(الصفحة 102)
مسألة 6 : لو أخرج العنبر بالغوص جرى عليه حكمه ، وإن اُخذ على وجه الماء أو الساحل فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك ، ومع العثور الاتّفاقي دخل في مطلق الفائدة1 .
هذا ، ولكن في هذا السند إشكال ، ويحتمل قويّاً وحدة الرواية ، وإن كان في إحداهما وقع النقل عن علي(عليه السلام) دون الاُخرى .
وكيف كان ، فلا إشكال في حصول الملكيّة للغوّاص في صورة إعراض المالك لأيّة جهة كان; لوقوع التقييد بها في الرواية الاُولى .
المقام الثاني : في إجراء حكم الغوص عليه وعدمه ، وقد فصّل في المتن بين ما لو كان من الجواهر فاحتاط وجوباً إجراء حكم الغوص عليه ، دون ما إذا كان من غيرها فقوّى العدم ، ولعلّ الوجه فيه أنّه لا ميز في الجواهر بين ما يتكوّن في البحر وبين ما هو المغروق في البحر ، فلو لم يجب الخمس فيه لزم عدم الوجوب مطلقاً ، لعدم الميز بوجه ، وهذا بخلاف غير الجواهر الذي لا يعتاد تكوّنه في البحر بوجه ، كما لا يخفى ، وقد وقع التقييد في أصل مسألة الغوص بما يتعارف إخراجه فراجع .
1 ـ قد وقع الخلاف بعد الاتّفاق(1) على تعلّق الخمس بالعنبر في الجملة على أقوال ، كالاختلاف في حقيقة الموضوع وماهيّة العنبر :
1 ـ ما يظهر من المتن من التفصيل بين ما لو أخرج العنبر بالغوص فيجري عليه حكمه ، وبين ما لو أخذ على وجه الماء أو الساحل فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك ، ومع العثور الاتّفاقي داخل في مطلق الفائدة .
- (1) غنية النزوع: 129 ، مدارك الأحكام 5: 377 ، كفاية الأحكام: 43 ، الحدائق الناضرة 12: 345 .
(الصفحة 103)
2 ـ ما حكي عن صاحب المدارك(1) من تعلّق الخمس به في جميع الصور ، ولعلّ مستنده صحيحة الحلبي المتقدّمة(2) المعتبرة عنده أيضاً ، التي وقع السؤال فيها عن العنبر بنحو الإطلاق وغوص اللؤلؤ ، وحكم فيها بثبوت الخمس ، فإطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب يدلّ على مرامه ، ويؤيّده الحكم بثبوت الخمس في العنبر في رواية مرسلة(3) من دون عطف الغوص عليه أصلاً .
3 ـ ما حكي عن كاشف الغطاء(4) من أنّه من مصاديق الغوص ، ومن الواضح أنّ العنبر وإن كان له أصل بحري ولا يكون له منشأ غير البحر ، إلاّ أنّ صدق الغوص إنّما يتحقّق في بعض صوره دون جميع الصور ، فلا وجه لإجراء حكم الغوص عليه مطلقاً .
4 ـ ما نقل عن المفيد (قدس سره)(5) من أنّ العنبر من المعادن ، فيجري عليه حكمها ، والمذكور في وجهه أحد أمرين :
أحدهما : كون العنبر نبع عين في البحر نظير عين الزاج والكبريت ، واُورد عليه بأنّ هذا أحد المحتملات ، وهناك تفاسير بل أقوال اُخر بالإضافة إلى ماهيّة العنبر من كونه رجيع دوابّ بحريّة ، أو نباتاً في البحر ، أو سمكة بحريّة أو غير ذلك ، وعليه فلا دليل على كونه معدناً حتّى يلحقه حكمه .
ثانيهما : ما عن المحقّق الهمداني (قدس سره) من أنّ العنبر حيث إنّ له مكاناً مخصوصاً
- (1) مدارك الأحكام 5 : 378 .
- (2) في ص93 .
- (3) المقنعة: 283 ، وسائل الشيعة 9: 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب7 ح3 .
- (4) كشف الغطاء 4 : 203 .
- (5) حكى عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 3 : 191 مسألة 148 .
(الصفحة 104)
مسألة 7 : إنّما يجب الخمس في الغوص والمعدن والكنز بعد إخراج ما يغرمه على الحفر والسبك والغوص والآلات ونحو ذلك ، بل الأقوى اعتبار النصاب بعد الإخراج1 .
يتكوّن فيه ولا يوجد في غيره ، وليس ذلك المكان إلاّ البحر ، فلا محالة يصدق على ذلك المكان أنّه معدنه وأنّه اُخذ من معدنه توسّعاً(1) .
واُورد عليه بأنّ اللازم في صدق المعدن الرجوع إلى العرف ، وهو لا يرى البحر معدناً لشيء . نعم ، ربما يوجد في هذه الأزمنة بعض المعادن في البحار ، ولكنّه بعد ثقب قعرالبحر بمقدار كثير، ولا يتحقّق الاختلاط بينهاوبين ماءالبحر،كمعدن النفط.
