(الصفحة 354)
فلا إشكال في أنّ عليه الخمس ، وكذا المعدن المتكوّن في الأراضي المفتوحة عنوة أو الأنفال ، فإنّ الحكم بثبوت الخمس يدور مدار ملكية المستخرِج له ، فإن قلنا بملكيته له لأجل إذن الإمام في الأنفال أو وليّ المسلمين في الأراضي المفتوحة عنوة ، التي هي ملك لجميع المسلمين كما عرفت(1) ، أو قلنا بعدم الاحتياج إلى الإذن في شيء منهما كما ادّعى القطع بذلك في الجواهر في هذه المسألة(2) ، وعليه الشهرة نقلا وتحصيلا في كتاب إحياء الموات(3) ، فلا إشكال في ثبوت الخمس عليه.
وبالجملة : ما يرتبط بالمقام انّما هو البحث في ثبوت الخمس في المعدن الذي صار مملوكاً ، وأمّا تفصيل صور الملكيّة وتمييزها عن غيرها فله مقام آخر لا يرتبط بما هنا .
ثم إنّك عرفت(4) أنّه لا فرق في المعدن الذي يتعلّق به الخمس بين الذهب والفضّة وبين غيرهما ، وإن كان المحكيّ عن أبي حنيفة(5) التخصيص بهما ، كما أنّه لا فرق بين الأشياء المنطبعة وغيرها ، وإن كان المحكيّ عن بعض آخر منهم التخصيص بالأوّل(6) ، وقد عرفت أيضاً أنّ حكمهم بالخمس إنّما هو من باب الزكاة والصدقة(7) .
وكيف كان، فلا فرق عندنا بين المنطبعة وغيرها ، كما أنّه يتعلّق الخمس
- (1) في ص341 ـ 342 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 23 ـ 24 .
- (3) جواهر الكلام 38 : 108 .
- (4) في ص344 ـ 345 .
- (5) كذا في النسخة ، والصحيح الشافعي كما أشرنا إليه في ص344.
- (6) كأبي حنيفة ، راجع المبسوط للسرخسي 2 : 213 ، وشرح فتح القدير 2 : 179 ، والشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 ، والخلاف 2 : 117 مسألة 138 .
- (7) في ص344 .
(الصفحة 355)
بالملاحة التي هي أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً ، إمّا لكونه معدناً حقيقة، وإمّا لكونه مثل المعدن ، والاختلاف إنّما هو لأجل اختلاف رواية محمّد بن مسلم الواردة في هذا الباب ، التي رواها الشيخ والصدوق(1) .
وقد أفاد الاُستاذ العلاّم دام ظلّه : أنّ الصحيح في سند الرواية كون الراوي عن محمّد بن مسلم هو أبو أيّوب لا حسن بن محبوب ; وذلك لأنّ محمّد بن مسلم من الطبقة الرابعة من الطبقات التي رتّبناها ، وقد اتّفق وفاته في سنة 150(2) ، وحسن ابن محبوب من الطبقة السادسة من تلك الطبقات ، وقد اتّفق وفاته في سنة 224 مع كون عمره خمساً وسبعين سنة ، كما ذكره الكشّي(3) ، فراجع .
وعليه فلا يمكن له النقل عن محمّد بن مسلم من دون واسطة كما هو واضح .
فالظاهر ثبوت الواسطة وأنّه هو أبو أيّوب الذي هو من الطبقة الخامسة، كما في النسخ الصحيحة من الوسائل(4) ، فتأمّل .
وكيف كان، فلا إشكال في ثبوت الخمس في الملاحة ، وأمّا حجارة الرحى ونحوها ممّا تعدّ من أجزاء الأرض ولم تتغيّر صورتها النوعية ، غاية الأمر أنّ لها قابلية لأن يعمل فيها ويستفاد منها في الرحى ونحوه ، فالظاهر خروجها من المعادن وعدم ثبوت الخمس عليها ، وإن جاز التيمّم والسجدة عليها ; لصدق عنوان الأرض عليها وعدم خروجه عن جزئيّتها ، كما لايخفى .
