(الصفحة 282)
كثرة ابتلاء المسلمين وشيعة الأئمّة (عليهم السلام) بما يصل إليهم من الكفّار والمخالفين ممّا يعلم تعلّق الخمس به وعدم أدائه لأجل عدم الاعتقاد ، فلو كان اللازم عليهم التخميس يلزم الوقوع في الحرام والعسر والحرج ، خصوصاً في هذه الأزمنة التي يكون الارتباط بين الشيعة وغيرهم كثيراً; لأجل سعة دائرة التجارة واستخراج المعادن بأيدي الكفّار ، ولأجل ما ذكرنا من الوجه قد أباحوا للشيعة في أزمنة عدم بسط أيديهم تقبّل الأراضي الخراجيّة من يد الجائر والمقاسمة معه ، وأخذ عطاياه في الجملة المعروف بأخذ جوائز السلطان ، وغير ذلك ممّا يصل إلى الشيعة من السلطان الجائر بلا واسطة أو معها ، والغرض منه التسهيل على الاُمّة وشيعتهم ، خصوصاً مع ملاحظة كون السلطنة بيد غيرهم من الجائرين في الأزمنة الكثيرة جدّاً .
إلى هنا تمّ شرح كتاب الخمس من تحرير الوسيلة ، لكن ينبغي بل يلزم في الختام التنبيه على اُمور :
الأوّل : إنّك عرفت(1) أنّ أمر سهم الإمام(عليه السلام) الذي هو نصف الخمس وملك للإمام الثاني عشر(عليه السلام) في هذا الزمان في عصر الغيبة الكبرى التي لا يمكن الوصول إليه فيها نوعاً بيد المجتهد الجامع للشرائط ، وفي الحقيقة بيد مرجع تقليده في المسائل التي يلزم فيها التقليد ، لكن البحث هنا في أنّه يصرفه في أيّ شيء وما الملاك في مصرفه؟
والظاهر أنّه يصرفه فيما هو مرضيّ له مطمئنّاً ، كالصرف في إقامة الحوزات العلميّة الرائجة في بلاد الشيعة مع الاختلاف فيها من الجهات المختلفة ، وكالصرف
(الصفحة 283)
في فقراء الشيعة غير السادة وغيرهما من الاُمور الراجعة إلى بقاء الشريعة وحفظ كيان الشيعة من الأبنية وغيرها ، وذلك لأنّ ثبوت الولاية العامّة للفقيه والمجتهد لا يقتضي جواز صرفه في أيّ مصرف شاء ولو لم يرتبط بالاُمور الدينيّة .
واحتمال كون الوظيفة في عصر الغيبة الكبرى هو حفظ سهم الإمام(عليه السلام)بعينه بما يشابه الدفن كالجمع في البنوك والوصية بذلك عند ظهور آثار الموت مدفوع:
أوّلاً: بأنّه لم يرد الشارع قطعاً ركود الثروة المالية وإخراجها عن الاستغلال ، ولذا نرى منه تشريع المضاربة الذي مرجعه إلى كون المال من واحد والعمل من آخر .
وثانياً: باحتياج حفظ الشعائر وبقاء كيان الشيعة إلى الماليّة ، ونحن نرى بالوجدان أنّ هذه الحوزات العلمية المؤثِّرة كاملاً في ترويج الشيعة لها احتياج إلى الجهات المالية بصورة الراتب الشهري ، ولا يكفي في ذلك الأوقاف المنطبقة ولو مع التمكّن منها .
وقد نقل لي بعض الثقات المطّلعين أنّ الرئيس الأعظم للمسيحيّين المسمّى بـ «البابا» كان تحت نظره مليونان من الروحانيين المسمّين بـ «القسّيس» في تمام نقاط العالم ، وعمدة مخارجهم تحصل من النذورات البالغة في السنة بخمسين مليار دولاراً ، مع أنّ كلّ دولار في هذا الزمان له قيمة ثمانمائة تومان ، ولهم غير النذورات إعانات اُخرى ، فهل يجوز مع هذه الموقعيّة عدم صرف سهم الإمام(عليه السلام) في الحوزات العلمية وإبقاؤه بالنحو الذي ذكرنا ، أم لابدّ من الصرف في المورد المذكور وما يشابهه ، مثل الأبنية في الموارد اللازمة وإعطاء فقراء الشيعة الذين يتأثّرون من الفقر كاملاً ؟ وقد حكي أنّ بعض المراجع العظام الساكن في النجف الأشرف قد يعطي سهم الإمام(عليه السلام) للشرطة غير الشيعة حفظاً لهم عن الإيذاء وإيجاد بعض
(الصفحة 284)
المحذورات للشيعة ، فتدبّر .
الأمر الثاني : إنّك قد عرفت(1) أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى احتياج صرف السادة العظام من المساكين وأبناء السبيل والأيتام إلى إذن المجتهد أعني مرجع تقليده أيضاً ; لأنّه وليّ المالك بعد عدم تشخّصه وعدم تعيّنه ، وإن كان يمكن المناقشة في ذلك بأنّ عدم التشخّص لا يستلزم التوقّف على الإذن ، وعدم ذكر اللام في الآية الشريفة بالإضافة إلى الأصناف الثلاثة الأخيرة لا يدلّ بل ولا يشعر بذلك أصلاً .
