(الصفحة 64)
الصحراء فأخذه فلا خمس(1).
فإنّه يرد عليه أنّه مع ثبوت الملكية للآخذ بسبب الأخذ كما هو المفروض ـ ويدلّ عليه نفي إيجاب الخمس عليه ـ لا وجه لإخراجه من دليل الخمس بعد عدم مدخلية خصوصيّة الإخراج، وإطلاق الأدلّة الشامل لكلّ من صار مالكاً للمعدن بأيّة جهة من الجهات، فالظاهر وجوب الخمس في هذا الفرع أيضاً، ولذا تنظّر صاحب الجواهر فيما حكاه عن اُستاذه (قدس سرهما)(2) .
المقام الثالث : فيما إذا كان المعدن في الأراضي المفتوحة عنوة، وقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان في معمورتها حال الفتح، وبين ما إذا كان في مواتها، فاختار الملكية وثبوت الخمس في الصورة الاُولى إذا كان بإذن والي المسلمين ووليّهم، واستشكل في مورد عدم الإذن، مثل ما إذا كان المخرج كافراً ، وأمّا الصورة الثانية فاختار فيها الملكية وثبوت الخمس ولو كان المخرج كافراً، كسائر الأراضي المباحة .
وعن صاحب الجواهر ادّعاء القطع بعدم الاحتياج إلى الإذن في كتاب إحياء الموات(3) .
ثمّ إنّ لبعض الأعلام (قدس سره) كلاماً مفصّلاً في هذا المجال ترجع خلاصته إلى أنّ أدلّة الملكية للمسلمين في الصورة الاُولى وللإمام في الصورة الثانية قاصرة عن الشمول للباطن، ولو في الأعماق القليلة كأربعة أمتار أو خمسة، وإلاّ لبيّن ولو في رواية واحدة أنّ ما يستخرج من الاُولى ملك للمسلمين، ومن الثانية ملك للإمام ،
- (1) كشف الغطاء 4 : 201 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 22 .
- (3) جواهر الكلام 38 : 108 .
(الصفحة 65)
والسيرة العقلائية القائمة على التبعيّة تختصّ بالأملاك الشخصيّة دون المقام ، بل ربما يدّعى قيام السيرة على الخلاف، بل يمكن أن يقال بأنّ مدّعي القطع بذلك غير مجازف; لأنّ اللاّزم من الالتزام بالتبعيّة لملك المسلمين أو الإمام(عليه السلام) حمل نصوص الخمس في المعدن على كثرتها على خصوص المعدن الخارج من أرض لها مالك شخصيّ ، ومقتضى ذلك حمل المطلق على الفرد النادر.
ويؤكّده عموم ما ورد من أنّ من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحقّ به(1)، وهي وإن كانت رواية نبويّة لكن مضمونها مطابق لما عرفت من السيرة العقلائية ، وكذا ما ورد من أنّ من استولى على شيء فهو له(2)، وكذا معتبرة السكوني التي رواها المشايخ الثلاثة عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قال في رجل أبصر طيراً فتبعه حتّى وقع على الشجرة فجاء رجل فأخذه، فقال(عليه السلام) : للعين ما رأت ولليد ما أخذت(3). لكن فيما إذا كان المستنبط كافراً لا يجوز له الاستخراج في شيء من الصورتين; لأنّ الأرض ملك للمسلمين أو الإمام(عليه السلام) ، ولا يحقّ له التصرّف من غير المراجعة إلى الإمام أو نائبه، ولكن ربما يتوهّم أنّه لو خالف وتصدّى للإخراج يصير مالكاً وإن كان ممنوعاً، نظراً إلى عموم قوله(عليه السلام) : من أحيا أرضاً مواتاً فهي له(4)، ولكنّه مضافاً إلى الاختصاص بالأراضي غير العامرة . يرد
- (1) عوالي اللئالي 3: 480 ح4، مستدرك الوسائل 17: 111، كتاب إحياء الموات ب1 ح4، السنن الكبرى للبيهقي 9: 90 ح11997، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 17 / 297.
- (2) التهذيب 9: 302 ح1079، الوسائل26: 216، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3.
- (3) الكافي 6 : 223 ح6 ، الفقيه 3 : 65 ح217 ، التهذيب 9 : 61 ح257 ، الوسائل 23 : 391، كتاب الصيد والذبائح، أبواب الصيد باب 38 ح1 .
- (4) الكافي 5: 279 ح4، التهذيب 7: 152 ح673، الاستبصار 3: 108 ح382، الوسائل 25: 412، كتاب إحياء الموات ب1 ح5.
(الصفحة 66)
عليه أنّ عنوان الإحياء الموجب للملكيّة غير عنوان الاستخراج الثابت في المعدن، ولكنّ السيرة القطعية على عدم الفرق، مضافاً إلى رواية السكوني المتقدّمة ، وعليه فالظاهر التفصيل بين الجواز والملكية وأنّ الحكم عدم ثبوت الاُولى دون الثانية(1) ، انتهى .
ويرد عليه أنّ قصور أدلّة الملكية للمسلمين أو الإمام عن الشمول للباطن ممنوع جدّاً، وقيام السيرة على عدم التبعية فيهما دون ما إذا كان لها مالك شخصيّ أيضاً كذلك، ولا يلزم البيان ولو في رواية واحدة بعد ثبوت السيرة على التبعية.
