(الصفحة 55)
وقد حكم في المتن بوجوب خمس المجموع ـ على الأحوط لو لم يكن الأقوى ـ فيما لو أخرج أقلّ من النصاب وأعرض ثمّ عاد وأكمله حتّى بلغ النصاب ، ولعلّ الوجه فيه بناءً على مبناه صدق الاستخراج من المعدن بمقدار النصاب وعدم مدخلية الإعراض في هذه الجهة; لأنّه لم يعرض عمّا أخرجه، بل أعرض عن الإخراج ثانياً مثلاً، وهو لا يترتّب عليه الأثر مع العود إلى الإخراج والإكمال ، بل يمكن أن يقال بأنّه مع تحقّق الإعراض عمّا أخرجه أيضاً لا يتغيّر الحكم ووجوب الخمس بحاله ، نظير ما لو أخرج أقلّ من النصاب دفعة ثمّ وهبه إلى الغير، ثمّ أخرج مقداراً يبلغ المجموع النصاب، فإنّه يجب عليه الخمس ; لأنّ الحكم مترتّب على الإخراج والاستخراج، ولا يتغيّر بما يحدث بعده من الإعراض والهبة وغيرهما .
وقد نفى البُعد سيّدنا الاُستاذ البروجردي (قدس سره)(1) عن التعدّد فيما لو كان الإعراض على نحو يعدّ عوده إليه عملاً مستأنفاً غير مرتبط بالعمل الأوّل ، ولعلّه هو كذلك .
الجهة الخامسة : في أنّه لو اشترك جماعة في استخراج المعدن بحيث كان المستخرج متعلّقاً بالجميع . غاية الأمر سهم كلّ واحد يلحظ بالإضافة إلى مقدار استخراجه ، فالظاهر اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب، وإن كان الأحوط استحباباً إخراج الخمس إذا بلغ المجموع النصاب ، والوجه في الظهور استقلال كلّ واحد في تعلّق التكليف بالخمس ، كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الزكاة أيضاً، فالمعتبر هو بلوغ نصيب كلّ واحد في كلا البابين .
هذا، ولكنّه ربما يقال بتعلّق الخمس بالمجموع لا محالة، نظراً إلى أنّ الحكم في
- (1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 349 .
(الصفحة 56)
صحيحة البزنطي المتقدّمة(1) قد علّق على ما أخرجه المعدن، من غير نظر إلى المخرج وأنّه واحد أو أكثر، فإذا بلغ ما أخرجه المعدن حدّ النصاب يتعلّق به الخمس ولو كان مشتركاً بين جماعة لأجل اشتراكهم في الاستخراج ، وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره)أنّ مقتضى إطلاق صحيحة البزنطي أنّ العبرة بالإخراج لا بالمخرج، وأنّ المدار ببلوغ ما أخرجه المعدن حدّ النصاب، سواء كان المخرج واحداً أم متعدّداً(2) .
ولكنّ الظاهر هو الأوّل; لأنّ ظاهر الصحيحة وإن كان تعلّق الحكم بما أخرجه المعدن، إلاّ أنّ المنسبق إلى الذهن والمتبادر منها عند العرف كون النظر إلى المكلّف المستخرج، وأنّه يثبت في عهدته الخمس إذا كان ما أخرجه المعدن بالغاً حدّ النصاب، فالنظر إلى المخرج، وإلاّ لكان اللاّزم الالتزام بثبوت الخمس في صورة إخراج نفس المعدن فقط، كما هو مقتضى الجمود على ظاهر عبارة السؤال .
الجهة السادسة : لو كان المستخرِج ـ بالكسر ـ واحداً ولم تكن شركة في الاستخراج، ولكن كان المستخرَج ـ بالفتح ـ متعدّداً من حيث الحقيقة والجنس; بأن استخرج ذهباً وفضّة وحديداً مثلاً، فهل يعتبر بلوغ كلّ جنس نصاباً، أو يكفي بلوغ المجموع ذلك ولا يعتبر الاتحاد بالنوع؟ وجهان ، والظاهر هو الوجه الثاني، لتعليق الحكم في الصحيحة على ما أخرجه المعدن من دون اشتراط اتّحاد النوع أصلاً، فمقتضى إطلاقها أنّه لا فرق بين ما لو كان الخارج واحداً بالنوع أم لم يكن .
الجهة السابعة : لو كانت هناك معادن متعدّدة، ففي المتن أنّه لا يضمّ بعضها إلى بعض على الأقوى وإن كانت من جنس واحد، واستثنى من ذلك ما لو عدّت
- (1) في ص47.
- (2) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 50 .
(الصفحة 57)
المعادن المتعدّدة معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضية، فإنّه يضمّ في هذه الصورة بعضها إلى بعض.
والوجه في المستثنى منه أنّ الظاهر من صحيحة البزنطي المعدن الواحد لا معادن متعدّدة وإن كانت من جنس واحد . نعم، لا ينافي عدم تعلّق الخمس بالمعادن المتعدّدة ـ مع عدم بلوغ كلّ واحد النصاب ـ ثبوته من جهة أرباح المكاسب مع شرائطها الخاصّة، ومن مصاديق المعدن الواحد ما ربما يتحقّق في زماننا هذا من استكشاف النفط من منبع عظيم جدّاً . غاية الأمر تعدّد طرق الاستخراج لأجل كثرة الاستفادة، فإنّه من الواضح أنّ التعدّد المذكور لا يوجب تعدّد المعدن .
