(الصفحة 335)
وغيرهما أنّ الخمس يقسّم على خمسة أسهم ، وأنّ سهم الله والرسول(صلى الله عليه وآله) واحد ، ويصرف هذا السهم إلى الكراع والسلاح(1) .
وحكي عن الشافعي أنّ الخمس يقسّم على أربعة أسهم: سهم ذي القربى لقرابة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والأسهم الثلاثة لمن ذكروا بعد ذلك من سائر فرق المسلمين(2) .
وحكي عن أبي حنيفة أنّه قال: يقسّم على ثلاثة أسهم ; لأنّ سهم الرسول قد سقط بوفاته عندهم ; لأنّ الأنبياء لا يورّثون فيما يزعمون ، وسهم ذي القربى قد سقط ; لأنّ أبا بكر وعمر لم يعطيا سهم ذي القربى ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة عليهما(3) .
وحكي عن بعض أهل العراق أنّه قال : لو أُعطي فقراء ذوي القربى سهماً والآخرون ثلاثة أسهم جاز ، ولو جعل ذوو القربى أسوة الفقراء ولا يفرد لهم سهم جاز(4) .
وهذه الأقوال مشتركة في أنّ افتتاح الكلام بالله في الآية الشريفة إنّما هو على جهة التيمّن والتبرّك ; لأنّ الأشياء كلّها له عزّ وجلّ ، ولكن نحن معاشر الإماميّة نقول بما يقتضيه ظاهر الآية الشريفة من ثبوت سهم لله ـ عزّوجلّ ـ وهو مع سهم الرسول له(صلى الله عليه وآله) في حال حياته ، وبعده هما مع سهم ذي القربى للإمام القائم مقام
- (1) حكى عنهم في التبيان 5 : 123 ، ومجمع البيان 4 : 429 ، والمغني لابن قدامة 7 : 300 ، والمبسوط للسرخسي 10 : 8 .
- (2) الأمّ 4: 147، وحكى عنه في التبيان 5 : 123 ـ 124 ومجمع البيان 4 : 429 ، لكن المعروف عن الشافعي أنّه يقسّم على خمسة أقسام ، راجع الخلاف 4 : 209 ـ 210 مسألة 37 ، والجامع لأحكام القرآن 8 : 10 ، وبداية المجتهد 1 : 407 ، والحاوي الكبير 10 : 481 ، والمغني لابن قدامة 7 : 300 .
- (3) حكى عنه في الخلاف 4 : 182 مسألة 2 ، ومجمع البيان 4 : 429 ، وبدائع الصنائع 6 : 102 ـ 103 ، والمغني لابن قدامة 7 : 301 ، وشرح فتح القدير 5 : 234 ـ 244 .
- (4) حكاه الطبرسي في مجمع البيان 4 : 429 ، وانظر البحر الرائق 5 : 153 ـ 154 .
(الصفحة 336)
الرسول(صلى الله عليه وآله)، لا مطلق ذوي قربيه ; لكونه مذكوراً بنحو الإفراد في الآية الشريفة .
نعم ، اعتقادنا أنّ المراد بـ «اليتامى» هم يتامى آل محمّد(صلى الله عليه وآله) ، كالمساكين وابن السبيل ; للروايات الصادرة عن العترة الطاهرة ـ صلوات الله عليهم ـ الدالّة على ذلك ، ويمكن تطبيق الآية عليه بحيث لاينافيه ذلك من جهة عدم إعادة «اللام» في «اليتامى» وتالييه الظاهر في التبعيّة ، وكونهم من شؤون ذي القربى كما لايخفى ، فتدبّر .
ثمّ إنّه يقع الكلام فيما يتعلّق بالخمس من جهات : ما يجب فيه الخمس ، وشرائط وجوبه ، ومن يجب عليه ، ومن يستحقّه من الأصناف المذكورة في الآية الشريفة ; وليعلم قبل الورود في التكلّم في هذه الجهات أنّه ليس للعامّة القائلين بوجوب الخمس في خصوص غنائم دار الحرب دليل إلاّ الآية الشريفة المتقدّمة ، ورواياتهم في هذا الباب موقوفة لا تنتهي إلى النبي(صلى الله عليه وآله) أصلا ، بل تنتهي إلى الصحابة أو التابعين(1) .
ومن المعلوم عدم حجيّة الروايات الصادرة عن عترة النبي(صلى الله عليه وآله) التي رواها الخاصّة عندهم، وقد طعن فيها بعضهم بعدم انتهائها إلى النبي(صلى الله عليه وآله) بل إلى ائمّتكم . وقد غفل عن أنّ أئمّتنا (عليهم السلام)قد نبّهوا في موارد كثيرة على أنّ كلّ ما يقولون ويفتون به من الأحكام مستند إلى النبي(صلى الله عليه وآله) ومنقول عنه ، وقد كانت عندهم الصحيفة التي كانت إملاء الرسول(صلى الله عليه وآله) وبخطّ علي(عليه السلام) مشتملة على الأحكام مرجعاً لهم فيها(2) ، فهذا الطعن ناش من قلّة التتبّع وشدّة التعصّب أعاذنا الله منه .
وكيف كان، فلا ريب في حجيّة رواياتنا بناءً على مسلكهم أيضاً ، وأنّه
- (1) سنن الترمذي 4 : 153 ح1603 ، السنن الكبرى للبيهقي 9 : 423 ـ 424 و490 .
