(الصفحة 348)
وثانيهما: رواية اُخرى لأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن محمّد بن علي بن أبي عبدالله ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(1) .
هذا ، وظاهر هذه الرواية اعتبار النصاب في المعدن ، وأنّه فيه وفي الغوص بلوغ القيمة ديناراً واحداً ، وهي في المعدن معارضة للرواية الاُولى الدالّة على أنّ النصاب في المعدن عشرون ديناراً ، والترجيح معها ; لأنّها موافقة للمشهور(2) ، والشهرة الفتوائية أوّل المرجّحات على ما حقّقناه في محلّه .
فانقدح أنّه لا محيص عن الأخذ بالرواية الاُولى وتخصيص المطلقات ـ على تقدير كونها واردة في مقام البيان ـ بها ; لأنّك عرفت أنّه لا مجال للإشكال فيها من حيث الدلالة أصلا ، كما هو أوضح من أن يخفى .
وها هنا فروع
الأوّل: لو اشترك جماعة في الاستخراج من المعدن بحيث كان المستخرِج ـ بالكسر ـ متعدّداً والمستخرَج ـ بالفتح ـ وكذا الاستخراج واحداً ، فهل يعتبر في تعلّق الخمس بلوغ نصيب كلّ واحد منهم حدّ النصاب، أو يكفي بلوغ المجموع المحصّل المشترك بينهم ذلك الحدّ؟ قد يقال بالثاني ; نظراً إلى أنّ الحكم في
- (1) الكافي 1: 547 ح21، الفقيه 2 : 21 ح72 ، التهذيب 4 : 124 ح356 ، الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .
- (2) النهاية : 197 ، الوسيلة : 138 ، المعتبر 2 : 626 ، إرشاد الأذهان 1 : 92 ، البيان : 214 ، جامع المقاصد 3 : 52 ، الروضة البهية 2 : 70 ، وقال الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 4 : 295: «المشهور كونه عشرين ديناراً» .
(الصفحة 349)
صحيحة ابن أبي نصر المتقدّمة قد علّق على ما أخرجه المعدن ، من غير نظر إلى المخرج وأنّه واحد أو كثير ، فإذا بلغ ما أخرجه المعدن حدّ النصاب يتعلّق به الخمس ، ولو كان مشتركاً بين جماعة لأجل اشتراكهم في الاستخراج .
هذا ، ولكن الظاهر هو الأوّل ; لأنّ ظاهر الصحيحة وإن كان تعلّق الحكم بما أخرجه المعدن ، إلاّ أنّ المنسبق إلى الذهن والمتبادر منها عند العرف كون النظر إلى المكلّف المستخرِج ، وأنّه يثبت في عهدته الخمس إذا كان ما أخرجه من المعدن بالغاً حدّ النصاب ، فالنظر إلى المخرِج كما لا يخفى .
الثاني: لو كان المستخرِج ـ بالكسر ـ واحداً ولم يكن في البين شركة في الاستخراج ، ولكن كان المستخرَج ـ بالفتح ـ متعدّداً من حيث الحقيقة والجنس ; بأن استخرج ذهباً وفضّة وحديداً مثلا ، فهل يعتبر بلوغ كلّ جنس نصاباً، أو يكفي بلوغ المجموع نصاباً ولا يعتبر الاتحاد بالنوع؟ وجهان : والظاهر هو الوجه الثاني ; لتعليق الحكم في الصحيحة على ما أخرجه المعدن من دون اشتراط اتّحاد النوع أصلا ، فمقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما لو كان المستخرَج واحداً بالنوع، أم لم يكن .
الثالث: لو كان المستخرِج والمستخرَج واحداً بالشخص وبالنوع ، ولكن كان الاستخراج في دفعات متعدّدة ، فهل يعتبر بلوغ المستخرَج في كلّ دفعة نصاباً، أم يكفي بلوغ المجموع؟ الظاهر هو الثاني ; لما عرفت في الفرع الثاني من تعليق الحكم في الصحيحة على ما أخرجه المعدن من غير نظر إلى تعدّده ووحدته .
