(الصفحة 352)
هذه الجهة وعدم الاضطراب فيها أصلا .
وأمّا الفرع الذي يكون مورداً لبحثنا فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الخمس فيه ; لأنّ الملاك إنّما هي القيمة السّوقية والمفروض أنّه لا يبلغ المستخرَج بها حدّ النصاب ، فلا وجه للحكم بوجوب الخمس فيه ، فتأمّل لئلاّ يختلط عليك الأمر .
الخامس: المعدن إمّا أن يكون في أرض لها مالك شخصي ، وإمّا أن يكون في الأراضي المباحة الأصليّة ، وإمّا أن يكون في الأراضي المفتوحة عنوة أو الأنفال .
ففيما إذا كان موجوداً في الأرض التي لها مالك معيّن ، إن كان الاستخراج بيد المالك فلا إشكال في كونه ملكاً له وفي تعلّق الخمس به . وان كان الاستخراج بيد إنسان آخر ، فإن كان مأذوناً من قبل المالك في الاستخراج والتصرّف فيما يخرج منه فالظاهر أنّ الخمس عليه لا على مالك الأرض ، وإن لم يكن مأذوناً بل كان التصرّف عدوانياً صادراً مع عدم رضى المالك ، فالظاهر أنّ المعدن لصاحب الأرض وعليه الخمس .
وإن لم يكن الاستخراج بسبب إرادة إنسان ، بل كان مستنداً إلى علّة اُخرى ، كما إذا كان المخرِج له حيواناً أو خرج لأجل الزلزلة والمطر ونحوهما ، فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب الخمس على صاحب الأرض في هذه الصورة ; لعدم مدخليّة خصوصيّة الاخراج والاستخراج ، بل مقتضى إطلاق الأدلّة الواردة الدالّة على ثبوت الخمس في المعدن ثبوته في المقام .
وتوهّم أنّ تلك الأدلّة لا تكون واردة في مقام البيان، فلا مجال للتمسّك بإطلاقها مع فقدان شرطه ، مدفوع بأنّ ما لا تكون تلك الأدلّة بصدد بيانها إنّما هو بيان كون المعدن في أيّ صورة يكون ملكاً للشخص وفي أيّ صورة لا يصير ، وأمّا بعد الفراغ عن صيرورته ملكاً للشخص لأجل تكوّنه في أرضه التي هي ملك
(الصفحة 353)
شخصيّ له كما في المقام أو لجهة اُخرى ، فمقتضاها ثبوت الخمس على المالك له .
وبالجملة : مقتضى التأمّل في الروايات الواردة في باب المعدن أنّ من صار مالكاً للمعدن المتكوّن تحت الأرض الخارج منها ، بحيث لو لم يكن أدلّة الخمس لكان مالكاً للجميع ، يجب عليه إخراج خمسه إلى أربابه ، فالموضوع هو المالك للجميع مع قطع النظر عن دليل الخمس ، والحكم الثابت على هذا الموضوع مطلق لا يختصّ بشخص دون آخر ، وأمّا تحقّق الموضوع وثبوت ملكيّة المعدن فلابدّ من أن يثبت من دليل آخر .
وبالجملة : فلا ينبغي المناقشة بملاحظة الأدلّة في ثبوت الخمس فيما إذا اُخرج المعدن المتكوّن في الأرض التي لها مالك شخصيّ بسبب غير إنسانيّ ، ومن هذا يظهر الخلل في الحكم بعدم وجوب الخمس في الفرع الذي ذكره كاشف الغطاء ، حيث قال في محكي كشفه: لو وجد شيئاً من المعدن مطروحاً في الصحراء فأخذه فلا خمس(1) .
فإنّه يرد عليه أنّه مع ثبوت الملكيّة للآخذ بسبب الأخذ كما هو المفروض ـ ويدلّ عليه نفي إيجاب الخمس عليه ـ لا وجه لإخراجه من دليل الخمس بعد عدم مدخليّة خصوصية الاخراج ، وإطلاق الأدلّة الشامل لكلّ من صار مالكاً للمعدن بأيّ جهة من الجهات ، فالظاهر وجوب الخمس في هذا الفرع أيضاً ، ولذا تنظّر صاحب الجواهر فيما حكاه عن استاذه(2) .
وأمّا إذا كان في الأراضي المباحة الأصلية ، فالحكم بثبوت الخمس يتوقّف على صيرورته مالكاً له ، وملكيّته تتوقّف على الحيازة ، فإن صار مالكاً بالحيازة
- (1) كشف الغطاء 4 : 201 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 22 .
(الصفحة 354)
فلا إشكال في أنّ عليه الخمس ، وكذا المعدن المتكوّن في الأراضي المفتوحة عنوة أو الأنفال ، فإنّ الحكم بثبوت الخمس يدور مدار ملكية المستخرِج له ، فإن قلنا بملكيته له لأجل إذن الإمام في الأنفال أو وليّ المسلمين في الأراضي المفتوحة عنوة ، التي هي ملك لجميع المسلمين كما عرفت(1) ، أو قلنا بعدم الاحتياج إلى الإذن في شيء منهما كما ادّعى القطع بذلك في الجواهر في هذه المسألة(2) ، وعليه الشهرة نقلا وتحصيلا في كتاب إحياء الموات(3) ، فلا إشكال في ثبوت الخمس عليه.
وبالجملة : ما يرتبط بالمقام انّما هو البحث في ثبوت الخمس في المعدن الذي صار مملوكاً ، وأمّا تفصيل صور الملكيّة وتمييزها عن غيرها فله مقام آخر لا يرتبط بما هنا .