- (2) بصائر الدرجات : 142 ـ 146 ب12 ، الكافي 1 : 238 ح1 .
(الصفحة 337)
لا ينبغي مع وجودها الرجوع إلى القياس والاستحسان ، كما فصّل الكلام فيه بما لا مزيد عليه سيِّدنا الاُستاذ دام ظلّه العالي في مقدّمة الوسائل المرتّبة ، مستنداً في ذلك إلى ما يستفاد من كلماتهم في باب الرجوع إلى القياس وشرائطه(1) .
وكيف كان، فما يجب فيه الخمس اُمور:
- (1) جامع أحاديث الشيعة 1 : 326 .
(الصفحة 338)
الأوّل : غنائم دار الحرب
تدلّ على ثبوت الخمس فيها مطلقاً ـ مضافاً إلى الآية الشريفة(1) ـ الروايات الواردة فيها(2) ، مضافاً إلى عدم الخلاف فيه بين المسلمين وإن وقع الاختلاف في كيفيّة تقسيم الخمس المتعلّق بها ، كما عرفت .
وليعلم أنّ الخمس المتعلّق بالغنيمة يغاير الخمس المتعلّق بالمعدن والغوص ونحوهما ممّا يجب فيه الخمس، فإنّ الغنيمة تقسّم من أوّل الأمر أخماساً : خمسه للأصناف المذكورة في الآية، وأربعة أخماسه للغانمين ، وأمّا غيرها ممّا يجب فيه الخمس فهو بأجمعه ملك لمالكه ، غاية الأمر أنّه يجب عليه إخراج خمسه وصرفه في مصارفه .
ثمّ إنّه استثني من الغنائم أشياء:
منها : صفايا الإمام من فرس وجارية ونحوهما ; لصحيح ربعي، عن الصادق(عليه السلام)(3) .
ومنها: الجعائل; وهي مايجعله الإمام (عليه السلام) على فعل مصلحة من مصالح المسلمين، ومن جملة الجعائل السَلَب ; لعدم استحقاق القاتل إيّاه بدون إذن الإمام(عليه السلام).
ومنها : الرضائح(4) المجعولة للعبيد والنساء الحاضرين في الحرب لأجل بعض
- (1) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (2) الوسائل 9 : 485 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 .
- (3) التهذيب 4 : 128 ح365 ، الاستبصار 2 : 56 ح186 ، الوسائل 9 : 510 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح3.
- (4) وظاهر «المنجد» أنّ الرضح بالحاء وبالخاء ، بمعنى العطاء اليسير ، (المقرّر).
(الصفحة 339)
المصالح ، والمراد منها المال القليل والعطاء اليسير .
ومنها : النفل ، وهو العطاء لبعض الغانمين .
ومنها : المؤن التي تنفق في مصالح الغنيمة من حفظ وحمل ورعي ونحوها، كما في سائر الاُمور التي يجب فيها الخمس .
والدليل على استثناء ما ذكر ـ مضافاً إلى بعض الروايات الواردة في بعضها(1)وموافقة الفتاوى(2) ـ ظاهر الآية الشريفة ، حيث إنّها تدلّ على ثبوت خمس المقدار من الغنيمة ، الذي يقسّمه الغانمون بينهم; للراجل سهم وللفارس سهمان ، ومن المعلوم أنّ التقسيم بالنحو المذكور كان بعد استثناء ما ذكر .
ثم إنّ مقتضى تعلّق الخمس بالغنيمة التي اغتنمها الغانمون . ولابدّ أن تقسّم بينهم أنّ الحرب لابدّ لأن يكون بإذن الإمام(عليه السلام) ; لأنّه لو لم يكن بإذنه يكون الجميع للإمام(عليه السلام) ولا حظّ لغيره منها ; لما ورد في هذا الباب من خبر الورّاق(3) .
ثم إنّ المعروف بين الشيخ (قدس سره) ومن تأخّر عنه كالفاضلين(4) والشهيدين(5)وغيرهم(6) أنّ الغنائم التي يجب فيها الخمس أعمّ ممّا حواه العسكر ممّا يحوّل وينقل ، وما لم يحوه من أرض وغيرها ، وحكي عن صاحب الحدائق أنّه أنكر ذلك على
- (1) الوسائل 9 : 524 ، أبواب الأنفال ب1 ح4 وص528 ب1 ح15 وج15 : 112 ، أبواب جهاد العدوّ ب41 ح6 وج9 : 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1 .
- (2) راجع جواهر الكلام 21 : 186 و191 و195 .
- (3) التهذيب 4 : 135 ح378 ، الوسائل 9 : 529 ، أبواب الأنفال ب1 ح16 .
- (4) شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 409 ، قواعد الأحكام 1 : 361 ، تحرير الأحكام 1 : 433 ، إرشاد الأذهان 1 : 292 ، منتهى المطلب 1 : 544 .
- (5) البيان : 213 ، الروضة البهيّة 2 : 65 .
- (6) كالشيخ في النهاية: 198، والقاضي في المهذّب 1: 178 ، وابن ادريس في السرائر 1 : 485 ، والكيدري في إصباح الشيعة: 126، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد 3: 50 ، والسيّد العاملي في مدارك الأحكام 5 : 360.