نعم ، لو كان التعدّد مسبّباً عن الإعراض على نحو يعدّ عوده إليه عملا مستأنفاً غير مرتبط بالعمل [في الدفعة] الاُولى ، لا يبعد حينئذ أن يكون المعتبر بلوغ كلّ دفعة نصاباً ، كما لايخفى وجهه .
الرابع: لو كان ما أخرجه المعدن غير بالغ حدّ النصاب ، ولكنّه عمل فيه عملا
(الصفحة 350)
صار موجباً لزيادة قيمته وبلوغه ذلك الحدّ لأجل تغيير هيئته ، كما إذا عمل في الذهب وصنعه ديناراً أو حليّاً ، فالظاهر عدم وجوب الخمس عليه ; لأنّ الموجب له هو بلوغ ما أخرجه المعدن من حيث هو ذلك الحدّ ، لا بضميمة العمل الذي له قيمة عند العرف والعقلاء .
هذا ، وحكى في الجواهر(1) عن المسالك أنّه بعد حكمه بعدم وجوب الخمس في هذا الفرع قال بعد ذلك بلا فصل : وكذا لو اتّجر به قبل إخراج خمسه(2) . وقد استشكل فيه في الجواهر هذه عبارته : بأنّ المتّجه وجوب الخمس في الثمن أيضاً بناءً على تعلّق الخمس بالعين ، وعلى تعلّق الخمس بالبائع مع بيعه له جميعه ، كما صرّح به في التذكرة(3) والمنتهى(4) مستشهداً له في الأخير بما رواه الجمهور(5) بل والشيعة(6) ـ وإن كان بتفاوت يسير بينهما لكنّه غير قادح ـ عن أبي الحارث المزني(7) ، أنّه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع ، فاستخرج منه ثمن ألف شاة ، فقال له البائع : ردّ عليَّ البيع ، فقال : لا أفعل ، فقال : لآتينّ عليّاً(عليه السلام) فلأسعينّ بك ، فأتى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) فقال: إنّ أباالحارث أصاب معدناً ، فأتاه عليّ(عليه السلام) ، فقال : أين الركاز الذي أصبتَ؟ فقال : ما أصبت ركازاً إنّما أصابه هذا ، فاشتريته منه بمائة شاة متبع ، فقال له عليّ(عليه السلام): ما أرى الخمس إلاّ عليك .
- (1) بعد المراجعة إلى الجواهر 16 : 21 ظهر أنّ الفرع المذكور فيها بعد فرع الإتّجار ، هو ما لو كان المستخرج بالغاً حدّ النصاب، ولكن عمل فيه عملا صارموجباً لزيادة قيمته على النصاب، فراجع ، (المقرّر).
- (2) مسالك الأفهام 1 : 459 .
- (3) تذكرة الفقهاء 5 : 413 .
- (4) منتهى المطلب 1 : 546 .
- (5) كتاب الأموال لأبي عبيد : 349 ـ 350 .
- (6) الكافي 5 : 315 ح48 ، التهذيب 7 : 225 ح986، الوسائل 9 : 497 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب6 ح1 .
- (7) كذا في الجواهر ، ولكن في الكافي والتهذيب وكتاب الأموال لأبي عبيد : الأزدي .
(الصفحة 351)
وكأنّه (رحمه الله) فهم البائع من الضمير ، وهو كذلك لما في المروي في الكافي والتهذيب من نقل هذه ، أنّه قال أمير المؤمنين(عليه السلام) لصاحب الركاز : «فانّ الخمس عليك ، فانّك أنت الذي وجدت الركاز ، وليس على الآخر شيء لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه» ، ويدفع بأنّه وإن كان متعلّقاً بها وجاز له بيعه وكان الخمس عليه ، لكن له ضمانه على أن يؤدّيه من مال آخر ، فيتّجه حينئذ تعلّق الوجوب بالأصل خاصّة دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب ، كما صرّح به في المنتهى والتذكرة أيضاً معلّلا له بأنّ الخمس تعلّق بالعين لا بالثمن . نعم، يجب فيها ذلك من حيث الربح بعد اجتماع شرائطه(1) ، انتهى .