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ زيادة الخمس على حاجة الأصناف في طول التاريخ سيّما في بعض المناطق من ناحية ، وعدم إرادة الشارع وعدم رضاه بتربية الفقر والفقراء من جهة عدم الاشتغال بشيء من الاُمور الرائجة في تهيئة المعاش من ناحية اُخرى ، ولزوم التبعيض من جهة استفادة بعضهم من الخمس كاملاً ومحروميّة البعض الآخر كذلك من ناحية ثالثة ، وغير ذلك من النواحي ، يقتضي أن يكون أمر سهم السادة أيضاً بيد المجتهد .
وما ذكرنا لو لم يوجب الفتوى بذلك فلا أقلّ من إيجابه الاحتياط ، خصوصاً مع أنّه لو كان أمره بيده يمكن له إجباره عليه بحيث لو لم يتحقّق الإجبار لم يدفع الخمس ، وخصوصاً مع أنّا نرى بالوجدان أنّ في بعض البلدان حيث إنّ أهله كان مقلّداً لمن لا يرى افتقار صرف سهم السادة إلى الإذن ، كيف وقع الاختلال من هذه الحيثية والنقيصة في الوجوه الشرعية الموجبة للخلل في أمر الراتب الشهري أحياناً ومحرومية الأصناف في الجملة ثانياً .
(الصفحة 285)
فالاحتياط للمقلّد يقتضي الرجوع إلى مرجع تقليده والعمل بإذنه ، كما أنّ الاحتياط للمجتهد أيضاً الاستئذان من بعض السادة بالإضافة إلى حقّهم ، كما حكي ذلك عن بعض الأعاظم من الفقهاء غير السادة ، فتدبّر .
وقد اعتبرنا في تعليقتنا على العروة إذن المجتهد في صرف سهم السادة احتياطاً(1) .
الأمر الثالث : قد عرفت(2) أنّ ملكيّة الله تعالى والرسول وذي القربى لنصف الخمس ليست هي ملكيّة اعتبارية كملكيّة زيد بالنسبة إلى داره ، بل المراد بها أولويّة التصرّف غير المنتقلة في الرسول والإمام (عليهما السلام) إلى الوارث وإن زاد الغاصب الأوّل قول «ما تركناه صدقة»(3) بعد قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث درهماً ولا ديناراً» الذي يكون المقصود منه أنّه ليس من شأن النبي بما هو نبيّ أن يورّثهما ، بل كان من شأنه الاستفادة من الوحي النازل إليه كما لا يخفى . فهل الأمر بالإضافة إلى الأصناف الثلاثة الاُخرى المستحقّين للخمس كذلك؟ الظاهر العدم ، بل هي ملكية كسائر الأملاك .
ويمكن أن يقال : بأنّ الملكية بالإضافة إلى الله تعالى أيضاً ملكية اعتبارية وإن كان هو واجد للملكية الحقيقيّة بالنسبة إلى جميع ما غنمتم ، لا خصوص الخمس الذي يكون ظاهر الآية اختصاصه به تعالى وبالأصناف الخمسة الاُخرى; لتقديم الخبر على المبتدأ الدالّ على الحصر ، والجمع بين الملكيّتين ممّا لا مانع
- (1) الحواشي على العروة الوثقى : 195 مسألة 17 .
- (2) في ص268 .
- (3) السنن الكبرى للبيهقي 9 : 438 ـ 439 ح13007 ـ 13010 ، المسند لأحمد بن حنبل 1 : 342 ح1391 وص379 ح1550 ، وج3 : 490 ح9979 ، بحار الأنوار 28 : 104 .
(الصفحة 286)
منه ، كالجمع بين الملكيّة الاعتبارية لنا بالنسبة إلى مثل الثوب والدار ، مع أنّنا وجميع ما يتعلّق بنا ملك حقيقي لله تعالى على ما هو مفاد
{إِنَّا للهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(1) وكان شائعاً في الأزمنة السابقة كتابة هذا الشعر الفارسي على جدار السيّارة حكاية عن مالكها :
- در حقيقت مالك اصلى خداست
در حقيقت مالك اصلى خداست
-
بهر روزى اين امانت نزد ماست
بهر روزى اين امانت نزد ماست
فكما أنّه لا مانع من أن يكون الشيء مملوكاً باعتبارين: الحقيقي والاعتباري ، كذلك لا مانع من اجتماع الجهتين بالإضافة إلى المالك ، والعلّة في عدم انتقال سهم الإمام(عليه السلام) إلى وارث الرسول أو الإمام إنّما هي كون المالك هي حيثيّة الرسالة والإمامة بالحيثيّة التقييديّة المانعة عن الانتقال إلى الوارث بما هو وارث ، فملكيّة الإمام لسهم الإمام وإن كانت ملكية اعتبارية ، إلاّ أنّها لا تنتقل إلى جميع الورثة كالدار المملوكة له مثلاً ، وإذا بنينا على ذلك يصير الطريق إلى ملكية السادة لسهم السادة سهلاً لا يكون مخالفاً لاتحاد السياق بوجه ; لأنّ المفروض كون الملكيّة في الجميع على نسق واحد .
وهذا بخلاف ما إذا قلنا بتغاير الملكيّتين ، فإنّه مخالف لاتحاد السياق ، وقد أشرنا في أوّل كتاب الخمس إلى هذه الجهة ، وهذا كما في التعبير بـ «اللاّم» و«على» الشائع استعماله فينا في مثل الدين ، كقوله: «لزيد على عمرو كذا» ولكن هذا التعبير وقع في الكتاب بالإضافة إلى بعض العبارات كالحجّ في قوله تعالى :
{وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
- (1) سورة البقرة 2 : 156 .