(الصفحة 39)
الجيش بالثمن(1) .
الجهة العاشرة : في جواز أخذ مال الناصب وتعلّق الخمس به، والكلام فيه يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في لحوق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم، بل استظهر جواز أخذ ماله أين ما وجد وبأيّ نحو كان، والدليل عليه روايات :
منها : صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : خُذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس(2) .
ومثلها صحيحة معلّى بن خنيس(3)، والظاهر أنّ الأمر بالأخذ لا دلالة له على الوجوب واللزوم; لوروده في مقام توهّم الحظر، كما لا يخفى .
ومنها : المرسلة عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : مال الناصب وكلّ شيء يملكه حلال إلاّ امرأته، فإنّ نكاح أهل الشرك جائز، وذلك أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال : لا تسبّوا أهل الشرك، فإنّ لكلّ قوم نكاحاً، ولولا أنّا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم ـ ورجل منكم خير من ألف رجل منهم ـ لأمرناكم بالقتل لهم، ولكن ذلك إلى الإمام(4) .
وبملاحظة هذه الروايات لا يبقى مجال للإشكال في حلّية أخذ مال الناصب ولو في غير الحرب ، غاية الأمر لزوم دفع الخمس . وأمّا غير الناصب من الخوارج والبغاة والغالين فلا دليل على الحليّة فيهم وإن كانوا مشتركين مع النواصب في
- (1) التهذيب 6 : 160 ح291 ، الاستبصار 3 : 6 ح11 ، الوسائل 15 : 99 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح5 .
- (2) التهذيب 4 : 122 ح350 ، الوسائل 9 : 487 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح6 .
- (3) التهذيب 6 : 387 ح1153 ، الوسائل 9 : 488 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح7 .
- (4) التهذيب 6 : 387 ح1154 ، الوسائل 15 : 80 ، أبواب جهاد العدوّ ب26 ح2 .
(الصفحة 40)
انتحال الإسلام، وعدم ثبوته فيهم لعدم ورود الدليل إلاّ في النواصب ، وسيرة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في الحرب مع الخوارج ومع أصحاب الجمل غير معلومة إمّا أصلاً وإمّا علّة وجهة، ولأجله لا مجال للاستدلال بها أصلاً ، وهذا بخلاف النواصب الذين ورد فيهم الروايات المتقدّمة .
المقام الثاني : في أنّ تعلّق الخمس بمال الناصب المأخوذ منه بأيّ نحو كان هل هو بمجرّده ، أو فيما إذا كان زائداً على مؤونة السنة، كأرباح المكاسب التي يجيء البحث فيها فيما بعد إن شاء الله تعالى؟ ظاهر إطلاق الصحيحتين الأوّل، ولا يبعد أن يقال بأنّه ظاهر المتن أيضاً ، ولكنّ السيّد في العروة احتاط بإخراج الخمس مطلقاً(1) .
هذا ، وليس في مقابل إطلاق الروايتين هنا إلاّ قوله(عليه السلام): «الخمس بعد المؤونة» حيث إنّ ظاهره أنّ طبيعة الخمس لازمة بعد المؤونة، مع أنّ الظاهر ـ خصوصاً بملاحظة كلمة «المؤونة» التي لا ترتبط نوعاً إلاّ بأرباح المكاسب، ضرورة أنّ كثيراً من الاُمور المتعلّقة للخمس خارجة عن هذه الجهة، كأصل الغنيمة والكنز والمعدن والحلال المختلط بالحرام ـ خروج المقام وهو أخذ مال الناصب منه كخروج مال الكافر الحربي، ولو اُخذ بنحو السرقة والغيلة أو الربا أو الدعوى الباطلة على ما تقدّم وإن جعل الأقوى في الأخيرين الخلاف ، وقد مرّ الكلام فيهما .
وكيفما كان، فالظاهر أنّ مقتضى الإطلاق في المقام هو الثبوت بمجرّد الأخذ وعدم الاحتياج إلى مراعاة مؤونة السنة، والسرّ فيه ظهورالاختصاص في قوله(عليه السلام): «الخمس بعد المؤونة» بمثل أرباح المكاسب والتجارات والصناعات ممّا يستعمل
- (1) العروة الوثقى 2 : 368 مسألة 2 .
(الصفحة 41)
غالباً في مؤونة السنة، وقد تتحقّق الزيادة عنها وقد لا تتحقّق ، وأمّا مثل المقام فهو خارج عن ذلك .
ثمّ إنّه لو تنزّلنا عن ذلك وشككنا في أنّ اللاّزم دفع خمسه مطلقاً أو فيما إذا كان زائداً على مؤونة السنة فهل القاعدة تقتضي الأوّل أو الثاني ؟
ربما يقال في بادئ النظر بأنّ مقتضى القاعدة هو الثاني; لأنّ مرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في لزوم أداء الخمس من غير ما زاد على مؤونة السنة، وهو مجرى أصالة البراءة، كما هو الشأن في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين، ولكنّ التحقيق يقتضي خلافه; لأنّ إيجاب الخمس في خصوص ما زاد على مؤونة السنة حتّى في أرباح المكاسب التي هي القدر المتيقّن من مورد الخمس بعد المؤونة يرجع إلى ترخيص الإمام(عليه السلام) وتسهيله لتأخيره وعدم أدائه من جميع ما تعلّق به وإذنه في الأداء من خصوص ما زاد على مؤونة السنة، وإلاّ فلو أراد أن يؤدّي الخمس من الربح بمجرّد حصوله قبل أن يخرج منه مؤونة السنة كما هو المتداول بين بعض المتديّنين لا مانع منه أصلاً، بل يتحقّق كمال المطلوب ، كما أنّه لو مات فرضاً بعد الربح قبل مجيء السنة يجب على وارثه الخمس، وهذا دليل على ثبوت الخمس بمجرّد تحقّق الربح . غاية الأمر أنّه اُجيز صرفه في مؤونة السنة المطابقة للشأن .
