(الصفحة 261)مسألة 4 : الأحوط إن لم يكن الأقوى عدم دفع من عليه الخمس إلى من تجب نفقته عليه ، سيّما زوجته إذا كان للنفقة ، أمّا دفعه إليه لغير ذلك ممّا يحتاج إليه ولم يكن واجباً عليه فلا بأس ، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليه ولو للإنفاق حتّى الزوجة المعسر زوجها1 .
مسألة 5 : لا يصدّق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه . نعم ، يكفي في ثبوتها
التسليم وإن كان غنيّاً في بلده ; لأنّ الملاك فيه هي الحاجة لذلك لا الفقر المطلق ، ولذا عطف على المساكين ، والعطف دليل المغايرة .
1 ـ الوجه في الاحتياط اللازم بل الأقوى عموم التعليل الوارد في بعض الروايات الصحيحة الدالّة على المنع من إعطاء الزكاة لواجبي النفقة ، من قوله(عليه السلام) : إنّهم عياله لازمون له(1) ، فإنّ المستفاد منه أنّ نفقتهم إنّما هي كنفقة نفسه ، ولا ريب في عدم جواز إنفاق خمس نفسه لنفقتها ، ولو في الاُمور المتعلّقة للخمس غير المرتبطة بمؤونة السنة كالمعدن ونحوه ; لأنّ الواجب عليه الدفع لا الصرف . نعم ، في الاُمور الزائدة على النفقة الواجبة المحتاج إليها لا بأس بدفع الخمس بلحاظها ، كما أنّه لا بأس بدفع خمس الغير إلى واجبي النفقة ، كالزوجة التي يكون زوجها معسراً غير قادر على إنفاقها; لأنّ مجرّد وجوب الإنفاق لا يكفي في عدم جواز دفع الخمس مع فرض عدم القدرة عليه ، كما لا يخفى .
كما أنّه يجوز للزوجة التي يجب عليها الخمس دفع خمسها إلى زوجها لو كان مستحقّاً له ولو لإنفاق هذه الزوجة ، فتدبّر .
- (1) الوسائل 9 : 240 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب13 ح1 .
(الصفحة 262)
كونه معروفاً ومشتهراً بها في بلده من دون نكير من أحد ، ويمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد إحراز عدالته بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقّه; أيّ شخص كان حتّى الآخذ ، ولكنّ الأولى عدم إعمال هذه الحيلة1.
1 ـ لا إشكال في أنّ السيادة المعتبرة في الأصناف الثلاثة الاُخرى على ما تقدّم(1) لابدّ من إحرازها كسائر الاُمور المعتبرة ، كالفقر وكونه ابن السبيل ، ولا يكفي في الإحراز مجرّد الدعوى وادّعاء السيادة كما هو الشائع ، خصوصاً في بعض الأمكنة ، وذلك ليس لجريان استصحاب عدم الهاشمية كاستصحاب عدم القرشية في المرأة التي رأت الدم فوق الخمسين على ما ذكره المحقّق الخراساني (قدس سره)(2)وتبعه جملة من الأجلّة(3); لما حقّقناه في محلّه(4) من عدم جريان هذا الاستصحاب بوجه; لعدم اتّحاد القضيتين: المتيقّنة والمشكوكة; ضرورة أنّ السالبة في الاُولى سالبة بانتفاء الموضوع ، وفي الثانية سالبة بانتفاء المحمول ، بل لأجل أنّ الشرط يحتاج إلى الإحراز ولا يكفي فيه مجرّد دعواه ، خصوصاً بعد ترتّب نفع عليه ، وهذا كما في مثل قوله : لا صلاة إلاّ بطهور(5) ، فإنّه لابدّ من إحراز الطهارة ولو بأصالتها بناءً على الشمول للطهارة الظاهرية ، أو بالاستصحاب بناءً على الاختصاص بالطهارة المعنويّة ، كما لا يخفى .
نعم ، ذكر في المتن أنّه «يكفي في ثبوتها كونه معروفاً ومشتهراً بها في بلده من دون
- (1) في ص253 .
- (2) كفاية الاُصول 1 : 261 .
- (3) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 208 .
- (4) معتمد الاُصول 1: 295 ـ 296 .
- (5) الوسائل 1 : 365 و366 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب1 ح1 و6 .
(الصفحة 263)
نكير من أحد» وحاصله تحقّق الشياع على سيادة المدّعي ، لكنّ الشياع في نفسه ليس بحجّة إلاّ إذا أفاد العلم أو الاطمئنان الذي يقوم مقام العلم عند العقلاء ، وقد تقدّم البحث عن حجّية الشياع في نفسه وعدم حجّيته كذلك في بعض المباحث السابقة .
وذكر في الذيل أنّه يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد إحراز عدالته بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقّه; أيّ شخص كان حتّى الآخذ ، لكن جعل الأولى عدم إعمال هذه الحيلة ، ولعلّ السرّ فيه أنّ إحراز العدالة يكفي لأجل عدم الدفع إلى غير من يراه سيّداً ، وأمّا من يراه كذلك فهو سيّد حقيقة أم لا ، فلا ، خصوصاً بالإضافة إلى نفسه .
