(الصفحة 231)
فتدبّر جيّداً .
إن قلت : إنّ لازم ما ذكر الفتوى بلزوم التصدّق إلى من يظنّه مالكاً بالخصوص مع كونه فقيراً مورداً للتصدّق ، لا النهي عن ترك الاحتياط بالتصدّق به عليه .
قلت : لعلّ الوجه في ذلك عدم تمامية دليل الانسداد ولو على فرض صحّة جميع مقدّماته لإفادة حجّية الظنّ ، من غير فرق بين الكشف والحكومة ، غاية الأمر لزوم العمل على طبقه ولو من باب الاحتياط اللازم بحكم العقل ، والتحقيق في محلّه دون المشكوك والموهوم .
الثالث : ما أفاده في المتن بقوله : «ولو علم المالك وجهل بالمقدار تخلّص منه بالصلح» وأضاف إليه السيّد (قدس سره) في العروة قوله : وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان ، الأحوط الثاني ، والأقوى الأوّل إذا كان المال في يده(1) .
وكيف كان ; فقوله تخلّص منه بالصلح لا يراد وجوب التخلّص بالصلح والتراضي بالتصالح ; لعدم الدليل على اللزوم والوجوب ، بل المراد توقّف الوصول إلى ماله الشخصي على الصلح والتراضي ، ويؤيّده قول السيّد (قدس سره) بعد ذلك : «وإن لم يرض المالك في الصلح» الخ .
وعلى أيّ فقد احتمل وجهين في جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي الثاني ، وقوّى الأوّل إذا كان المال في يده .
هذا ، وقد نسب إلى العلاّمة(2) الخمس في المسألة مع وجود التقييد بما إذا
- (1) العروة الوثقى 2 : 379 .
- (2) تذكرة الفقهاء 5 : 422 .
(الصفحة 232)
مسألة 28 : لو علم أنّ مقدار الحرام أزيد من الخمس ولم يعلم مقداره فالظاهر كفاية إخراج الخمس في تحليل المال وتطهيره ، إلاّ أنّ الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة عن الحرام مع الحاكم الشرعي بما يرتفع به اليقين بالاشتغال وإجراء حكم مجهول المالك عليه ، وأحوط منه تسليم المقدار المتيقّن إلى الحاكم والمصالحة معه في المشكوك فيه ، ويحتاط الحاكم بتطبيقه على المصرفين1 .
لم يعرف صاحبه في موثّقة عمّار المتقدّمة(1) ، والمفروض في المقام العلم بالمالك ، كما أنّ احتمال التنصيف مستنداً إلى قاعدة العدل والإنصاف لا مجال له; لعدم ثبوت تلك القاعدة لا في الشرع ولا في العرف ، مع أنّه ربما يكون مقدار الحرام معلوماً من جهة كونه زائداً على النصف أو ناقصاً عنه ، فما الوجه في التنصيف بمقتضى القاعدة المذكورة؟ واحتمال القرعة أيضاً لا مجال له بعد كثرة دائرة الاحتمالات في بعض صور المسألة وعدم القول بالفصل بين صورها .
والظاهر أنّ الحقّ مع العروة والتقييد بما إذا كان المال في يده; لأجل أنّ لزوم الإعطاء إنّما هو في هذه الصورة ، كما أنّ المفروض ما إذا لم يكن هناك مدّع ومنكر ، بل كلّ من المالكين له مقدار من المال المختلط من دون ادّعاء نسبة خاصّة من أحد الطرفين وتقوية الاكتفاء بالأقلّ; لأصالة البراءة عن لزوم إعطاء أزيد منه كما لا يخفى .
1 ـ قد مرّ أنّ مثل موثّقة عمّار(2) الدالّة على وجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه لا دلالة لها على إيجاب إخراج الخمس فيما إذا كان
(الصفحة 233)
مقدار الحرام معلوماً ، إمّا بمقدار الخمس أو أنقص منه أو أزيد مع معلوميّة مقدار النقصان أو الزيادة; لأنّك عرفت أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ذلك(1) ، مضافاً إلى استبعاد إيجاب الخمس مع العلم بكون الحرام في عشرة آلاف درهمين مثلاً ، وكذا من البعيد وجوب إخراج الخمس وكفايته مع العلم بكون الحرام نصف المبلغ المذكور مثلاً ، فهل الموثّقة تشمل ما لو علم أنّ الحرام أزيد من الخمس ولو كان مقدار الزيادة غير معلوم؟
استظهر في المتن ذلك ، والوجه فيه عدم التقييد بالعلم بمقدار الحرام وعدم استبعاد في هذا الفرض ، فإخراج الخمس كاف في التحليل والتطهير لدلالة الرواية ، ولكنّه (قدس سره)احتاط استحباباً أن يصالح ، مضافاً إلى إخراج الخمس مع الحاكم الشرعي بما يرتفع به اليقين بالاشتغال وإجراء حكم مجهول المالك عليه ، وأشدّ احتياطاً تسليم المقدار المتيقّن إلى الحاكم والمصالحة معه في المشكوك فيه ، غاية الأمر أنّ الحاكم يحتاط بالتطبيق على المصرفين صرف الخمس في مصرفه وصرف الزائد في الصدقة .