وحمل الإطلاقات الواردة في المعدن على الفرد النادر ممنوع من جهتين ; من جهة عدم كونها في مقام البيان إلاّ بالإضافة إلى المعادن المملوكة للمستخرج ، وأمّا أنّه في أيّة صورة تتحقّق الملكيّة وفي أيّة صورة لا تتحقّق، فلا تكون تلك الأدلّة بصدد بيانها حتّى صحيحة البزنطي المتقدّمة(2) الواردة في النصاب ، فاللازم إثبات الملكية من دليل آخر. ومن جهة أنّ الاستخراج من الأراضي المفتوحة العامرة حال الفتح في صورة إذن الوالي موجب للتملّك، ولا اختصاص لها بالأراضي التي لها مالك شخصي .
نعم، ما ذكره في ذيل كلامه من الفرق بين الإحياء والاستخراج حقّ لا ريب فيه، ولكن قيام السيرة القطعيّة على ملكيّة الكافر ممنوع بعد كون معادنهم في غير الأراضي المفتوحة عنوةً، فتدبّر .
والتحقيق أن يقال : إنّ ما يرتبط بالمقام إنّما هو البحث في ثبوت الخمس في
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 61 ـ 65 .
- (2) في ص47 .
(الصفحة 67)
المعدن الذي صار مملوكاً ، وأمّا تفصيل صور الملكية وتمييزها عن غيرها فله مقام آخر لا يرتبط بما هنا ، كما أنّ البحث في أنّ المعادن هل هي من الأنفال كما عليه جماعة(1) أو ليست منها كما عليه المشهور(2) لا يرتبط بالمقام .
المقام الرابع : فيما إذا كان المستنبط للمعدن صبيّاً أو مجنوناً ، والظاهر ثبوت الخمس وإن كان التكليف بالإخراج متوجّهاً إلى الوليّ، وذلك لأنّ الخمس ليس مجرّد تكليف وجوبيّ حتّى يكون موضوعاً عنهما ، بل هو حقّ أو شبيهه ثابت بالإضافة إليهما كالأحكام الوضعية الثابتة عليهما، فإذا أتلف الصبي مال الغير بغير إذنه يكون ضامناً له وإن كان التكليف متوجّهاً إلى الوليّ، ومع عدمه أو عدم ثبوت مال له يثبت بعد البلوغ كسائر البالغين، وقد تقرّر في محلّه أنّ الأحكام الوضعية بل غير الإلزاميّة لا يختصّ بالبالغين، فراجع .
هذا ، ولكنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) في ذيل بحث أرباح المكاسب بعد نقل فتوى المشهور(3) بثبوت الخمس أنّه غير ظاهر، نظراً إلى أنّ المستفاد من حديث رفع القلم عن الصبيّ والمجنون(4) استثناؤهما عن دفتر التشريع وعدم وضع القلم عنهما بتاتاً كالبهائم، فلا ذكر لهما في القانون أصلاً ، ومقتضى ذلك عدم الفرق بين قلم التكليف والوضع، فترتفع عنهما الأحكام برمّتها بمناط واحد; وهو الحكومة على الأدلّة الأوّلية ، اللّهم إلاّ إذا كان هذا الرفع منافياً للامتنان بالإضافة إلى الآخرين كما
- (1) المقنعة : 278 ، المراسم العلوية : 142 ، المهذّب 1 : 186 .
- (2) المبسوط 1 : 237 ، السرائر 1 : 488 ، الروضة البهيّة 2 : 85 ، جواهر الكلام 38 : 108 ، كتاب الخمس (تراث الشيخ الأنصاري): 366.
- (3) شرائع الإسلام 1: 181، إرشاد الأذهان 1: 293، الدروس الشرعيّة 1: 260.
- (4) الوسائل 1 : 45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .
(الصفحة 68) مسألة 2 : قد مرّ أنّه لا فرق في تعلّق الخمس بما خرج عن المعدن بين كون المخرج مسلماً أو كافراً بتفصيل مرّ ذكره ، فالمعادن التي يستخرجها الكفّار من الذهب والفضّة والحديد والنفط والفحم الحجري وغيرها يتعلّق بها الخمس، ومع بسط يد والي المسلمين يأخذه منهم ، لكن إذا انتقل منهم إلى الطائفة المحقّة لا يجب عليهم تخميسها حتّى مع العلم بعدم التخميس، فإنّ الأئمّة (عليهم السلام) قد أباحوا
في موارد الضمانات، أو ورد فيه نصّ خاصّ كموارد التعزيرات ، وأمّا فيما عدا ذلك فقال: لم نعرف أيّ وجه لاختصاص رفع القلم بالتكليف ، بل يعمّ الوضع أيضاً (1).
هذا ، ولكنّا تكلّمنا في كتابنا في القواعد الفقهية عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين، بل التكليفيّة غير الإلزامية(2) ، وعليه فالظاهر ما هو المشهور، ونزيد عليه هنا أنّ الظاهر عدم الخلاف في ثبوت تملّك المستخرج الصبي أو المجنون ، وإنّما الخلاف في ثبوت الخمس وتعلّقه وعدمه، مع أنّ الملكيّة من الأحكام الموجودة في دفتر التشريع لا محالة; ضرورة أنّ الشارع حكم له بذلك إمضاءً أو تأسيساً، فالتفكيك بين التملّك وتعلّق الخمس لا يرى له وجه ، مع أنّ قاعدة رفع القلم ظاهرها كونها آبية عن التخصيص، فثبوت الضمان في قاعدة الإتلاف ـ ولو كان وجهه الامتنان ـ دليل على أنّ الموضوع هو خصوص التكاليف الإلزامية لا الوضعية، ولا الأحكام غير الإلزامية، ومن أراد التحقيق الأزيد فليراجع إلى ذلك الكتاب .
- (1) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 304 .
- (2) القواعد الفقهيّة 1 : 336 ـ 337 .