ثم إنّك عرفت(4) أنّه لا فرق في المعدن الذي يتعلّق به الخمس بين الذهب والفضّة وبين غيرهما ، وإن كان المحكيّ عن أبي حنيفة(5) التخصيص بهما ، كما أنّه لا فرق بين الأشياء المنطبعة وغيرها ، وإن كان المحكيّ عن بعض آخر منهم التخصيص بالأوّل(6) ، وقد عرفت أيضاً أنّ حكمهم بالخمس إنّما هو من باب الزكاة والصدقة(7) .
وكيف كان، فلا فرق عندنا بين المنطبعة وغيرها ، كما أنّه يتعلّق الخمس
- (1) في ص341 ـ 342 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 23 ـ 24 .
- (3) جواهر الكلام 38 : 108 .
- (4) في ص344 ـ 345 .
- (5) كذا في النسخة ، والصحيح الشافعي كما أشرنا إليه في ص344.
- (6) كأبي حنيفة ، راجع المبسوط للسرخسي 2 : 213 ، وشرح فتح القدير 2 : 179 ، والشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 ، والخلاف 2 : 117 مسألة 138 .
- (7) في ص344 .
(الصفحة 355)
بالملاحة التي هي أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً ، إمّا لكونه معدناً حقيقة، وإمّا لكونه مثل المعدن ، والاختلاف إنّما هو لأجل اختلاف رواية محمّد بن مسلم الواردة في هذا الباب ، التي رواها الشيخ والصدوق(1) .
وقد أفاد الاُستاذ العلاّم دام ظلّه : أنّ الصحيح في سند الرواية كون الراوي عن محمّد بن مسلم هو أبو أيّوب لا حسن بن محبوب ; وذلك لأنّ محمّد بن مسلم من الطبقة الرابعة من الطبقات التي رتّبناها ، وقد اتّفق وفاته في سنة 150(2) ، وحسن ابن محبوب من الطبقة السادسة من تلك الطبقات ، وقد اتّفق وفاته في سنة 224 مع كون عمره خمساً وسبعين سنة ، كما ذكره الكشّي(3) ، فراجع .
وعليه فلا يمكن له النقل عن محمّد بن مسلم من دون واسطة كما هو واضح .
فالظاهر ثبوت الواسطة وأنّه هو أبو أيّوب الذي هو من الطبقة الخامسة، كما في النسخ الصحيحة من الوسائل(4) ، فتأمّل .
وكيف كان، فلا إشكال في ثبوت الخمس في الملاحة ، وأمّا حجارة الرحى ونحوها ممّا تعدّ من أجزاء الأرض ولم تتغيّر صورتها النوعية ، غاية الأمر أنّ لها قابلية لأن يعمل فيها ويستفاد منها في الرحى ونحوه ، فالظاهر خروجها من المعادن وعدم ثبوت الخمس عليها ، وإن جاز التيمّم والسجدة عليها ; لصدق عنوان الأرض عليها وعدم خروجه عن جزئيّتها ، كما لايخفى .
- (1) التهذيب 4 : 122 ح349 ، الفقيه 2 : 21 ح76 ، الوسائل 9 :492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح4 .
- (2) رجال الشيخ: 294 رقم 4393.
- (3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 584 رقم 1094.
- (4) قالت لجنة التحقيق : ما نقل المؤلّف دام ظلّه عن أستاذه رحمه الله تعالى مبنيّ على ما روي في الوسائل 2 : 60 ، من الطبع الحجري سنة 1324هـ .
- ولكن في التهذيب وجامع أحاديث الشيعة والوسائل طبعة إسلامية وأيضاً طبعة آل البيت كلّها : الحسن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم.
(الصفحة 356)
الثالث : الكنز
وقد عرّفه الفقهاء بأنّه المال المذخور تحت الأرض(1) ، والتقييد بالمذخور يفيد أنّه لا يكون من أجزاء الأرض متكوّناً فيها ، كالمعدن الذي عرفت(2) أنّه عبارة عمّا يتكوّن في الأرض ممّا تكون الأرض أصله ، ويحصل له التغيير في الصورة النوعية بسبب الحرارة الموجودة في باطن الأرض أو بسبب غيرها ، وعليه فالكنز عبارة عن المال الخارجي الذي ذخر في الأرض ولا يعدّ من أجزائها ، كما أنّ هذا القيد يفيد كون الذاخر له إنساناً صدر منه هذا العمل عن قصد وإرادة متعلّقة بكونه ذخيرة له ينتفع به في الاستقبال ، فاستتار المال في الأرض قهراً لا عن إرادة صاحبه لا يوجب صدق عنوان الكنز عليه على ما هو مقتضى التعريف ، كما أنّ التقييد بكونه مذخوراً تحت الأرض يخرج ما إذا كان مذخوراً في بطن شجر أو غيره ممّا لا يكون تحت الأرض كالجدار، وغيره .
وكيف كان، فالروايات الواردة في هذا الباب الدالّة على ثبوت الخمس في الكنز كثيرة:
منها: رواية الحلبي الواردة في الكنز والمعادن والغوص ، وقد قطعها في الوسائل وحكى كلّ قطعة في الباب المناسب لها(3) ، وإلاّ فالرواية رواية واحدة،
- (1) راجع شرائع الإسلام 1 : 179 ، وتذكرة الفقهاء 5 : 413 ، والبيان : 215 ، والتنقيح الرائع 1 : 337 ، والروضة البهيّة 2 : 68 ، مع زيادة قيد «قصداً» ، والحدائق الناضرة 12 : 332 .
- (2) في ص344 ـ 345 .
- (3) الكافي 1 : 546 ح19 وص548 ح28 ، الفقيه 2 : 21 ح73 ، التهذيب 4 : 121 ح346 ، الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح2 ، وص495 ب5 ح1 ، وص498 ب7 ح1 .