هذا ، وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) فيما يرتبط بأصل المسألة أنّ النصوص ـ وعمدتها روايتا عمّار والسكوني ـ منصرفة عن ذلك ـ أي عن صورة العلم الإجمالي بزيادة الحرام على الخمس أو نقيصته عنه ـ جزماً ، بل حكي عن الجواهر(2) أنّ تطهير مال الغير وتحليله من غير رضاه مخالف للضرورة ، فلا مناص من الرجوع حينئذ إلى أخبار الصدقة ، ولا وجه للخمس والتصدّق بالزائد(3) .
- (1) في ص210 .
- (2) جواهر الكلام 16: 74 ـ 75 .
- (3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 150 .
(الصفحة 234)
مسألة 29 : لو كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله لا محلّ للخمس ، بل حينئذ لو علم مقداره ولم يعلم صاحبه حتّى في عدد محصور تصدّق بذلك المقدار عن صاحبه بإذن الحاكم الشرعي أو دفعه إليه . وإن علم صاحبه في عدد محصور فالأقوى الرجوع إلى القرعة . وإذا لم يعلم مقداره وتردّد بين الأقلّ والأكثر أخذ بالأقلّ ودفعه إلى مالكه لو كان معلوماً بعينه . وإن كان مردّداً بين محصور فحكمه كما مرّ . ولو كان مجهولاً أو معلوماً في غير محصور تصدّق به كما مرّ ، والأحوط حينئذ المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسّط بين الأقلّ والأكثر ، فيعامل معه معاملة معلوم المقدار1 .
وأنت خبير بأنّه بعد فرض الكلام فيما لو كان المقدار الزائد أو الناقص معلوماً بالإجمال لا مانع من الحكم بلزوم التخميس وأنّه مطهّر للمال تعبّداً . وقد عرفت التزام صاحب الحدائق به(1) ولو مع العلم التفصيلي ، لكنّ الانصراف عنه ظاهر كما مرّ ، فلا مانع من شمولها لصورة العلم الإجمالي وإن كان الظاهر فيه الانصراف أيضاً .
1 ـ غير خفيّ أنّ عنوان الحلال المختلط بالحرام هو ما إذا كان المال الخارجي كذلك ، وعليه فالروايتان المتقدّمتان(2) واردتان في هذا العنوان ، وأمّا إذا كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله فلا يشمله دليل الخمس بوجه ، لكنّ القدر المسلّم منه ما إذا كان حقّ الغير ثابتاً في الذمّة ابتداءً ، وأمّا إذا كان بعد الاختلاط الموضوع للخمس بأن أتلف المال المختلط ، فهو وإن كان لا يصدق عليه الحلال المختلط
- (1) في ص225 ـ 226 .
- (2) في ص209 ـ 210 و 214 .
(الصفحة 235)
بالحرام; لأنّ الاختلاط من أوصاف العين الخارجيّة ولا يعقل تحقّقه في الذمّة ، إلاّ أنّ المحكيّ عن الشيخ الأعظم الأنصاري(1) وجوب التخميس فيه كما لو فرض عدم تحقّق الإتلاف .
وعن المحقّق الهمداني (قدس سره)(2) أنّه يجري عليه حكم الثبوت في الذمّة ابتداءً ولا يتعلّق به الخمس .
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ هذين الوجهين مبنيّان على أنّ الخمس في هذا القسم هل هو كسائر الأقسام والكلّ من سنخ واحد في أنّها ملك فعليّ لأرباب الخمس ، وأنّ المال المختلط مشترك بين المالك وأرباب الخمس بمجرّد الاختلاط ، أو أنّه في هذا القسم من سنخ آخر ومناط تشريعه تخليص المال وتطهيره بإخراج الخمس مكان إخراج الحرام لو كان معلوماً ، فالخمس لا يكون ملكاً لأربابه بمجرّد الخلط ، كما كان كذلك في سائر الاُمور المتعلّقة للخمس؟
فعلى الثاني لا وجه للتخميس; لأنّه لم يستقرّ في الذمّة قبل التصدّي للأداء خارجاً إلاّ نفس الحرام الواقعي قلّ أو كثر ، ولا تكون الذمّة مشغولة إلاّ به ، والمفروض عدم الأداء ، فلا يجب عليه إلاّ الخروج عن واقع ما اشتغلت به الذمّة ، وهذا بخلاف الأوّل من اتّحاد السنخ في الجميع ، وأنّ الشارع جعل الخمس لأربابه في المال المخلوط بالولاية الشرعيّة ، إذ عليه يكون حال هذا المال حال ما لو أتلف الكنز أو المعدن أو نحوهما في انتقال الخمس إلى الذمّة واشتغالها به وكونه ضامناً له ، كما كان يجب في العين الخارجية (3) .
- (1) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأنصاري) : 268 .
- (2) مصباح الفقيه 14 : 180 ـ 181 .
- (3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 155 .