(الصفحة 60)ومنها اُجرة المخرج إن لم يكن متبرّعاً، وإن لم يكن بأمره يكون المخرج له وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة; لأنّه لم يصرف مؤونة، وليس عليه ما صرفه المخرج. ولو كان المعدن في الأرض المفتوحة عنوة، فإن كان في معمورتها حال الفتح التي هي للمسلمين وأخرجه أحد منهم ملكه، وعليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين، وإلاّ فمحلّ إشكال، كما أنّه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملّكه إشكال، وإن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج وعليه الخمس ولو كان كافراً كسائر الأراضي المباحة ، ولو استنبط المعدن صبيّ أو مجنون تعلّق الخمس به على الأقوى، ووجب على الوليّ إخراجه1 .
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات :
المقام الأوّل : ما لو كان المعدن في أرض مباحة غير مفتوحة عنوة، وهذا هو الفرد الظاهر ممّا تقدّم من كون المخرَج ـ بالفتح ـ لمن استنبطه، وأنّ الواجب عليه الخمس بعد استثناء مؤونة الإخراج كما مرّ(1) . والدليل على الأمرين الأدلّة الدالّة على ثبوت الخمس في المعادن، فإنّها تدلّ بالملازمة على ملكيّة من يتعلّق به الخمس لما عدا مقداره، وقد عرفت(2) أنّ الظاهر ثبوت الخمس في جميع الموارد في صورة صدق الغنيمة، وهو لا يتحقّق بدون ملكيّة ما عدا مقداره، والحكم في هذا المقام ثابت بلا ريب .
المقام الثاني : ما لو كان المعدن في أرض لها مالك شخصي، فإن كان الإخراج بأمر من المالك فلا إشكال في أنّه يكون على المالك الخمس بعد استثناء المؤونة،
- (1) في ص50 ـ 52 .
- (2) في ص10 ـ 14.
(الصفحة 61)
ومنها اُجرة المخرج لو لم يكن متبرّعاً في ذلك، وإن لم يكن الإخراج بأمر من المالك فالأمر أيضاً كذلك . غاية الأمر عدم استثناء مؤونة الإخراج; لأنّه لم يكن بأمره وليس عليه ضمان، فيجب الخمس مطلقاً .
نعم ، في صورة كون الإخراج بإذن المالك قد يكون مرجع الإذن إلى ثبوت المخرج للمأذون، والظاهر أنّ الحكم في هذه الصورة ثبوت الخمس على المأذون المخرج بعد استثناء المؤونة، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ بعض الأعلام (قدس سره) استشكل في أصل إطلاق الحكم المنسوب إلى المشهور، وخلاصة ما أفاده في هذا المجال يرجع إلى أنّ الأراضي وإن كانت قابلة للنقل والانتقال الاختياري أو غير الاختياري، إلاّ أنّ ملكيّتها تنتهي بالأخرة إلى سبب واحد موجب للخروج عن الإباحة الأصلية ; وهو قصد الحيازة والإحياء . ومن الواضح أنّ هذا السبب لا يستتبع الملكيّة إلاّ في إطار مدلوله، يعني المقدار الذي يتعلّق به الإحياء والحيازة، وهي ظواهر تلك الأراضي دون بواطنها وما في أجوافها من المعادن والركائز . نعم، لا ينبغي التأمّل في قيام السيرة العقلائية بل الشرعية على دخول البواطن ولحوقها بظاهرها، إلاّ أنّ السيرة لا إطلاق لها، والمتيقّن من موردها ما يعدّ عرفاً من توابع الأرض وملحقاتها، كالسرداب والبئر ونحوهما ممّا يكون عمقه بهذا المقدار . وأمّا الخارج عنه غير المعدود من التوابع كآبار النفط العميقة جدّاً، أو آبار الماء العميقة المستحدثة أخيراً لاستخراج المياه من عروق الأرض فلا سيرة في مثله ولا تبعيّة، ومعه لا دليل على الإلحاق.
نعم، ورد في خصوص المسجد الحرام أنّ الكعبة من تخوم الأرض إلى عنان السماء، ولكنّ الرواية ضعيفة السند، ولذا ذكرنا في محلّه لزوم استقبال عين الكعبة لجميع الأقطار لا ما يسامتها من شيء من الجانبين .
(الصفحة 62)
وعلى الجملة لم يقم بناء من العقلاء على إلحاق الفضاء المتصاعد أو المتنازل جدّاً غير معدودين من توابع الأرض عرفاً بنفس الأرض في الملكيّة بحيث يحتاج العبور عن أجوائها بواسطة الطائرات إلى الاستئذان من ملاّكها . وقد عرفت قصور دليل الإحياء عن الشمول لها، فهي إذاً تبقى على ما كانت عليه من الإباحة الأصلية، ونتيجة ذلك جواز استملاكها لكلّ من وضع اليد عليها، وأنّها ملكه وعليه خمسها وإن كان المخرج شخصاً آخراً غير صاحب الأرض ، غايته أنّه يكون آثماً في الاستطراق والاستخراج من هذا المكان لو لم يكن بإذن من صاحبه، إلاّ أنّ العصيان أمر والاستملاك أمر آخر ولا تنافي بينهما (1)، انتهى .