- (1) التهذيب 4 : 122 ح349 ، الفقيه 2 : 21 ح76 ، الوسائل 9 :492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح4 .
- (2) رجال الشيخ: 294 رقم 4393.
- (3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 584 رقم 1094.
- (4) قالت لجنة التحقيق : ما نقل المؤلّف دام ظلّه عن أستاذه رحمه الله تعالى مبنيّ على ما روي في الوسائل 2 : 60 ، من الطبع الحجري سنة 1324هـ .
- ولكن في التهذيب وجامع أحاديث الشيعة والوسائل طبعة إسلامية وأيضاً طبعة آل البيت كلّها : الحسن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم.
(الصفحة 356)
الثالث : الكنز
وقد عرّفه الفقهاء بأنّه المال المذخور تحت الأرض(1) ، والتقييد بالمذخور يفيد أنّه لا يكون من أجزاء الأرض متكوّناً فيها ، كالمعدن الذي عرفت(2) أنّه عبارة عمّا يتكوّن في الأرض ممّا تكون الأرض أصله ، ويحصل له التغيير في الصورة النوعية بسبب الحرارة الموجودة في باطن الأرض أو بسبب غيرها ، وعليه فالكنز عبارة عن المال الخارجي الذي ذخر في الأرض ولا يعدّ من أجزائها ، كما أنّ هذا القيد يفيد كون الذاخر له إنساناً صدر منه هذا العمل عن قصد وإرادة متعلّقة بكونه ذخيرة له ينتفع به في الاستقبال ، فاستتار المال في الأرض قهراً لا عن إرادة صاحبه لا يوجب صدق عنوان الكنز عليه على ما هو مقتضى التعريف ، كما أنّ التقييد بكونه مذخوراً تحت الأرض يخرج ما إذا كان مذخوراً في بطن شجر أو غيره ممّا لا يكون تحت الأرض كالجدار، وغيره .
وكيف كان، فالروايات الواردة في هذا الباب الدالّة على ثبوت الخمس في الكنز كثيرة:
منها: رواية الحلبي الواردة في الكنز والمعادن والغوص ، وقد قطعها في الوسائل وحكى كلّ قطعة في الباب المناسب لها(3) ، وإلاّ فالرواية رواية واحدة،
- (1) راجع شرائع الإسلام 1 : 179 ، وتذكرة الفقهاء 5 : 413 ، والبيان : 215 ، والتنقيح الرائع 1 : 337 ، والروضة البهيّة 2 : 68 ، مع زيادة قيد «قصداً» ، والحدائق الناضرة 12 : 332 .
- (2) في ص344 ـ 345 .
- (3) الكافي 1 : 546 ح19 وص548 ح28 ، الفقيه 2 : 21 ح73 ، التهذيب 4 : 121 ح346 ، الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح2 ، وص495 ب5 ح1 ، وص498 ب7 ح1 .
(الصفحة 357)
فلا تغفل .
ومنها: رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)(1) .
ومنها: الرواية المتضمّنة لقصّة عبد المطّلب(2) .
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير الدالّة على أنّ الخمس على خمسة أشياء(3) .
ومنها: رواية عمّار بن مروان في باب المعادن أيضاً(4) .
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة على ثبوت الخمس في الكنوز .
وكيف كان، فلا إشكال عندنا في ثبوت الخمس في الكنز ، وأمّا العامّة فقد ذهب جمع منهم إلى ثبوته فيه(5) ، لكن لا بعنوان الخمس الثابت لأصناف خاصّة مذكورة في الآية الشريفة ، بل بعنوان الزكاة والصدقة ، كما عرفت نظيره في المعدن(6) .