وعليه فالشكّ في مثل المقام يرجع إلى الشكّ في ثبوت الإجازة في غير موارد قيام الدليل على التأخير والتصرّف في مقدار الخمس وعدمه، وهو مجرى أصالة العدم; لأنّ الأصل عدم الإجازة، فلا مجرى لأصالة البراءة في مثله، كما لا يخفى .
فانقدح أنّ الأقوى تعلّق الخمس بجميع المال المأخوذ من الناصب كأصل الكافر الحربي،كما لعلّه الظاهر من عبارة المتن وإن لم يقع التصريح بذلك، كماعرفت.
(الصفحة 42)
الثاني : المعدن
والمرجع فيه العرف، ومنه الذهب والفضّة، والرصاص والحديد، والصفر والزئبق، وأنواع الأحجار الكريمة، والقير، والنفط، والكبريت، والسبخ، والكحل، والزرنيخ، والملح، والفحم الحجري، بل والجصّ، والمغرة ـ أي الطين الأحمر ـ وطين الغسل والأرمني على الأحوط. وما شكّ أنّه منه لا يجب فيه الخمس من هذه الجهة، ويعتبر فيه ـ بعد إخراج مؤونة الإخراج والتصفية ـ بلوغه عشرين ديناراً أو مائتي درهم عيناً أو قيمة على الأحوط. ولو اختلفا في القيمة يلاحظ أقلّهما على الأحوط، وتلاحظ القيمة حال الإخراج، والأحوط الأولى إخراجه من المعدن البالغ ديناراً بل مطلقاً ، بل لاينبغي تركه، ولا يعتبر الإخراج دفعة على الأقوى، فلو اُخرج دفعات وبلغ المجموع النصاب وجب خمس المجموع، حتّى فيما لو أخرج أقلّ منه وأعرض ثمّ عاد وأكمله على الأحوط لو لم يكن الأقوى، ولو اشترك جماعة في استخراجه فالأقوى اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب، وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ المجموع ذلك، ولو اشتمل معدن واحد على جنسين أو أزيد كفى بلوغ قيمة المجموع نصاباً على الأقوى، ولو كانت معادن متعدّدة لا يضمّ بعضها إلى بعض على الأقوى وإن كانت من جنس واحد . نعم ، لو عدّت معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضية يضمّ بعض إلى بعض1 .
1 ـ في هذا الأمر الثاني المتعلّق للخمس جهات من الكلام أيضاً :
الجهة الاُولى : الظاهر أنّه لا خلاف بين علمائنا الإماميّة(1) رضوان الله عليهم في
- (1) الخلاف 2 : 116 مسألة 138 ، السرائر 1 : 488 ، تذكرة الفقهاء 5 : 409 ، مدارك الأحكام 5 : 362 .
(الصفحة 43)
تعلّق الخمس المقابل للزكاة بالمعدن في الجملة، وإن وقع الاختلاف بينهم في بعض أنواعه من جهة الشكّ في كونه معدناً، وعدم نهوض دليل خاصّ على تعلّق الخمس به . وعن أبي حنيفة(1) تخصيص وجوب الخمس بخصوص الذهب والفضّة، لكن لا من باب الخمس المجعول في الآية الشريفة للأصناف المذكورة فيها، بل من باب الزكاة والصدقة المطهّرة للمال .
الجهة الثانية : في معنى المعدِن ، والظاهر أنّه بحسب اللغة اسم مكان كـ «مجلس»(2) ومادّته بمعنى الإقامة والركاز والثبات ، يقال : عدنت الإبل أي لم يبرح من الأرض التي هو فيه ، وقوله تعالى :
{جَنَّاتِ عَدْن}(3) من هذا القبيل ، وصرّح المحقّق الهمداني (قدس سره) باختلاف معنى المعدن في كلمات اللغويّين وكلمات الأصحاب، وأنّه في الاُولى بمعنى المحلّ، وفي الثانية بمعنى الحالّ وما يستخرج منه(4) ، مع أنّه من الواضح أنّ تعلّق الخمس بما يستخرج منه لا يوجب كون المعدن عندهم بمعنى الحالّ، ضرورة أنّه لا يقال للذهب مثلاً: إنّه معدن، وكذا النفط وأمثالهما ، والتعبير بأنّ من الاُمور المتعلّقة للخمس المعدن لا يستلزم ما أفاده، كما لا يخفى .
ثمّ لا يخفى أنّ كلمة «الركاز» الواردة في جملة من أخبار الخمس يراد به المعدن ولا يشمل حتّى مثل الكنز الذي اُخفي في الأرض . وبالجملة : فالروايات الواردة في المعادن على أنواع : فنوع منها يدلّ على ثبوت الخمس فيها بعنوان المعدن، مثل:
- (1) كذا في النسخة، ولكن الظاهر أنّ هذا القول للشافعي، راجع الشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 والخلاف 2: 116 ـ 117 مسألة 138 وغيرهما .
- (2) لسان العرب 4: 278، تاج العروس 18: 371.
- (3) سورة التوبة 9: 72 وغيرها.
- (4) مصباح الفقيه 14: 17 ـ 18.