(الصفحة 29)
فتدبّر جيّداً .
وأمّا الثالثة: فهي صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم ـ وفي هامش المخطوط عن نسخة لوائهم ـ فيكون معهم فيصيب غنيمة ، قال : يؤدّي خمسنا ويطيب له(1) .
والظاهر أنّ حكم الإمام بيان للحكم الكلّي في مثله ممّا لم يتحقّق الحرب بإذن الإمام ظاهراً ، لا تحليل شخصي ـ كما يظهر من الجواهر(2) ـ حتّى لا ينافي أن يكون كلّها للإمام ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الغنيمة التي أصابها هي غنيمة الحرب لا غيره .
والحقّ أن يقال أوّلاً : إنّ الحروب الواقعة بين المسلمين والكفّار كان كلّها مع إذن الإمام ولو بالإذن العامّ وإن كان المتصدّي له خليفة الجور الغاصب للخلافة، كما حكي على ما ببالي من مكاسب الشيخ الأنصاري(3) من أنّ حرب العراق وقع بإذن أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكان الحسنان (عليهما السلام) داخلين في الحرب، وهو كاشف عن إذن أبيهما (عليهم السلام) .
وثانياً : أنّه لو فرضت المعارضة بين الخبرين يقدّم الأوّل; لأنّ الشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في باب الخبرين المتعارضين مطابقة لخبر معاوية ، مع أنّ المسألة وقع التسالم عليها بحيث لم يخالف فيها أحد، ومعها لا حاجة لها إلى دليل آخر، كما لا يخفى .
الجهة الرابعة : فيما إذا كان الحرب بغير إذن الإمام في زمن الغيبة وعدم التمكّن
- (1) التهذيب 4 : 124 ح357 ، الوسائل 9 : 488 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح8 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 12 .
- (3) المكاسب (تراث الشيخ الأنصاري) 2 : 245 .
(الصفحة 30)
من الاستئذان، وقد قوّى في المتن وجوب الخمس فيه في خصوص ما إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، ولكن السيّد في العروة احتاط وجوباً إخراج الخمس منه من حيث الغنيمة، خصوصاً فيما إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، وفرّع عليه قوله : «فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفّار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره يجب فيه الخمس على الأحوط ، وإن كان قصدهم زيادة الملك لا للدعاء إلى الإسلام»(1)فهنا صورتان :
الصورة الاُولى : ما إذا كان الغرض من المقاتلة معهم الدعاء إلى الإسلام، ولكن المقاتلة لا يكون بإذن الإمام وتأميره الأمير; لغيبته وعدم التمكّن من الاستئذان منه، والوجه فيه ـ بعد شمول إطلاق الآية الشريفة لهذه الصورة; لعدم التقييد فيها بما إذا كان الحرب مأذوناً فيه من الإمام(عليه السلام) ـ أنّ الأدلّة الدالّة على اعتبار الإذن إن كانت هي الإجماع والتسالم عند الأصحاب فمن الواضح أنّ الدليل اللّبي لا إطلاق له، بل يقتصر فيه على القدر المتيقّن; وهي صورة الحضور وإمكان الاستئذان ، وإن كانت هي المرسلة فالانجبار غير معلوم، لا لأنّها غير قابلة للإنجبار، بل لخصوصية في المقام أشرنا إليها; وهي عدم انحصار المستند بالمرسلة حتّى يتحقّق الانجبار بالاستناد، وإن كانت هي صحيحة معاوية فقد مرّ أنّها مقدّمة على الصحيحة الاُخرى المعارضة لها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات على ما تقدّم منّا ، إلاّ أنّه حيث كان الاستدلال بها لا لأجل المفهوم; لعدم ثبوت المفهوم للقضايا حتّى الشرطية على ما قرّرنا في محلّه ، بل لأجل الخروج عن اللغوية المنافية لكلام العاقل المختار الحكيم ، ويكفي في الخروج عن ذلك اعتبار الإذن في زمن الحضور
- (1) العروة الوثقى 2 : 367 .
(الصفحة 31)
فقط، ولا إطلاق لها يشمل زمان عدم الحضور ، وقد عرفت(1) أنّ المفروض في كلام السائل السريّة التي يبعثها الإمام ، وعلى القاعدة يجعل لها الأمير ويكون ذلك في زمن الحضور وإمكان الرجوع إليه لذلك ، وأمّا الدلالة على اعتبار الإذن مطلقاً فغير تامّة .
الصورة الثانية : ما إذا لم يكن الغرض من المقاتلة معهم الدعاء إلى الإسلام، كما فيما فرّعه السيّد (قدس سره) على كلامه المتقدّم في العروة، وقد احتاط فيها بالخمس ، والظاهر أنّه لا وجه لثبوت الخمس فيها إلاّ إطلاق الآية الشريفة الواردة في الخمس، وهي وإن وقعت في غزوة بدر كما تقدّم(2) ، إلاّ أنّ دلالتها على اعتبار كون الحرب للدعاء إلى الإسلام مشكلة، كدلالتها على اعتبار إذن الإمام وإن كان المعصوم(عليه السلام) حاضراً فيها ، ولكن الظاهر الانصراف عن الحرب لا يكون للدعاء إلى الإسلام . مضافاً إلى أنّ رواية أبي بصير المتقدّمة(3) تدلّ على أنّ كلّ شيء قُوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله فإنّ لنا خمسه، بلحاظ أنّ القضية الوصفية وإن لم يكن لها مفهوم، إلاّ أنّ دلالتها على اعتبار قيد المقاتلة في تعلّق الخمس لا مجال للإشكال فيه ، إلاّ أنّك عرفت ضعفها بعليّ بن أبي حمزة البطائني(4) .