ويمكن الإيراد عليه بأنّ عدم ثبوت بناء العقلاء بالإضافة إلى الأعماق المذكورة لعلّه لكون الموضوعات مستحدثة، وإلاّ فالظاهر أنّه لا فرق عندهم بين قلّة العمق في موضوع البئر وكثرته ، كما أنّ قياس الفضاء على العمق لعلّه مع الفارق، فإنّ التصرّف في الفضاء بالنحو المذكور لا يعدّ تصرّفاً أو تصرّفاً غير مأذون فيه، وإلاّ فلو فرض أنّ التصرّف في الفضاء بنحو كان مزاحماً للمالك، كما إذا وجد فيه بناءً عالياً مزاحماً كالسحاب فلا يجوز التصرّف فيه، وجواز الصلاة في الطائرة العالية عن الأرض آلاف أمتار لا يمكن توجيهه إلاّ على طبق الرواية المذكورة ; لعدم إمكان محاذاة العين في مثل الارتفاع المذكور بأيّ معنى ذكر للمحاذاة، فتدبّر ، ومثله الصلاة فوق جبل أبي قبيس ومثله، والتحقيق في محلّه .
هذا ، وفي هذه الصورة التي يكون للأرض مالك شخصي إن لم يكن الاستخراج بسبب إرادة إنسان بل كان مستنداً إلى علّة اُخرى، كما إذا كان المخرج له حيواناً أو
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 58 ـ 60 .
(الصفحة 63)
خرج لأجل الزلزلة أو المطر أو نحوهما ، فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب الخمس على صاحب الأرض في هذه الصورة; لعدم مدخلية الإخراج والاستخراج، بل مقتضى إطلاق الأدلّة الواردة الدالّة على ثبوت الخمس في المعدن ثبوته في المقام.
وتوهّم أنّ تلك الأدلّة لا تكون واردة في مقام البيان فلا مجال للتمسّك بإطلاقها مع فقدان شرطه ، مدفوع بأنّ ما لا تكون تلك الأدلّة بصدد بيانها إنّما هو كون المعدن في أيّة صورة يكون ملكاً للشخص، وفي أيّة صورة لا يصير ملكاً له . وأمّا بعد الفراغ عن صيرورته ملكاً للشخص لأجل كونه في أرضه التي هي ملك شخصيّ له كما في المقام، أو لجهة اُخرى فمقتضاها ثبوت الخمس على المالك له .
وبالجملة: مقتضى التأمّل في الروايات الواردة في باب المعدن أنّ من صار مالكاً للمعدن المتكوّن تحت الأرض نوعاً، كالخارج منها بحيث لو لم تكن أدلّة الخمس كان مالكاً للجميع، يجب عليه إخراج خمسه إلى أربابه، فالموضوع هو المالك للجميع مع قطع النظر عن دليل الخمس، والحكم الثابت على هذا الموضوع مطلق لا يختصّ بشخص دون آخر . وأمّا تحقّق الموضوع وثبوت ملكيّة المعدن فلابدّ من أن يثبت من دليل آخر .
وبالجملة : لا ينبغي المناقشة بملاحظة الأدلّة في ثبوت الخمس فيما إذا خرج المعدن المتكوّن في الأرض التي لها مالك شخصيّ بسبب غير إنسانيّ .
ومن هذا يظهر الخلل في الحكم بعدم وجوب الخمس في الفرع الذي ذكره كاشف الغطاء (قدس سره)، حيث قال في محكي كشفه : لو وجد شيئاً من المعدن مطروحاً في
(الصفحة 64)
الصحراء فأخذه فلا خمس(1).
فإنّه يرد عليه أنّه مع ثبوت الملكية للآخذ بسبب الأخذ كما هو المفروض ـ ويدلّ عليه نفي إيجاب الخمس عليه ـ لا وجه لإخراجه من دليل الخمس بعد عدم مدخلية خصوصيّة الإخراج، وإطلاق الأدلّة الشامل لكلّ من صار مالكاً للمعدن بأيّة جهة من الجهات، فالظاهر وجوب الخمس في هذا الفرع أيضاً، ولذا تنظّر صاحب الجواهر فيما حكاه عن اُستاذه (قدس سرهما)(2) .
المقام الثالث : فيما إذا كان المعدن في الأراضي المفتوحة عنوة، وقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان في معمورتها حال الفتح، وبين ما إذا كان في مواتها، فاختار الملكية وثبوت الخمس في الصورة الاُولى إذا كان بإذن والي المسلمين ووليّهم، واستشكل في مورد عدم الإذن، مثل ما إذا كان المخرج كافراً ، وأمّا الصورة الثانية فاختار فيها الملكية وثبوت الخمس ولو كان المخرج كافراً، كسائر الأراضي المباحة .
وعن صاحب الجواهر ادّعاء القطع بعدم الاحتياج إلى الإذن في كتاب إحياء الموات(3) .
ثمّ إنّ لبعض الأعلام (قدس سره) كلاماً مفصّلاً في هذا المجال ترجع خلاصته إلى أنّ أدلّة الملكية للمسلمين في الصورة الاُولى وللإمام في الصورة الثانية قاصرة عن الشمول للباطن، ولو في الأعماق القليلة كأربعة أمتار أو خمسة، وإلاّ لبيّن ولو في رواية واحدة أنّ ما يستخرج من الاُولى ملك للمسلمين، ومن الثانية ملك للإمام ،
- (1) كشف الغطاء 4 : 201 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 22 .
- (3) جواهر الكلام 38 : 108 .