(الصفحة 236)
أقول : ويزيد في الإشكال لو لم نقل بأنّ أصل المسألة من الاُمور المتعلّقة للخمس ، بل قلنا بأنّ الواجب فيه هو التصدّق بالخمس ، كما في موثّقة السكوني على نقل الوسائل على ما تقدّم(1) ، فإنّه حينئذ لا يبقى مجال لاحتمال مثل الإشاعة والشركة في المال بنحوها ، وفي المثال لو فرض أنّه أتلف المال المختلط فاللازم أن يقال بانتقال مقدار الحرام الواقعي إلى ذمّته ، ولا معنى للتصدّق بالخمس بوجه بعد فرض الإتلاف .
وكيف كان ، لابدّ من فرض المسألة فيما إذا كان اشتغال الذمّة بالحقّ ابتداءً أو بالواسطة في مقابل الحلال المختلط بالحرام خارجاً; لاختصاص دليل الخمس أو التصدّق به به ، ولا وجه لإجرائه لما في الذمّة ، فتدبّر .
وحينئذ نقول : إنّ في المسألة صوراً :
الاُولى : ما إذا كان حقّ الغير معلوم المقدار غير معلوم الصاحب ولو في عدد محصور ، كما إذا علم أنّه مديون لغيره بمائة لكن لا يعرف ذلك الغير ولو في عدد محصور ، بل كان مجهولاً مطلقاً أو في ضمن عدد غير محصور ، ومقتضى ما ذكرنا من إلغاء الخصوصية من أدلّة مجهول المالك الواردة في المال المتميّز لزوم التصدّق بذلك المقدار عن صاحبه بإذن الحاكم الشرعي أو دفعه إليه ، والظاهر أنّ اعتبار الإذن هنا أقوى ممّا مرّ ممّا حكمنا فيه بالاحتياط(2) ; لأنّ شخص حقّ الغير في مال مخصوص مع عدم وجود الإذن منه يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي ، وبدونه لا دليل على تعيّنه في مال مخصوص .
- (1) في ص222 .
- (2) في ص224 .
(الصفحة 237)
الثانية : ما لو علم مقداره وعلم صاحبه في عدد محصور ، واللازم بمقتضى ما ذكرنا الرجوع إلى أدلّة القرعة; لأنّها لكلّ أمر مشكل بالإضافة إلى حقوق الناس ، كما لو كان المال المعيّن الخارجي كذلك; لعدم الفرق بينهما من هذه الجهة أصلاً ، والظاهر منافاة ذلك من إيجاب الرجوع إلى القرعة مطلقاً مع ما تقدّم(1) من أنّ الأحوط التخلّص من الجميع مع إمكان الاحتياط ، فتأمّل .
الثالثة : ما إذا كان المالك معلوماً بعينه وتردّد الحقّ بين الأقلّ والأكثر ، فالحكم فيه كما مرّ من صاحب العروة(2) من أنّ الأقوى كفاية الأخذ بالأقلّ ودفعه إلى المالك ، ومن المعلوم أنّ المفروض هنا كما فيما سبق(3) ما إذا لم يكن هناك مدّع ومنكر ، بل كان المالك جاهلاً بمقدار حقّه كمن عليه الحقّ .
الرابعة : ما إذا كان المالك مردّداً بين محصور وتردّد الحقّ بين الأقلّ والأكثر ، فالحكم فيه كفاية الأخذ بالأقلّ والرجوع إلى القرعة في تعيين المالك كما مرّ(4) ، ومع التمكّن فالأحوط التخلّص من الجميع .
الخامسة : الفرض السابق مع تردّد المالك بين المجهول المطلق وعدد غير محصور والحكم فيه التصدّق به عنه بإذن الحاكم كما مرّ بمقدار الأقلّ(5) ، لكن جعل في المتن مقتضى الاحتياط الاستحبابي المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسّط بين الأقلّ والأكثر ، والحاكم يعامل معه معاملة معلوم المقدار ، ولعلّه لأجل مراعاة كلا الحقّين بحيث لا يلزم ضرر في البين على كلّ واحد من الشخصين .
- (1) في ص224 .
- (2) في ص231 .
- (3) في ص232 .
- (4 ، 5) في ص224 ـ 225 .
(الصفحة 238)
مسألة 30 : لو كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ فهو كمعلوم المالك ، ولا يجزئه إخراج الخمس1 .
وقد ورد في هذا المجال ـ مضافاً إلى أدلّة مجهول المالك الواردة في العين بعد إلغاء الخصوصية عنها كما عرفت(1) ـ صحيحة معاوية بن وهب ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل كان له على رجل حقّ ففقده ولا يدري أين يطلبه ، ولا يدري أحيّ هو أم ميّت؟ ولا يعرف له وارثاً ، ولا نسباً ، ولا ولداً ، قال : اطلب ، قال: فإنّ ذلك قد طال فأتصدّق به؟ قال : اطلبه(2) .
فإنّه من الواضح أنّ لزوم الطلب ما دام لم يتحقّق اليأس ، فإذا تحقّق فالحكم فيه هو التصدّق المذكور في كلام السائل ، كما أنّه من الواضح أنّ ترك الاستفصال دليل على أنّ المراد مطلق الحقّ .
ثمّ إنّ تردّد المالك بين المجهول المطلق وبين عدد غير محصور وإن كان الحكم في كلتا الصورتين واحداً ، إلاّ أنّ المراد بالأوّل ما لم يعلم المالك بشيء من خصوصيّاته كبلده أو لسانه مثلاً ، وبالثاني ما إذا كان معلوماً ببعض الخصوصيّات ككونه من أهل بلده مثلاً ولكن تردّد بين عدد غير محصور .
