(الصفحة 72)
ما فيها؟ فقال : كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس ، وقال : ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس(1) بناءً على أنّ العدول في الجواب عن السؤال عن المعادن بالتعبير بكلّ ما كان ركازاً ـ مع أنّ السؤال عن جميع المعادن; لأنّه مقتضى الجمع المحلّى باللاّم ـ لعلّه يشعر بل يدلّ على أنّ الحكم في الجواب بصورة كبرى كلّية شامل للكنز أيضاً ; نظراً إلى أنّه الشيء الثابت المتمركز ، ولكنّه فيه تأمّل كما مرّ في بحث المعدن .
المقام الثاني : قد فسّر السيّد في العروة تبعاً لجماعة(2) من الفقهاء بأنّ الكنز هو المال المذخور(3) ، وقد اُستفيد من هذا التعبير أنّ الكنز عبارة عن المال الذي كان ستره في الأرض مثلاً لأجل الذخيرة والادّخار ليوم فقره وفاقته أو لغاية اُخرى . غاية الأمر كان الستر مقروناً بهذا القصد ، وقد حكي ذلك عن الشهيد الثاني في شرحيه المسالك(4) والروضة(5) ، فإنّ المحكي عنه اعتبار قصد الادّخار في الكنز ، وأنّه بدونه لقطة ، خلافاً للمشهور القائل بعدم الاعتبار (6) ، وما ذكره المشهور هو الظاهر ، نظراً إلى أنّه لو فرض صحّة استفادة اعتبار القصد من عنوان المذخور ، إلاّ أنّ اعتبار هذا العنوان في معنى الكنز بعد عدم إشعار شيء من الروايات الواردة في الكنز بذلك حتّى مثل الرواية المتقدّمة في المعدن ، الدالّة على أنّ الأرض السبخة
- (1) تقدّمت في ص44 .
- (2) شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 414 ، الحدائق الناضرة 12 : 332 .
- (3) العروة الوثقى 2 : 374 .
- (4) مسالك الأفهام 1 : 460 .
- (5) الروضة البهيّة 2 : 68 .
- (6) شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 414 ، التنقيح الرائع 1 : 337 ، البيان : 215 ، الحدائق الناضرة12 : 332 وغيرها .
(الصفحة 73)
المالحة التي يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً معدن(1) ، وقد احتمل فيها أن يكون المراد كونها معدناً شرعاً ، وإن لم يكن عرفاً; لأنّ الروايات الواردة في الكنز قد علّق فيها على عنوان الكنز ، والمرجع في مثله من العناوين المأخوذة موضوعاً هو العرف لا محالة ، والعرف لا يساعد على اعتبار قصد الادّخار في مفهوم الكنز بوجه ، مضافاً إلى أنّ لازم ذلك الحمل على الأفراد النادرة; لأنّ إحراز هذا القصد مشكل فيما لو لم يكن مقروناً مع بعض القرائن ، كالوعاء المخصوص والمكتوب كذلك وشبههما ، خصوصاً مع أنّ مقتضى الاستصحاب العدم كما لايخفى ، فالإنصاف صحّة ما عليه المشهور .
المقام الثالث : المشهور أنّه لا فرق بين أن يكون المكان المستور فيه الكنز أرضاً أو جداراً أو جبلاً أو ولو بطن شجر ، وقد صرّح بذلك صاحب العروة(2) ، لكن المحكي عن كاشف الغطاء(3) التصريح بالاختصاص بالأرض ، والظاهر أنّه لا دليل له على ذلك بعد كون المرجع هو العرف ، وهو لا يساعد ذلك بوجه . نعم ، لو كان المكان الذي قد ستر فيه من الأمكنة التي يجعل فيها المال نوعاً للتحفّظ الموقّت ويمكن الوصول إليه عادةً لا يكون ذلك كنزاً ، ولكن لا خصوصية للأرض في مقابل الاُمور المذكورة في تحقّق عنوان الكنز بوجه .
المقام الرابع : هل الكنز يختصّ بخصوص النقدين ـ أي الذهب والفضّة المسكوكين ـ أو يعمّ مطلق الذهب والفضّة ولو كانا غير مسكوكين ، أو يعمّ مطلق الجواهر كالأحجار الكريمة ، بل في زماننا هذا يعمّ الاسكناس ومثله من الأوراق
- (1) تقدّمت في ص45 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 374 مسألة 13 .
- (3) كشف الغطاء 4 : 201 .
(الصفحة 74)
النقدية وأشباهها؟ صرّح السيّد في العروة(1) بعدم الاختصاص بخصوص الذهب والفضّة فضلاً عن خصوص النقدين .
نعم ، ذكر بعض الأعلام أنّه وإن كان الكنز عرفاً يشمل جميع الأموال ولا يختصّ بمال خاصّ ، والروايات الواردة في الكنز شاملة بإطلاقها للجميع ، إلاّ أنّه في مقابل المطلقات ما يدلّ باختصاص تعلّق الخمس بخصوص النقدين وإن كان عنوان الكنز عرفاً غير مختصّ بهما .
وهي صحيحة البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال : سألته عمّا يجب الخمس فيه من الكنز؟ فقال : ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس(2) .
ولكنّه حكي عن صاحب الرياض(3) أنّه أسند إلى الأصحاب أنّهم فهموا منها المماثلة في المقدار والمالية ، نظير صحيحته الاُخرى الواردة في المعدن المتقدّمة ، قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال : ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً(4) .
