(الصفحة 367)
الإطلاق ، فالبلوغ إلى أحد من النصابين يكفي في ثبوت الخمس . غاية الأمر أنّ الدليل فيما إذا بلغ إلى العشرين هي الصحيحة الدالّة على اعتبار النصاب في الكنز(1)، وفيما إذا بلغ إلى المائتين هي الإطلاقات الدالّة على ثبوت الخمس في الكنز مطلقاً(2).
هذا ، ولنرجع إلى حكم صور الكنوز وبيان أنّ الخمس في أيّ منها واجب .
فنقول: قال الشيخ في المبسوط: ويجب أيضاً في الكنوز التي توجد في دار الحرب من الذهب والفضّة والدراهم والدنانير ، سواء كان عليها أثر الإسلام أو لم يكن عليها أثر الإسلام .
فأمّا الكنوز التي توجد في بلاد الإسلام ، فإن وجدت في ملك الإنسان وجب أن يعرّف أهله ، فإن عرفه كان له ، وإن لم يعرفه أو وجدت في أرض لا مالك لها فهي على ضربين : فإن كان عليها أثر الإسلام ، مثل أن يكون عليها سكّة الإسلام فهي بمنزلة اللقطة سواء ، وسنذكر حكمها في كتاب اللقطة ، وإن لم يكن عليها أثر الإسلام أو كانت عليها أثر الجاهلية من الصور المجسّمة وغير ذلك ، فإنّه يخرج منها الخمس ، وكان الباقي لمن وجدها .
وقال في ذيل كلامه: وإذا وجد الكنز في ملك إنسان فقد قلنا : إنّه يعرّف ، فإن قال : ليس لي وأنا اشتريت الدار عرّف البائع ، فإن عرف كان له ، وإن لم يعرف كان حكمه ما قدّمناه(3) .
ونظير ذلك قال في محكي الخلاف مع الاختلاف في بعض الفروع ، حيث حكي عنه أنّه أوجب الخمس في الجميع(4) ، وقال في باب الخمس من كتاب
- (1) الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح2 .
- (2) الوسائل 9 : 495 ـ 496 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح1 و3 و4 .
- (3) المبسوط 1 : 236 ـ 237 .
- (4) الخلاف 2 : 122 ـ 123 مسألة 148 ـ 150 .
(الصفحة 368)
النهاية: ويجب أيضاً الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها ـ إلى أن قال: ـ وجميع ما قدّمنا ذِكرَهُ من الأنواع يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيراً ، إلاّ الكنوز ومعادن الذهب والفضّة ، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلاّ إذا بلغت إلى القدر الذي تجب فيه الزكاة(1) .
وقال فيها في باب اللقطة والضالّة: ومن وجد كنزاً في دار انتقلت إليه بميراث عن أهله كان له ولشركائه في الميراث ، إن كان له شريك فيه . فان كانت الدار قد انتقلت إليه بابتياع من قوم عرَّف البائع ، فإن عرفه، وإلاّ أخرج خُمسَه إلى مستحقّه وكان له الباقي . وكذلك إن ابتاع بعيراً أو بقرة أو شاة ، فذبح شيئاً من ذلك فوجد في جوفه شيئاً له قيمة ، عرَّفه من ابتاع ذلك الحيوان منه ، فإن عرفه أعطاه ، وإن لم يعرفه أخرج منه الخُمُس وكان له الباقي . فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها درّة أو سبيكة وما أشبه ذلك أخرج منه الخمس ، وكان له الباقي(2) ، انتهى .
واستشكل على الحكم الأخير الحلّي في السرائر ، حيث قال: وشيخنا أبو جعفر الطوسي لم يعرّف بائع السمكة الدرّة ، بل ملكها المشتري من دون تعريف البائع ، ولم يرد بهذا خبر عن أصحابنا ، ولا رواه عن الأئمة (عليهم السلام) أحد منهم(3) .