1 ـ لانصراف الدليل عمّا إذا كان الحرام الخمس أو مثله ; لأنّ الموضوع فيه الاختلاط بمال لا يعرف صاحبه مطلقاً لا الشخصي ولا الكلّي ، لا ما يعرف صاحبه كذلك ، فإنّه في هذه الصورة يجب أن يردّ إلى مالكه أو وليّه ، مع أنّه في صورة
- (1) في ص228 .
- (2) الكافي 7 : 153 ح2 ، الفقيه 4 : 241 / 769 ، التهذيب 9 : 389 ح1388 ، الاستبصار 4 : 196 ح737 ، الوسائل 26 : 297 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب6 ح2 .
(الصفحة 239)
مسألة 31 : لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس وجب عليه بعد تخميس التحليل خمس آخر للمال الحلال الذي فيه ، وله الاكتفاء بإخراج خمس القدر المتيقّن من الحلال إن كان أقلّ من خمس البقية بعد تخميس التحليل ، وبخمس البقية إن كان بمقداره أو أكثر على الأقوى ، والأحوط المصالحة مع الحاكم في موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر1 .
الاختلاط بالخمس أو الزكاة لا مجال للاكتفاء بالأقلّ أو لزوم الإتيان وإعطاء الأكثر كما في بعض الفروض .
هذا ، وعن كاشف الغطاء (رحمه الله)(1) التفصيل بين الأخماس والزكوات ، وبين الأوقاف العامّة وأنّ الثانية كمجهول المالك دون الأوّلتين ، فإنّهما كمعلوم المالك ، ولكن من الواضح أنّه غير ظاهر الوجه ، بل كلّ الاُمور الثلاثة كمعلوم المالك على ما عرفت .
1 ـ لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس وجب عليه الخمس من مجموع المال المختلط; لحصول الحليّة والتطهير للبقيّة من جهة الاختلاط ، لكن يجب عليه خمس آخر من البقيّة; لأنّ المفروض أنّ الحلال الموجود في المختلط ممّا تعلّق به الخمس ، فاللازم عليه خمسان: خمس من المجموع ، وخمس من الباقي بعد تخميس التحليل ، لكن في المتن أنّه يجوز له الاكتفاء بإخراج خمس القدر المتيقّن من الحلال إن كان أقلّ من خمس البقيّة بعد تخميس التحليل ، وتخميس البقية إن كان بمقداره أو أكثر على الأقوى .
وعليه ، فلو فرض أنّ عنده ألف دينار مختلط لكن القدر المتيقّن من الحلال فيه هو النصف مثلاً يجوز له الاكتفاء بخمس النصف وهو المائة; لأنّ الاشتغال به
(الصفحة 240)
متيقّن ، والمفروض أنّه أقل من خمس البقيّة بعد التحليل ; لأنّ خمسها بعده يصير مائة وستّين ، فيبقى له النصف الآخر ويخمّسه بالمائة ، فالخمس الذي دفعه بالإضافة إلى المجموع مائتان: مائة بالنسبة إلى المتيقّن من الحلال ، ومائة بالنسبة إلى الباقي ، مع أنّه على الطريقة الاُولى يخمّس المجموع بمائتين ثمّ يخمّس البقية بمائة وستّين ، فاتّضح الفرق بين الطريقين .
ثمّ إنّ بعض الأعلام (قدس سره) في الشرح على العروة ـ التي يظهر منها تعيّن المنهج الأوّل لعدم تعرّضه إلاّ له ـ قال ما ملخّصه : إنّه غير ظاهر ، ضرورة أنّ الخمس لأجل الاختلاط حسب ما يستفاد من الأدلّة خاصّ بالمال المختلط بالحرام ، فموضوعه المال المؤلَّف من هذين الصنفين ، وأمّا المشتمل على صنف ثالث بحيث لا يكون له ولا يكون من المال الحرام الذي لا يعرف صاحبه فهو غير مشمول لتلك الأدلّة ، والمقام من هذا القبيل ، إذ بعد كون حصّته من هذا المجموع متعلّقة للخمس كما هو المفروض ، فهو يعلم أنّ مقداراً من هذا المال المختلط ـ أعني الخمس من حصّته ـ لا له ولا من المال الحرام ، بل هو ملك للسادة والإمام . وعليه ، فلابدّ من إخراجه واستثنائه أوّلاً ليتمحّض المال في كونه حلالاً مخلوطاً بالحرام ثمّ يخمّس للتحليل وبعنوان الاختلاط ، فالنتيجة أنّ التخميس بعنوان الأرباح مثلاً مقدّم على التخميس من ناحية الاختلاط ، عكس ما ذكره في المتن .
وذكر بعنوان المثال أنّه إذا فرضنا أنّ مجموع المال خمسة وسبعون ديناراً ، فعلى الطريقة الاُولى يخرج أوّلاً خمس المجموع للتحليل فيبقى ستّون ، ثمّ يخرج خمس الأرباح مثلاً فيبقى له ثمانية وأربعون ديناراً ، وعلى الطريقة الثانية يخرج خمس المتيقّن الذي يفرض أنّه خمسون ، فيخرج خمسه أوّلاً وهي عشرة ، ثمّ يخرج خمس الباقي وهو ثلاثة عشر ، فتبقى له من مجموع المال اثنان وخمسون ديناراً ، فتختلف