حال ذلك المركز الواحد من جهة الربح والخسران بعد الكسر والانكسار .
الصورة الرابعة : ما لو اتّجر بأنواع مختلفة من التجارة في مراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض ، بل كان لكلّ مركز حساب مستقلّ ودفتر الدخل والخرج كذلك ، وقد استظهر في المتن في هذه الصورة عدم الانجبار ، بل احتمل أن يكون الملاك ذلك حتّى فيما لو كان الاتّجار بنوع واحد ، فإذا كان بائعاً ومشترياً للرزّ وكان له دكّان في الشرق ودكّان في الغرب ولا ارتباط بين الدكّانين ، بل كان لكلّ وضع مستقلّ فالانجبار غير متحقّق وإن كان نوع التجارة واحداً; وهي معاملة الرزّ مثلاً .
1 ـ الفرق بين مثل الحنطة والشعير ، وبين مثل الفرش والظرف مع اشتراكهما في كون شرائهما بعنوان المؤونة من أرباح سنة واحدة ، إنّما هو في أنّه يتوقّف الانتفاع من العين على إتلافها في الصورة الاُولى ، والانتفاع بها مع بقائها في الصورة الثانية ، فمع زيادة مقدار من الاُولى في آخر السنة يجب إخراج خمسه قليلاً كان أو كثيراً; لانكشاف عدم كونه من مؤونة السنة لفرض خروجها وبقائه . وهذا بخلاف الصورة الثانية ، فإنّ العين ببقائها لا تكشف عن عدم كونها مؤونة من الأوّل ، والفرض عدم خروجها عن مورد الحاجة .
(الصفحة 170)
نعم ، في صورة الخروج عن الحاجة لأجل اندراس الفرش مثلاً احتاط في المتن وجوباً بإخراج الخمس ، والسرّ فيه أنّ مقتضى الاستصحاب لو وصلت النوبة إلى الشكّ وإن كان هو عدم الوجوب ، إلاّ أنّ الظاهر من الأدلّة كون المناط هو تحقّق عنوان المؤونة ، والفرض الخروج عنه .
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) ما يرجع إلى استظهار عدم وجوب الخمس من غير فرق بين صورتي الاستغناء وعدمه ، نظراً إلى ما حقّقه في الاُصول ممّا خلاصته : أنّه إذا كان هناك عامّ مثلاً وقد ورد عليه مخصّص زمانيّ ، فإن كان الزمان ملحوظاً بنحو المفرديّة بحيث كان له عموم أفرادي وأزماني بحيث كان الملحوظ بالإضافة إلى الزمان أيضاً فرداً مستقلاًّ للعامّ في قبال الزمان الآخر كان المرجع فيما عدا المقدار المتيقّن هو عموم العامّ ، حتّى إذا كان استصحاب المخصّص جارياً في نفسه; لتقدّم الأصل اللفظي على الأصل العملي . وإذا كان الزمان ملحوظاً ظرفاً لا قيداً فلا مجال حينئذ للتمسّك بالعامّ ، حتّى إذا لم يكن الاستصحاب جارياً ، بل مقتضى الأصل البراءة منه ، ولكن هذا كلّه مخصوص بما إذا كان التخصيص أزمانياً .
وأمّا إذا كان أفراديّاً; بأن أخرج دليل التخصيص فرداً من أفراد العامّ ، كخروج زيد العالم عن دليل وجوب إكرام العلماء ، فهو خارج عن موضوع ذلك البحث ، بل اللازم في مثله الأخذ بإطلاق دليل المخصّص المقدّم على عموم العام; لعدم كون زيد العالم فردين من أفراد العام .
وعليه نقول: قوله(عليه السلام): «الخمس بعد المؤونة»(1) الذي هو بمنزلة المخصّص لعموم دليل الخمس يستفاد منه أنّ هذا الفرد من الربح الذي يحتاج إليه خلال السنة
(الصفحة 171)
خارج عن عموم الدليل ، فهو من قبيل التخصيص الأفرادي لا الأزماني ، كما أنّه لم يكن مقيّداً بعدم كونه مؤونة في السنة الآتية ، ولا بعدم الاستغناء في السنين القادمة ، فهذا الفرد بعد خروجه لا يكون مشمولاً لإطلاقات الخمس ، ومقتضى الأصل البراءة ، فلا موجب للاحتياط إلاّ استحباباً .
