(الصفحة 84)
الأعلام(1); لأنّه على هذا التقدير أيضاً لا يكون المراد المماثلة في خصوص الجنس دون المقدار ، فعلى أيّ تقدير تدلّ الصحيحة على اعتبار النصاب . غاية الأمر أنّه على تقدير ما قلنا في معنى الرواية يكون الخمس ثابتاً في مطلق الأموال ، وعلى التقدير الآخر في خصوص الذهب والفضّة المسكوكين ، كما أنّ التصريح بخصوص عشرين ديناراً في الصحيحة الاُخرى يوجب أن يكون إلحاق مائتي درهم به على سبيل الاحتياط ، وفي هذه الصحيحة لم يقع التصريح بشيء من النصابين في باب الدينار والدرهم .
ثمّ إنّه بقي في هذه المسألة فروع :
الفرع الأوّل : ما إذا وجد الكنز في أرض مملوكة له بابتياع ونحوه ، وفي المتن عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له ، وإن لم يعرفه عرّفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لا يعرفه أو لا يحتمل أنّه له ، فيكون له وعليه الخمس .
وقد حكي عن المشهور(2) أنّه في صورة اليأس عن المالك يعامل معه معاملة مجهول المالك فيتصدّق به على الفقراء ولا يدخل في عنوان الكنز ، واستدلّوا عليه بقاعدة اليد ، نظراً إلى أنّ اليد التي كانت على هذا المال أمارة الملك ، ومن ثمّ وجب الرجوع إلى ذي اليد ، فإن عرفه وإلاّ سقطت يده عن الحجّية باعترافه أنّ المال ليس له ، وتصل النوبة إلى اليد السابقة; لأنّ سقوط اليد اللاّحقة عن الاعتبار يوجب الرجوع إلى اليد السابقة ما دام لم يعترف بعدم العرفان .
واُورد على هذا الوجه بوضوح فساده ، نظراً إلى أنّ أماريّة اليد على الملكية
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 77 .
- (2) المنتهى 1 : 546 ، جامع المقاصد 6 : 176 ، مسالك الأفهام 1 : 461 ـ462 ، كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم) : 52 .
(الصفحة 85)
لا تتوقّف على التعريف والسؤال ، فلو كانت اليد حجّة في المقام فاللازم الدفع إلى ذي اليد من غير توقّف على التعريف .
ومن هنا كان المحكيّ عن جماعة(1) أنّه يعطى لمن انتقل عنه من غير سؤال وتعريف ، ويشير إليها صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في الدار يوجد فيه الورق ، فقال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم(2) ، لكن مورد الصحيحة اليد الفعلية وأجنبي عن المقام الذي هي صورة زوال اليد والانتقال إلى الغير بالبيع ونحوه كما هو المفروض . فلا وجه للاستدلال بها ، فلا مجال للاستفادة لا من قاعدة اليد ولا من الصحيحة .
أمّا الاُولى ، فلما عرفت من أنّ قاعدة اليد على فرض التمامية تقتضي لزوم الدفع إلى ذي اليد من غير حاجة إلى التعريف ، بل تجري حتّى مع صورة الشكّ وجهل ذي اليد بالملكيّة ، ولأجله يدفع إلى وارثه لو كان ميّتاً ، فلا تبقى حاجة إلى التعريف للمالك السابق ، ولأنّ حجّية اليد تختصّ باليد الفعلية ، فهي الكاشفة عن الملكية ، وأمّا الزائلة فهي ساقطة عن درجة الاعتبار .
وتدلّ عليه ذيل الصحيحة المزبورة الدالّة على أنّه إن كانت الدار خربة قد جلى عنها أهلها ، فالذي وجد المال أحقّ به بلحاظ دلالتها على أنّ الجلاء والإعراض يوجب سقوط اليد عن الأمارية ، فإذا سقطت بالإعراض فسقوطها بالانتقال بالبيع ونحوه بطريق أولى ، إلاّ أن يقال : إنّ الانتقال الواقع لم يقع بلحاظ الكنز لعدم علم البائع به ، بل إنّما وقع بالإضافة إلى أصل الدار ونحوها ، وهذا بخلاف الجلاء
- (1) الدروس الشرعية 1 : 260 ، الحدائق الناضرة 12 : 338 .
- (2) تقدّمت في ص81 .
(الصفحة 86)
والإعراض الظاهر في الجلاء عن الدار بتمام شؤونها ، فالسقوط عن الأماريّة في صورة الجلاء لا يستلزم السقوط بالانتقال بمثل البيع .
وأمّا الصحيحة فلا مجال للاستناد إليها بعد عدم الظهور لها فيما ذكر . هذا ، ولكن هناك روايتان حكي عن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)(1) التمسّك بهما :
إحداهما : ما رواه الكليني بسنده عن عبدالله بن جعفر الحميري ، قال : كتبت إلى الرجل(عليه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن يكون ذلك؟ فوقّع(عليه السلام) : عرّفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله إيّاه(2) .
ثانيتهما : موثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم(عليه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها ، قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال : يتصدّق بها(3) .
وهناك رواية ثالثة متقدّمة; وهي رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قضى عليّ(عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلاّ تمتّع بها(4) .