5 ـ ما حكي عن المحقّق صاحب الشرائع(2) بل المنسوب إلى الأكثر(3) من أنّه إذا اُخرج العنبر بالغوص يجري عليه حكمه ، وإذا اُخرج من وجه الماء أو من الساحل يجري عليه حكم المعادن .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عنه ، كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر أنّ اللازم بمقتضى النصّ الأخذ بما ذكره صاحب المدارك(4) ، ولا دليل على انحصار الاُمور المتعلّقة للخمس بما ذكروه من العناوين . غاية الأمر أنّه لابدّ من الالتزام بلازمه من التعدّد فيما إذا اُخرج بالغوص ، فتأمّل .
1 ـ ينبغي التكلّم في هذه المسألة في مقامين :
- (1) مصباح الفقيه 14 : 90 .
- (2) شرائع الإسلام 1 : 180 .
- (3) منتهى المطلب 1 : 547 ، تذكرة الفقهاء 5 : 420 ، الدروس الشرعيّة 1: 261 ، مسالك الأفهام 1: 464 ، كفاية الأحكام : 43 ، مدارك الأحكام 5 : 377 ، الحدائق الناضرة 12 : 346 .
- (4) مدارك الأحكام 5 : 375 .
(الصفحة 105)
المقام الأوّل : في استثناء المؤونة وثبوت الخمس بعدها في المعدن والكنز والغوص ، ويدلّ عليه.
أوّلاً: ما عرفت في آية الخمس من كونه متعلّقاً بعنوان «ما غنمتم»(1) وقد عرفت أنّه مطلق لايختصّ بغنائم دارالحرب، وإن كان عنوان الغنيمة معطوفاًعلى مثل الكنوز والمعادن في بعض الروايات المتقدّمة لا يراد به إلاّ خصوص غنيمة دار الحرب(2).
ومن الواضح أنّ صدق «ما غنمتم» يتوقّف على استثناء المؤونة ، مثل الحفر والسبك والغوص والآلات ، ويؤيّد ما ذكر ما ورد في بعض الروايات المتقدّمة من أنّه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة(3) .
وثانياً : ما ورد في جملة من النصوص من أنّ الخمس بعد المؤونة(4) ، ولا وجه لتوهّم كون المراد مؤونة السنة حتّى يكون قرينة على أنّ المراد الخمس المتعلّق بأرباح المكاسب ، خصوصاً بعد كون الخمس ثابتاً بنفس تحقّق الربح . غاية الأمر جواز استثناء المؤونة مع ظهور هذه العبارة في الثبوت بعد المؤونة .
وثالثاً : صحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في المعدن ، المشتملة على قوله(عليه السلام) : «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفّى الخمس»(5) فإنّها كالصريحة في اختصاص الخمس بالمصفّى وما يبقى بعد إخراج مصرف العلاج المبذول من ماله . هذا كلّه ، مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ الحكم متسالم عليه بينهم .
- (1) في ص9 .
- (2) في ص10 ـ 11 و13 ـ 14 .
- (3) تقدّمت في ص51 .
- (4) الوسائل 9 : 499 ـ 501 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1ـ4 .
- (5) تقدّمت في ص44 .
(الصفحة 106)
الخامس [: ما زاد عن مؤونة السنة]
ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات ، بل وسائر التكسّبات ولو بحيازة مباحات ، أو استنماءات أو استنتاجات ، أو ارتفاع قيم أو غير ذلك ممّا يدخل في مسمّى التكسّب ، ولا ينبغي ترك الاحتياط بإخراج خمس كلّ فائدة وإن لم يدخل في مسمّى التكسّب ، كالهبات والهدايا والجوائز والميراث الذي لا يحتسب ، وكذا فيما يملك بالصدقة المندوبة ، وإن كان عدم التعلّق بغير أرباح ما يدخل في مسمّى التكسّب لا يخلو من قوّة، كماأنّ الأقوى عدم تعلّقه بمطلق الإرث والمهر وعوض الخلع ، والاحتياط حسن . ولا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة وإن زاد عن
المقام الثاني : في أنّ اعتبار النصاب هل هو بعد إخراج المؤونة أو قبله؟ فيه خلاف ، المشهور(1)ـ وتبعهم صاحب الجواهر (قدس سره)(2) والماتن ـ هو الأوّل ، وحكي عن صاحب المدارك الثاني(3) . هذا ، وظاهر الجمود على صحيحة البزنطي المتقدّمة(4) الواردة في نصاب المعدن وإن كان هو الثاني لتعليق الحكم ببلوغ عشرين ديناراً على ما أخرج المعدن من قليل أو كثير من دون تعرّض لاستثناء المؤونة ، إلاّ أنّ المتفاهم العرفي خلاف ذلك ، وأنّ المقصود بلوغ ما يغتنمه عشرين ديناراً لا بلوغ ما أخرج المعدن وإن كانت المؤونة بقدر عشرين أو أقلّ بقليل ،
- (1) تذكرة الفقهاء 5 : 427 ، منتهى المطلب 1 : 547 ، شرائع الإسلام 1 : 181 ، مسالك الأفهام 1: 469 ، الحدائق الناضرة 12 : 344 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 83 .
- (3) مدارك الأحكام 5: 392 .
- (4) في ص47 .