فإنّ الجواب فيهما واحد; وهو اعتبار النصاب المقدّر بعشرين ديناراً في تلك الصحيحة ، وأمّا في هذه فحيث لم يقدّر فتحمل على أنّه إن كان ذهباً فعشرون ديناراً ، وإن كان فضّة فمائتا درهم ، وإن كان غيرهما فأقلّ النصب الزكوية .
واُورد عليه بأنّ الصحيحة الاُولى ـ أي الواردة في المقام ـ ظاهرة في السؤال عن الجنس ، فلا وجه للحمل على الكمّ ، وأمّا الثانية فهي بالعكس من ذلك ، لمكان
- (1) العروة الوثقى 2 : 374 مسألة 13 .
- (2) الفقيه 2 : 21 ح75 ، الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح2 .
- (3) رياض المسائل 5 : 249 .
- (4) تقدّمت في ص47 .
(الصفحة 75)
التعبير بقوله(عليه السلام): من «قليل أو كثير» وقوله: «حتّى يبلغ» فإنّ ذلك يجعلها كالصريح في تعلّق السؤال بالكمّ والمقدار ، فبين السؤالين بونٌ بعيد ، ولا وجه لقياس أحدهما على الآخر كما هو ظاهر(1) .
أقول : إنّ ظهور الصحيحة الواردة في المعدن في السؤال عن المقدار والكمّية ممّا لا ريب فيه للقرينتين المذكورتين ، ولما ذكرنا في بحث المعدن أنّ المستخرج من المعدن في الذهب والفضّة لا يكون إلاّ ذرّات الأرض المشتملة عليهما ، وأمّا الدينار الذي له وزن مخصوص وسكّة خاصّة فلا يمكن أن يستخرج من المعدن ، فهذه قرينة ثالثة على اختصاص تلك الصحيحة بالمقدار ، وكون المقصود من المماثلة هي المماثلة في المالية ليس إلاّ .
وأمّا الصحيحة الواردة في الكنز ، فنقول : إنّ استظهار الجنس والماهيّة منها كما استظهره بعض الأعلام (قدس سره) على ما عرفت هل هو من السؤال الواقع فيها ، أم من الجواب الصادر من الإمام(عليه السلام)؟ فإن كان من السؤال فالظاهر أنّه لا دلالة له على ذلك; لأنّ كلمة «ما» فيه موصولة و«من الكنز» بيان له ، ومرجعه إلى الكنز الذي يجب الخمس فيه ، ومن الواضح أنّه لا ظهور له في كون السؤال عن الماهيّة ، وإن كان من الجواب فالظاهر أيضاً ذلك ; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّه بعد عدم دلالة السؤال على السؤال عن الماهيّة كيف أجاب الإمام(عليه السلام) عمّا لا يدلّ عليه السؤال ـ التعبير في الجواب بمثل ما ورد في المعدن ظاهر في كون المراد هي المماثلة من حيث المقدار لا من حيث الجنس ، مع أنّه من المستبعد جدّاً أن يكون سؤال البزنطي في باب المعدن عن المقدار ، وفي باب الكنز عن الجنس والماهيّة .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 77 ـ 78 .
(الصفحة 76)
فالإنصاف صحّة ما فهمه الأصحاب من الصحيحة ، وأنّها مستندة في باب نصاب الكنز ولا تصلح لتقييد الإطلاقات الواردة في الكنز من حيث الجنس .
ثمّ إنّه لو تنزّلنا عن ذلك وقلنا بعدم ظهور الصحيحة فيما ذكرنا فلا أقلّ من الالتزام بإجمالها ، فهل يصحّ مع ذلك تقييد الإطلاقات الكثيرة المتقدّمة وشبهها؟ ولعلّ الذي دعا بعض الأعلام (قدس سره) إلى ما ذكرنا حمل كلمة «ما» في السؤال على الماهيّة والحقيقة ، وحمل كلمة «من» على التبعيض ، مع أنّ الظاهر كما ذكرنا من كون الاُولى موصولة والثانية بيانيّة .
المقام الخامس : قد عرفت أنّ تعلّق الخمس بواجد الكنز إنّما هو في صورة كون الواجد مالكاً للكنز ، والآن يقع البحث في أنّه في أيّة صورة ومكان يصير مالكاً ، وفي أيّة صورة لا تتحقّق الملكيّة؟
فنقول : ظاهر المتن أنّه إن وجد في بلاد الكفّار يصير ملكاً للواجد ، وظاهره أنّه لا فرق بين الكفّار الحربيّين وغيرهم ، وقد صرّح بذلك صاحب العروة(1) ، والحكم في الكافر الحربي واضح بعد عدم احترام دمه وماله . وأمّا في غير الحربي فالظاهر أنّه مجمع عليه ، كما ادّعاه جماعة .
وكذا ما إذا وجد في بلاد المسلمين في الأرض الموات ، أو في الأرض الخربة مع عدم وجود مالك لها ، أو ثبوت ملكيّته بالإحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونه للبائعين . وهذا مسلّم فيما إذا لم يكن عليه أثر الإسلام ، مثل السكّة المرتبطة بأحد من خلفاء الدولة الإسلامية من الأموية والعبّاسية وغيرهما. وأمّا إذا كان في بلد الإسلام وكان عليه أثرالإسلام ولم تكن الأرض لهامالك شخصي، فقد وقع الخلاف
- (1) العروة الوثقى 2 : 374 مسألة 13 .