هذا ، ولا يخفى الفرق الواضح بين ما إذا ابتاع سمكة فوجد في جوفها درّة أو سبيكة، وبين ما إذا ابتاع بعيراً أو بقرة أو شاة ، فذبحه فوجد في جوفه شيئاً له قيمة ، حيث حكم الشيخ في الثاني بوجوب تعريف البائع ولم يحكم به في الأوّل .
وكيف كان، فقد عرفت أنّ التفصيل بين دار الحرب ودار الإسلام، وفي الثانية بين ما إذا كان على الكنز أثر الإسلام وبين ما إذا لم يكن ، إنّما ذكره الشيخ في
- (1) النهاية : 197 .
- (2) النهاية : 321 ـ 322 .
- (3) السرائر 2 : 106 .
(الصفحة 369)
كتاب مبسوطه الذي هو كتاب تفريعي له ، كما نبّهنا عليه مراراً ، ولم يتعرّض لهذا التفصيل في كتاب نهايته الذي كان بناؤه فيه على الاقتصار على ذكر ما ورد فيه النصّ أو النصوص من الأئمّة (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادر منهم، وهذا يدلّ على عدم ثبوت نصّ على هذا التفصيل المذكور في المبسوط ، بل التعرّض له إنّما وقع تبعاً للعامّة .
وكيف كان، فمقتضى إطلاق الحكم بملكيّة الكنز الموجود في دار الحرب لمن وجده ثبوت الملكيّة للواجد ، ولو وجده في دار الحرب في ملك مسلم ، إلاّ أن يقال بعدم كون هذه الصورة مرادة له أصلا ، والسرّ أنّه لم يكن في زمانه مسلم مقيم في دار الحرب; لأجل بُعد الطريق وعدم تحقّق الارتباطات الموجودة في هذه الأزمنة بين الكفّار والمسلمين ، كما لايخفى .
كما أنّ حكمه بوجوب التعريف فيما إذا وجد الكنز في ملك الإنسان ليس المراد به مطلق ما إذا وجد في ملك إنسان . ولو لم يكن مثل الدار والبيت ونحوهما محاطاً بالجدار ونحوه ; بأن وجده في صحراء قرية لها مالك شخصي ، فإنّ الظاهر عدم الافتقار إلى التعريف في هذه الصورة ، بل حكمه حكم ما لو وجده في الأراضي المباحة أو شبهها .
والتحقيق في المقام أنّه لابدّ في استكشاف حكم صور الكنز من ملاحظة الروايات الواردة في الكنز ، والروايات الواردة في حكم الشيء الذي جهل مالكه ، كاللقطة والضالّة والموجود في بطن السمكة أو الشاة ونحوها .
فنقول: أمّا ما ورد في غير الكنز على اختلاف موردها فهي كثيرة:
منها: الروايات الواردة في اللقطة الدالّة على وجوب التعريف في الدرهم وما زاد ، وأنّه بعد التعريف يجعله كسبيل ماله أو يتصدّق به عن صاحبه ، فإن جاء ورضي ، وإلاّ فهو له ضامن ، على اختلاف الروايات الواردة فيه ، ويجوز له الحفظ
(الصفحة 370)
بعد التعريف أيضاً(1) .
ومنها: ما ورد في الشاة الضالّة من قول النبي(صلى الله عليه وآله): هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب . وفي البعير الضالّة من قوله(صلى الله عليه وآله) : معه حذاؤه وسقاؤه، حذاؤه خفّه ، وسقاؤه كرشه ، فلا تهجه(2) .
ومنها: ما ورد في ما يوجد في بطن الدابّة من المال ، من أنّه يجب تعريفه البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشيء للواجد رزقه الله إيّاه(3) ، وما ورد فيما يوجد في بطن السمكة ممّا ظاهره حصول الملكيّة بمجرّد الوجدان من دون أن يعرّف البائع(4) .
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم ـ التي جعلها في الجواهر(5) وغيره(6) روايتين ، والظاهر أنّها رواية واحدة ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به(7) .