ثمّ إنّ ظاهر الروايات الواردة في باب الكنز أنّ الكنز الذي يكون جميعه لواجده ـ لولا دليل وجوب الخمس ـ يجب على الواجد المالك له إخراج خمسه ، فلابدّ حينئذ من ملاحظة أنّ الكنز هل يكون ملكاً لواجده مطلقاً، أو في بعض الموارد؟
فنقول: إنّ الكنز تارة يوجد في دار الإسلام، واُخرى في دار الحرب ، وعلى التقديرين تارة يكون عليه أثر الإسلام ، كسكّة أحد ولاة المسلمين أو اسم
- (1) الفقيه 2 : 21 ح75 .
- (2) الفقيه 4 : 264 ح824 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 212 ، الخصال : 312 ح90 ، الوسائل 9 : 496 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح3 و4 .
- (3) الخصال : 191 ح53 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح7 .
- (4) الخصال : 290 ح51 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح6 .
- (5) راجع بدائع الصنائع 2 : 190 ـ 193 ، المجموع للنووي 6 : 75 ـ 77 ، المغني لابن قدامة 2 : 612 ـ 613 .
- (6) في ص344 .
(الصفحة 358)
النبي(صلى الله عليه وآله) ، واُخرى لا يكون ، وعلى التقادير تارة يوجد في الأرض التي لها مالك خاصّ ، واُخرى في الأرض المباحة أو شبهها .
وقد ذكر الفقهاء في أحكام هذه الصور أنّه إن وجد في أرض الحرب وإن كانت ملكاً لواحد خاصّ منهم ، أو في دار الإسلام ولم يكن عليه أثر الإسلام ولكن كانت الأرض مباحة، أو لم تكن ملكاً لواحد من المسلمين بالخصوص ، فيصير ملكاً لواجده ويتعلّق به الخمس .
وأمّا إذا وجد في أرض الإسلام المباحة أو شبهها مع وجود أثر الإسلام عليه ، أو في أرض الإسلام التي لها مالك خاصّ وإن لم يكن عليه أثر الإسلام ، فلا تصير ملكاً للواجد حتى يتعلّق به الخمس ، بل لقطة أو ملك لمالك الأرض(1) .
هذا ، والظاهر أنّه فرق بين المقام، وبين المعدن فيما لو وجد في الأرض التي لها مالك بالخصوص ، فإنّك عرفت أنّ ما يتكوّن في الأرض وتتغيّر صورته النوعية في باطنها إنّما هو تبع للأرض يعدّ من أجزائها، والمالك له هو المالك لها وإن كان المخرج له غيره كالغاصب ونحوه(2) ، وهذا بخلاف الكنز، فإنّه لا يعدّ من توابع الأرض وأجزائها ، بل هو شيء مستقلّ ، له حكم مستقل فالملكيّة للأرض لا تستتبع الملكيّة للكنز المذخور تحتها ، ومن هنا يعلم أنّ استدلال بعض العامّة كما قد حكي عنه بثبوت اليد والاستيلاء عليه كالاستيلاء على الأرض(3) مخدوش جدّاً ; فإنّ الاستيلاء على الأرض يستتبع السلطة على ما يعدّ من شؤونها وأجزائها .
وأمّا ما كان خارجاً عن عنوان الأرض مخفيّاً تحتها فلا يكون الاستيلاء عليه
- (1) راجع المبسوط 1 : 236 ، المهذّب 1 : 177 ـ 178 ، شرائع الإسلام 1 : 179 ـ 180 ، قواعد الأحكام 1 : 362 ، البيان : 215 ، التنقيح الرائع 1 : 337ـ 338 ، مسالك الأفهام 1 : 460 .
- (2) تقدّم في ص344 ـ 345 و352 ـ 353 .
- (3) هذا مذهب الشافعي ، راجع الأُمّ 2 : 44 ، والمجموع للنووي 6 : 76 و78 ، والمغني لابن قدامة 2 : 613 .