هذا ، وقد استظهر عدم صحّة الاستدلال بشيء من الروايات الثلاثة للمقام .
أمّا الأخيرة ، فلزوم حملها على الأرض الخربة التي لم ينجل عنها بقرينة
- (1) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم الأنصاري) : 58 ـ 59 .
- (2) الكافي 5 : 139 ح9 ، الوسائل 25 : 452 ، كتاب اللقطة ب9 ح1 .
- (3) التهذيب 6 : 391 ح1171 ، الوسائل 25 : 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح3 .
- (4) تقدّمت في ص77 .
(الصفحة 87)
صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(1) أيضاً ، فيكون الورق حينئذ من مجهول المالك ، والحكم بلزوم التعريف حينئذ مطابق للقاعدة ، سواء كان الورق تحت الأرض أم فوقها وإن كان الظاهر هو الأوّل; لعدم إمكان التعريف في غير هذه الصورة ، فيكون التعريف بسببها .
وأمّا الروايتان الاُخريان ، فكلتاهما أجنبيّتان عن محلّ الكلام أيضاً ، أمّا الرواية الاُولى فواضحة ، ضرورة أنّ ما يوجد في جوف الدابّة من الصرّة المشتملة على الدرهم والدينار شيء حادث في بطنه قد ابتلعه قريباً قبل يوم أو يومين ، فهو طبعاً فرد من أفراد مجهول المالك لابدّ فيه من التعريف ، وبما أنّ البائع أقرب المحتملات فيراجع ، وبالتعبّد الشرعي يسقط التعريف عن غير البائع ، كما أنّه بإذن الإمام(عليه السلام)الذي هو الوليّ العام يملكه الواجد ، وبذلك يخصّص ما دلّ على وجوب التصدّق لمجهول المالك ، فإنّه حكم وارد في موضوع خاصّ نظير ما ورد فيما يلقيه البحر إلى الخارج من استملاكه وإن كان من مصاديق مجهول المالك .
وأمّا الرواية الثانية ، فلظهورها في أنّ لتلك الدراهم مالكاً محترماً بالفعل مجهولاً نظراً إلى اقتضاء طبيعة الحال كون ذلك البيت من المنازل المعدّة للإيجار ولنزول الحجّاج والزوّار ، فلأجله يظنّ أنّ تلك الدراهم تتعلّق بحاجّ نزل قبل ذلك ، وبما أنّ صاحب المسكن أدرى به ، فطبعاً يرجع إليه مقدّمةً للاستعلام من ذلك المالك المجهول ، فإن عرفه ، وإلاّ فيتصدّق به عنه ، وذلك شأن كلّ مال مجهول مالكه ، وأين هذا من الكنز؟ سيّما وأنّ الدراهم إنّما حدثت في زمن المعصومين (عليهم السلام) ولم تكن موجودة في العهود البائدة ليصدق على دفينتها اسم الكنز .
(الصفحة 88)
فتحصّل أنّه لم يدلّ أيّ دليل على لزوم الرجوع إلى البائع الأخير فضلاً عن البائع قبله في الكنز . نعم ، هو أحوط رعاية للمشهور(1) ، بل ادّعى بعضهم الإجماع(2) عليه وعلى لزوم الرجوع إلى المالك قبله إن لم يعرفه .
أقول : وقد انقدح من جميع ما ذكر أنّه لم ينهض دليل على لزوم الرجوع إلى البائع ثمّ إلى البائعين قبله ثمّ صيرورته مالكاً له بما أنّه كنز ، ويتعلّق به الخمس من هذه الجهة ، لا القاعدة ولا شيء من الروايات المتقدّمة . نعم ، يمكن أن يكون الدليل لخصوص لزوم الرجوع إلى البائع الأوّل هو الإجماع المدّعى ، وإن كان قد عرفت(3)أنّ المحكيّ عن جماعة لزوم الدفع إليه من غير سؤال ومن غير لزوم عرفانه ، إلاّ أنّ الملكية وثبوت الخمس به لا يمكن إقامة الدليل عليه بوجه لا من النصّ ولا من الفتاوى ، ومورد رواية الحميري على ما عرفت هي الدابّة المشتراة للاُضحية من الجزور والبقرة ، فلا يشمل مثل الأرض المشتراة التي يمكن أن يكون للمال المدفون تحتها عشر سنين أو عشرات أو أزيد ، فتدبّر .
وأمّا موثّقة إسحاق المتقدّمة فقد مرّ أنّ مفادها لزوم التصدّق بالدراهم المدفونة في بعض بيوت مكّة التي وجدها الحاجّ النازل بها الواجد لها ، فلا ارتباط لها بالمقام ، وأمّا الروايتان الاُخريان فبعد حمل المطلق منهما على المقيّد يكون المورد صورة عدم الانجلاء ، وأمّا صورة الانجلاء التي حكم فيها بالتمتّع بها فهي أجنبيّة عن المقام ، كما لا يخفى .
الفرع الثاني : ما أفاده بقوله (قدس سره) : «ويلحق بالكنز على الأحوط ما يوجد في
- (1) كفاية الأحكام: 43 .
- (2) منتهى المطلب 1: 546 ، جواهر الكلام 16: 31 .
- (3) في ص85.