وبعبارة اُخرى يعتبر أن يكون الدافع للخمس محرزاً لسيادة المدفوع إليه ، ولا يكفي إحراز الواسطة وإن كان عادلاً حقيقة ، لكن علّل الصحّة في محكي الجواهر بأنّ المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكّل ما لم يعلم الخلاف(1) ، فمع عدم اعتبار المباشرة في إيصال الخمس إلى مستحقّه فالعبرة في الوصول إنّما هو بعلم الوكيل وتشخيصه لا الموكّل ; لأنّه مقتضى أصالة الصحّة الجارية في عمل الوكيل .
لكن مع ذلك ذكر أنّ الإنصاف أنّه لا يخلو عن تأمّل أيضاً ; لأنّه يرد عليه ما وجّهه بعض الأعلام (قدس سره) بأنّ الأصل المزبور لمّا كان مستنداً إلى السيرة العقلائية القائمة على البناء على الصحّة ، والقدر المتيقّن منها ما إذا لم يعلم الموكّل الكيفيّة التي وقع الفعل عليها خارجاً ، كما إذا وكّله على عقد ولم يعلم الموكّل صحّة ما أجراه من
- (1) جواهر الكلام 16 : 106 .
(الصفحة 264)
مسألة 6 : الأحوط عدم دفع الخمس إلى المستحقّ أزيد من مؤونة سنته ولو دفعة ، كما أنّ الأحوط له عدم أخذه1 .
العقد . وأمّا إذا علم الكيفيّة وأنّه أجراه بصيغة فارسية ، لكنّه شكّ في صحّتها فشمول دليل أصالة الصحّة لذلك غير معلوم ، كما لا يخفى .
ويلحقه في الإشكال موارد الشكّ في صحّة الكيفيّة المعلومة بشبهة موضوعيّة كما في المقام ، حيث يعلم الموكّل أنّ الوكيل أخذه لنفسه باعتقاده الاستحقاق ، لكنّه يشكّ الموكّل في استحقاقه ، فإنّ البناء على الصحّة حينئذ مشكل جدّاً; لعدم إحراز قيام السيرة في مثل ذلك عليه .
ومن الواضح أنّ علم الوكيل طريقيّ محض وليس بموضوعي ، فلا أثر له في تصحيح العمل بالنسبة إلى الموكّل الذي هو المكلّف بالأصالة(1) .
قلت : لازم ما ذكر من التوجيه جعل الأحوط الوجوبي لو لم يكن الأقوى عدم التوسّل إلى هذه الحيلة ، لكن لو بني على صحّتها لا يحتاج إلى إحراز عدالة الوكيل ، فإنّه لا فرق في جريان أصالة الصحّة في عمل الوكيل بين ما إذا اُحرزت عدالته ، وبين ما إذا لم تحرز كما لا يخفى . والأولى جعله تحت اختيار الحاكم الشرعي الذي هو مرجع تقليده ، بل هو المتعيّن بناءً على اعتبار إذنه ، كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى .
1 ـ أمّا الدفع إليه في الدفعات المتعدّدة التي يزيد بعضها على مؤونة السنة فالظاهر أنّ عدم جوازه كذلك إنّما هو على سبيل الفتوى ، ومستندها ما تقدّم(2) من
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 322 ـ 323 .
- (2) في ص260 .
(الصفحة 265)
اعتبار الفقر في الأصناف الثلاثة الأخيرة المستحقّة للخمس ، وفي الدفعة الزائدة لا يكون هذا الشرط موجوداً ، وهذا بالإضافة إلى سهم السادة الذي هو نصف الخمس واضح; لما ذكر من اعتبار الفقر فيهم .
وأمّا بالإضافة إلى سهم الإمام(عليه السلام)فالأمر لا يدور مدار المؤونة ، بل يتوقّف على إذن الحاكم الذي هو الوليّ في زمن الغيبة ، وهو يعمل على طبق ما يراه مصلحة ممّا هو مرضيّ للإمام(عليه السلام) ، ولعلّ ذكر المؤونة قرينة على أنّ المراد من الخمس في المتن هو سهم السادة لا الأعمّ منه ومن سهم الإمام(عليه السلام) . ويؤيّده أنّه جعل الأحوط عدم الأخذ كما لا يخفى ، كما أنّه لابدّ من التنبيه على أمر; وهو أنّ الزائد على دفعة واحدة إن كانت الزيادة زائدة على مؤونة سنته فالحكم ما مرّ ، وإن كانت مشتملة على الزيادة; بأن كانت مركّبة من الزيادة وغيرها فالحكم فيه ما سيأتي في الفرع الآتي .
وأمّا عدم جواز الدفع إليه في دفعة واحدة بمقدار يزيد على مؤونة سنة واحدة فإنّما هو على نحو الاحتياط الوجوبي ، فقد قيل في وجهه: إنّه إذا أُعطي ما يزيد على مؤونته السنويّة فهو بتملّك مقدار المؤونة صار غنيّاً ، فليس له حينئذ تملّك ما يزيد عليه; لزوال فقره بتملّك ذلك المقدار ، فإعطاء الزائد إعطاء إلى الغنيّ ولو كان غناه قد حصل مقارناً للإعطاء المزبور ، إذ العبرة في الغنى والفقر بملاحظة حال الإعطاء لا قبله ولا بعده(1) .
ويرد عليه أنّه بعدما كان المفروض إعطاء الزائد دفعة واحدة من دون تقدّم وتأخّر ، وقد فرض أنّه في حال الإعطاء كان فقيراً ، ولا مجال لدعوى التبعّض بعد كون الإعطاء واحداً وهو مستحقّ للخمس لفقره ، فالظاهر أنّه لا مجال للاحتياط
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 324 .