ومع التنزّل عن ذلك فلا ينبغي التأمّل في عدم مفرديّة الزمان في عموم الخمس المتعلّق بالأرباح ليلزم الانحلال ، بل هو ظرف محض ، فلكلّ فرد من الربح حكم وحداني مستمرّ من الخمس تكليفاً ووضعاً ، فإذا سقط الحكم عن فرد يحتاج عوده إلى دليل(1) ، انتهى .
وهذا الذي أفاده وإن كان متيناً جدّاً بالإضافة إلى المسألة الاُصولية التي هي مبنى المسألة ، كما أنّ الظاهر أنّ مورده صورة الخروج عن الحاجة بالإضافة إلى غير سنة الاسترباح ، ويؤيّده أنّ الاستغناء وعدمه حينئذ لا دخل له في المؤونة المستثناة من الربح في السنة الماضية; لعدم الارتباط بتلك السنة وعدم كونه معدوداً من ربح هذه السنة ، إلاّ أنّ خروجه عن ربح السنة الماضية لأجل كونه مؤونة ربما يقتضي أنّ الاستثناء يتوقّف على بقاء كونه كذلك ، فمع الخروج لا وجه لعدم تعلّق الخمس وإن كان الخروج عن مورد الحاجة في غير سنة الاسترباح ، وهذا الوجه لو لم يكن مقتضياً للحكم بالوجوب فلا أقل من اقتضائه الاحتياط الوجوبي ، فتدبّر جيّداً . لكنّ الظاهر كما ذكرنا في التعليقة عدم الوجوب .
ثمّ إنّ الخروج عن مورد الحاجة إن كان في نفس سنة الاسترباح كما لعلّه يقتضيه إطلاق العبارة في المتن وغيره ، فتارةً يكون الخروج موقتاً ، واُخرى لا يكون
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 258 ـ 259 .
(الصفحة 172)
كذلك ، ففي الصورة الاُولى كما إذا اشترى بخارياً لأجل الاصطلاء في الشتاء فانقضى الشتاء ولم يكن بحاجة بعد انقضائها إليه ، فالظاهر أنّه لا يتعلّق الخمس به بعد كونه مورداً للحاجة ولو في خصوص الشتاء . وفي الصورة الثانية كما إذا اشترى فرشاً لأجل الحاجة إليه ثمّ بذل له فرش أنسب من الأوّل فاستفاد منه فخرج الأوّل عن مورد الحاجة بالمرّة ، فالظاهر أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي الخمس; لأنّ بذل الآخر إيّاه وإن لم يكن بكاشف عن عدم كونه مورد الحاجة بوجه خصوصاً بعد ظهور الاحتياج إليه ولو في مدّة حقيقةً .
وقدذكرنافي تعليقتناعلى العروة التي استظهر فيهاالوجوب بنحوالاحتياط المطلق مطلقاً كما هنا ، بل الأقوى فيما إذا كان الاستغناء في أثناء السنة بنحو لا يحتاج إليه أصلاً ، وأمّافيما إذاكان بعدتمامها أوبنحويحتاج إليه فيما بعد فالظاهر عدم الوجوب(1).
ثمّ إن كان الخروج عن المؤونة لأجل لزوم بيعه مثلاً وإقامة فرش آخر أولى منه مقامه كما ربما يتّفق بالإضافة إلى الدار الذي احتاج إليه فاشتراه من الأرباح ثمّ احتاج إلى أوسع منه فباعه بقصد اشتراء دار آخر مقامه مناسب لشأنه كاف لحاجاته ، فإن كان ذلك في سنة الربح فلا إشكال ، وإن كان في السنة التي بعد سنة حصول الربح بناءً على ثبوت الخمس حينئذ ولو بنحو الاحتياط المطلق ، فإن كان ذلك بالمعاوضة العرفيّة; بأن أبدل الدار الصغيرة مثلاً بدار كبيرة كافية وإن استلزم الإبدال المذكور بذل مقدار من الربح ، فالظاهر أنّه لا مانع منه ولا يجب الخمس ، وإن كان ذلك متوقّفاً على بيع الأوّل مثلاً واشتراء الثاني ، فالظاهر أنّه بمجرّد الشراء يخرج من مؤونة السنة ويجب فيها الخمس ، إلاّ إذا انحصر طريق تحصيل الدار
- (1) الحواشي على العروة : 192 مسألة 67 .