وبالجملة : الظاهر أنّه لا دليل على ثبوت الخمس في هذه الصورة، وقد عرفت أنّ الظاهر الانصراف عنها .
الجهة الخامسة : فيما إذا كان الجهاد دفاعيّاً لا ابتدائياً، بأن يهجم المشركون على المسلمين في أماكنهم ولو في زمن الغيبة وعدم الحضور، والظاهر من المتن ثبوت
- (1) في ص28.
- (2) في ص8.
- (3 ، 4) في ص22.
(الصفحة 32)
الخمس في غنائم الجهاد بهذه الصورة; لإطلاق الآية الشريفة واختصاص أدلّة اعتبار إذن الإمام بصورة الحضور وإمكان الاستئذان منه .
أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني، فلأنّ الأدلّة كانت عبارة عن الإجماع ، ومرسلة الورّاق، وصحيحة معاوية بن وهب المتقدّمتين(1) ، أمّا الأوّل فهو دليل لبّي لا إطلاق له يشمل زمن الغيبة كما تقدّم(2) ، وأمّا المرسلة فالموضوع فيها هي الغزوة الظاهرة في زمن الحضور، وكذا الصحيحة يكون الموضوع فيها السريّة التي يبعثها الإمام ، وقد عرفت أنّ الجملة الشرطية الاُولى لا مفهوم لها، والثانية بيان لبعض مصاديق المفهوم على تقدير ثبوته .
الجهة السادسة : فيما اغتنم منهم بالسرقة والغيلة غير ما مرّ ممّا إذا كانتا من شؤون الحرب المتقدّمتان في صدر البحث، وهو فيما إذا غار المسلمون على الكفّار من غير حرب ، والظاهر من المتن ثبوت الخمس فيه بصورة الفتوى، والوجه فيه إطلاق الآية الشريفة، حيث لم يقع فيها التقييد بصورة المقاتلة والحرب ، والظاهر من المتن أيضاً أنّ ثبوت الخمس فيه من حيث كونه غنيمة لا فائدة، فلا يحتاج إلى مراعاة مؤونة السنة بناءً على أنّ قوله : «فالأحوط» لا يرجع إلى هذه الجملة، بل الشروع فيها من قوله : «وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها» .
الجهة السابعة : في أخذ مال الكافر من طريق الربا والدعوى الباطلة ونحوهما وقد احتاط فيهما بإخراج الخمس منهما استحباباً من حيث الغنيمة غير المتوقّفة على إخراج مؤونة السنة كأرباح المكاسب، وقوّى في الذيل العدم ، هذا .
- (1) في ص27 ـ 28.
- (2) في 30.
(الصفحة 33)
ولكن صاحب العروة(1) قد صرّح بإلحاقهما بالفوائد المكتسبة، واحتاط فيهما بإخراج الخمس منهما مطلقاً .
أقول : أمّا دعوى إخراج الخمس من الغنيمة والسرقة غير ما مرّ سابقاً من جهة الغنيمة، لا من جهة الفائدة المكتسبة التي يراعى فيها زيادة المؤونة عن السنة مدفوعة، فإنّ الظاهر أنّ تعلّق الخمس بهما من جهة الفائدة، والآية الدالّة على ثبوت الخمس في الغنيمة وإن لم يظهر منها ما ذكر من زيادة المؤونة عن السنة ، بل ظاهرها تعلّق الخمس بنفس الغنيمة مطلقاً ، إلاّ أنّ الدليل الدالّ على التقييد إنّما وقع بالإضافة إلى أرباح المكاسب وشبهها لا مطلقاً، فلا وجه للحكم بثبوت الخمس فيهما كذلك ، بل الظاهر جواز رعاية ما زاد على السنة .
وأمّا الربا، فإن قلنا بجواز أخذها من الكافر الحربي كما هو المشهور(2) فالظاهر أنّها من الفوائد المكتسبة، ولا مجال لاحتمال كونها غنيمة وإن لم نقل بجوازه، كما عن المحقّق السبزواري(3) وتبعه بعض الأعلام (4); نظراً إلى إطلاق آية
{وَحَرَّمَ الرِّبَوا}(5) وكون المقيّد رواية ضعيفة، فالظاهر أنّ جواز التصرّف فيها مبنيّ على جواز استملاك مال الكافر الحربي بأيّ طريق ومن أيّ نحو كان، وإلاّ فلا يجوز الاستملاك ولا يتعلّق به الخمس ، والتحقيق في بحث الربا .
- (1) العروة الوثقى 2 : 368 مسألة 1 .
- (2) النهاية : 376 ، السرائر 2 : 252 ، المهذّب 1 : 372 ، شرائع الإسلام 2 : 46 ، رياض المسائل 8 : 306 ، تذكرة الفقهاء 10 : 207 .
- (3) كفاية الأحكام : 99 .
- (4) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 25 .
- (5) سورة البقرة 2: 275.