الجهة الثامنة : فيما لو كان ما أخرجه المعدن غير بالغ حدّ النصاب، ولكنّه عمل فيه عملاً صار موجباً لزيادة قيمته وبلوغه ذلك الحدّ لأجل تغيير هيئته، كما إذا عمل في الذهب وصنعه ديناراً أو حليّاً، والظاهر عدم وجوب الخمس عليه ; لأنّ الموجب له هو بلوغ ما أخرجه المعدن من حيث هو ذلك الحدّ، لا بضميمة العمل الذي له قيمة عند العرف والعقلاء .
هذا ، وحكى في الجواهر عن المسالك(1) الحكم بعدم وجوب الخمس فيما لو اتّجر به قبل إخراج خمسه.
واستشكل فيه في الجواهر بما هذه عبارته: إنّ المتّجه وجوب الخمس في الثمن أيضاً بناءً على تعلّق الخمس بالعين، وعلى تعلّق الخمس بالبائع مع بيعه له جميعه،
- (1) مسالك الأفهام 1 : 459 .
(الصفحة 58)
كما صرّح به في التذكرة(1) والمنتهى(2) مستشهداً له في الأخير بما رواه الجمهور بل والشيعة، وإن كان بينهما تفاوت يسير لا يقدح في المعنى. عن أبي الحارث المزني أنّه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فقال له البائع: ردّ عليَّ البيع ، فقال : لا أفعل ، فقال : لآتين عليّاً(عليه السلام) فلاُتينّ عليك ، فأتى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)فقال : إنّ أبا الحارث أصاب معدناً، فأتاه عليّ(عليه السلام)فقال : أين الركاز الذي أصبت ؟ فقال : ما أصبت ركازاً إنّما أصابه هذا فاشتريته منه بمائة شاة متبع، فقال له علي(عليه السلام) : ما أرى الخمس إلاّ عليك(3) . وكأنّه فهم البائع من الضمير، وهو كذلك لما في المرويّ في الكافي والتهذيب من نقل هذه، أنّه قال أمير المؤمنين(عليه السلام)لصاحب الركاز: فإنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شيء; لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه(4)، ويدفع بأنّه وإن كان متعلّقاً بها وجاز له بيعه وكان الخمس عليه، لكن له ضمانه على أن يؤدّيه من مال آخر، فيتّجه حينئذ تعلّق الوجوب بالأصل خاصّة دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب، كما صرّح به في المنتهى والتذكرة أيضاً، معلّلاً له بأنّ الخمس تعلّق بالعين لا بالثمن . نعم ، يجب فيها ذلك من حيث الربح بعد اجتماع شرائطه(5) ، انتهى .
وقد ذكر سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) أنّ الرواية مضطربة; لأنّه لم يكن مورد النزاع ثبوت الخمس على البائع أو المشتري حتّى يحكم في الجواب بثبوته على
- (1) تذكرة الفقهاء 5 : 413 .
- (2) منتهى المطلب 1 : 546 .
- (3) كتاب الأموال لأبي عبيد : 349 ـ 350 .
- (4) الكافي 5: 315 ح48، التهذيب 7 : 225 ح986 ، الوسائل 9 : 497 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب6 ح1 .
- (5) جواهر الكلام 16 : 21 ـ 22 .
(الصفحة 59) مسألة 1 : لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة، وإن كان الأوّل لمن استنبطه والثاني لصاحب الأرض وإن أخرجه غيره، وحينئذ إن كان بأمر من مالكها يكون الخمس بعد استثناء المؤونة، البائع دونه(1) .
هذا ، ولكن الظاهر أنّه (قدس سره) قد خلط بين ما هو المبحوث عنه في هذا الفرع وبين ما هو خارج عنه، فإنّ الفرع الذي يكون مورداً للنزاع في المقام هو ما لو لم يكن المستخرج من المعدن بالغاً حدّ النصاب بقيمته السوقية العادلة، ولكنّ المخرج اتّجر به وباعه بما يبلغ حدّ النصاب على خلاف قيمته الواقعية، والفرع الذي يكون مورداً لبحث الشهيد والجواهر هو ما لو كان المستخرج بالغاً حدّ النصاب بنفسه، ولكن المخرج اتّجر به قبل إخراج خمسه، كما صرّح بذلك الشهيد في عبارته(2)، والبحث فيه إنّما هو في أنّ الخمس هل يتعلّق بالزيادة الحاصلة بالاكتساب، أو لا يتعلّق إلاّ بما تعلّق به أوّلاً؟ واستشهاد المنتهى بالرواية إنّما هو لعدم وجوب الخمس في هذا الفرع إلاّ على البائع دون المشتري، ولا ريب في دلالة الرواية على هذه الجهة وعدم الاضطراب فيها أصلاً .
وأمّا الفرع الذي يكون مورداً لبحثنا فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الخمس فيه; لأنّ الملاك إنّما هي القيمة السوقية، والمفروض أنّه لا يبلغ المستخرج بمثل هذه القيمة حدّ النصاب، فلا وجه للحكم بوجوب الخمس فيه، فتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر .
- (1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 351 .
- (2) مسالك الأفهام 1 : 459 .