ومنها: موثّقة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قضى علي(عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة : أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلاّ تمتّع بها(8) .
هذا، ولا ينبغي توهّم المنافاة بين الموثقة والصحيحة ، نظراً إلى أنّ مقتضى الصحيحة الحكم بأحقّية الواجد فيما إذا كانت الدار خربة من دون لزوم التعريف ،
- (1) الوسائل 25 : 441 ، كتاب اللقطة ب2 .
- (2) الكافي 5 : 140 ح12 ، التهذيب 2 : 395 ح1184 ، الوسائل 25 : 457 ، كتاب اللقطة ب13 ح1 .
- (3) الوسائل 25 : 452 ، كتاب اللقطة ب9 .
- (4) الوسائل 25 : 453 ، كتاب اللقطة ب10 .
- (5) جواهر الكلام 16 : 29 .
- (6) كمسالك الأفهام 12 : 523 ، الحدائق الناضرة 12 : 335 ـ 336 .
- (7) الكافي 5 : 138 ح5 ، التهذيب 6 : 390 ح1169 ، الوسائل 25: 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 و2 .
- (8) التهذيب 6 : 398 ح1199 ، الوسائل 25 : 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح5 .
(الصفحة 371)
وقضيّة الموثقة الحكم بوجوب التعريف أوّلا ، وجواز التمتّع مع عدم وجدان من يعرف في الدار الخربة أيضاً ، فظاهرهما ممّا لا يجتمع .
هذا ، ولكن التوهّم مدفوع ، بأنّ المراد بالخربة في الصحيحة بقرينة توصيفها بما إذا جلا عنها أهلها هي الخربة البعيدة عن المكان المعمور ، التي لا يحتمل بحسب العرف كون مالك الورق الذي وجد فيها موجوداً في ذلك المكان ; لعدم الارتباط بينهما أصلا ، والمراد بالخربة في الموثّقة هي الخربة القريبة من المكان المعمور ، التي يحتمل كون مالك الورق الذي وجد فيها موجوداً في ذلك المكان المعمور ; إذ الظاهر أنّه ليس المراد بوجوب التعريف وجوبه في المكان الذي لا يرتبط بالخربة أصلا ، بل المراد تعريفه بالنسبة إلى الساكنين حول الخربة ، الذين يحتمل أن يكون مالك الورق موجوداً بينهم ، فالحكم بوجوب التعريف في الخربة في الموثّقة لا ينافي الحكم بأحقّية الواجد في الخربة أيضاً في الصحيحة ، فلا وجه لتوهّم التنافي .
ثمّ انّ الحكم بملكيّة الورق لأهل الدار فيما إذا وجد في الدار المعمورة ـ التي يكون المراد بها بحسب الظاهر هو المكان الذي يسكنه جماعة من الناس ، مختلفون ويتردّدون فيه بالذهاب والاياب ، كالمكان المشتمل على البيوت الكثيرة ، المتعلّق كلّ واحد منها ببعض منهم ، لا الدّار التي ينحصر مالكها بشخص خاصّ ، كما في صحيحة محمّد بن مسلم ، حيث قال(عليه السلام): «فهي لهم» ـ هل المراد به الإخبار عن أمر واقعي مجهول بالنسبة إلى الواجد معلول عن علله الواقعيّة وهو الملكيّة الثابتة لأهل الدار ، المعلولة عن أسبابها الواقعية ، فيكون الحكم بها نوع إخبار عن الغيب ، ولا يرتبط ببيان الأحكام الشرعية ، الذي هو من وظائف الإمام(عليه السلام) .
أو أنّ المراد به الحكم بثبوت الملكيّة للأهل ; لأجل الأمارة الدالّة على ثبوتها ، وهو اليد والتسلّط الذي يكون أمارة على الملكيّة عند العقلاء أيضاً . فمحصّله حينئذ ثبوت حكم ظاهري معلول عن علّة واحدة ، وهي اليد التي تكون أمارة