هذا ، وذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ دام ظلّه : أنّ الرواية مضطربة ; لأنّه لم يكن مورد النزاع هو ثبوت الخمس على البائع أو المشتري حتى يحكم في الجواب بثبوته على البائع دونه .
هذا ، ولكن الظاهر أنّه دام ظلّه قد خلط بين ما هو المبحوث عنه في هذا الفرع، وبين ما هو خارج عنه ، فانّ الفرع الذي يكون مورداً للنزاع في المقام هو ما لو لم يكن المستخرَج من المعدن بالغاً حدّ النصاب بقيمته السوقية العادلة ، ولكن المخرِج اتّجر به وباعه بما يبلغ حدّ النصاب على خلاف قيمته الواقعية ، والفرع الذي يكون مورداً لبحث الشهيد والجواهر هو ما لو كان المستخرَج بالغاً حدّ النصاب بنفسه ، ولكن المخرِج اتّجر به قبل إخراج خمسه ، كما صرّح بذلك الشهيد في عبارته، والبحث فيه إنّما هو في أنّ الخمس هل يتعلّق بالزيادة الحاصلة بالاكتساب أو لا يتعلّق إلاّ بما يتعلّق به أوّلا ، واستشهاد المنتهى بالرواية إنّما هو لعدم وجوب الخمس في هذا الفرع إلاّ على البائع دون المشتري ، ولا ريب في دلالة الرواية على
- (1) جواهر الكلام 16 : 21 ـ 22 .
(الصفحة 352)
هذه الجهة وعدم الاضطراب فيها أصلا .
وأمّا الفرع الذي يكون مورداً لبحثنا فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الخمس فيه ; لأنّ الملاك إنّما هي القيمة السّوقية والمفروض أنّه لا يبلغ المستخرَج بها حدّ النصاب ، فلا وجه للحكم بوجوب الخمس فيه ، فتأمّل لئلاّ يختلط عليك الأمر .
الخامس: المعدن إمّا أن يكون في أرض لها مالك شخصي ، وإمّا أن يكون في الأراضي المباحة الأصليّة ، وإمّا أن يكون في الأراضي المفتوحة عنوة أو الأنفال .
ففيما إذا كان موجوداً في الأرض التي لها مالك معيّن ، إن كان الاستخراج بيد المالك فلا إشكال في كونه ملكاً له وفي تعلّق الخمس به . وان كان الاستخراج بيد إنسان آخر ، فإن كان مأذوناً من قبل المالك في الاستخراج والتصرّف فيما يخرج منه فالظاهر أنّ الخمس عليه لا على مالك الأرض ، وإن لم يكن مأذوناً بل كان التصرّف عدوانياً صادراً مع عدم رضى المالك ، فالظاهر أنّ المعدن لصاحب الأرض وعليه الخمس .
وإن لم يكن الاستخراج بسبب إرادة إنسان ، بل كان مستنداً إلى علّة اُخرى ، كما إذا كان المخرِج له حيواناً أو خرج لأجل الزلزلة والمطر ونحوهما ، فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب الخمس على صاحب الأرض في هذه الصورة ; لعدم مدخليّة خصوصيّة الاخراج والاستخراج ، بل مقتضى إطلاق الأدلّة الواردة الدالّة على ثبوت الخمس في المعدن ثبوته في المقام .
وتوهّم أنّ تلك الأدلّة لا تكون واردة في مقام البيان، فلا مجال للتمسّك بإطلاقها مع فقدان شرطه ، مدفوع بأنّ ما لا تكون تلك الأدلّة بصدد بيانها إنّما هو بيان كون المعدن في أيّ صورة يكون ملكاً للشخص وفي أيّ صورة لا يصير ، وأمّا بعد الفراغ عن صيرورته ملكاً للشخص لأجل تكوّنه في أرضه التي هي ملك