(الصفحة 157)
مسألة 12 : لو كان له أنواع من الاستفادات من التجارة والزرع وعمل اليد وغير ذلك يلاحظ آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع ، فيخمّس الفاضل عن مؤونة سنته ، ولا يلزم أن يلاحظ لكلّ فائدة سنة على حدة1 .
التصدّق وعدمه ، ولا يبعد أن يقال بالعدم .
الثاني : أنّ المراد بالمؤونة هي الفعلية منها لا التقديريّة ، فلو قتّر على نفسه لم يحسب جميع مقدارها وإن كان الصرف جائزاً له على تقدير الصرف ، كما أنّه لو تبرّع بها متبرّع لم يحسب له مقدار ما تبرّع به; لعدم تحقّق المؤونة الفعليّة منه ، بل ذكر في المتن أنّه لو وجب عليه صرف مال في أثناء السنة لحصول الاستطاعة الموجبة للحجّ أو لأداء الدين أو للوفاء بالنذر أو مثله ، ولكنّه لم يصرف في هذه الاُمور عصياناً أو نسياناً أو نحوهما ، لا يبعد فيه عدم الاستثناء ; وذلك لأنّ وجوب الصرف لا يقتضي تحقّق المؤونة الفعلية ، فمجرّد الدين مثلاً في نفسه لا يوجب ذلك لو فرض بناؤه على عدم الأداء بوجه ، بل ما يعدّ منها إنّما هو الأداء كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وهكذا لو كان بناؤه على عدم الحجّ رأساً فرضاً ، وإن كان مستطيعاً يجب عليه الحجّ .
1 ـ القدر المسلّم المفروض في هذه المسألة ثبوت أنواع الاستفادات تدريجاً وعدم كون كلّ واحدة منها لها دفتر مستقلّ وتشكيلات مستقلّة ، كما سيأتي فرضه في بعض المسائل الآتية إن شاء الله تعالى . وعليه فهل ينضمّ بعض الأرباح إلى بعض آخر ويلاحظ المجموع بمنزلة ربح واحد ، وتستثنى مؤونة السنة من أوّل ربح حصل ، أو من أوّل الشروع في التكسّب على الخلاف المتقدّم(1) على إشكال يأتي ،
(الصفحة 158)
غاية الأمر انضمام غيره من الأرباح إليه ، فكأنّ المؤونة صارت مستثناة من الجميع ولو لم ينقض عنوان السنة على الأرباح المتأخّرة عن الربح الأوّل فضلاً عن الجميع ، أو أنّ لكلّ ربح سنة مستقلّة تخرج مؤونة سنته منه ولا ارتباط بين الأرباح ولا ينضمّ بعضها إلى بعض إلاّ في مقدار من السنة مشترك بين الجميع ، كما أنّ الأمر كذلك بالإضافة إلى المعادن المتعدّدة إذا كانت له ، فلا ينضمّ معدن الذهب الذي يكون له إلى معدن الفضّة كذلك ، بل لكلّ منهما نصاب مستقلّ ، وكذلك بالنسبة إلى الكنوز المتعدّدة الحاصلة له ، وإن كان استثناء مؤونة السنة مخصوصاً بهذا القسم من الأقسام المتعلّقة للخمس ، ولا يكون ثابتاً في مثل المعدن والكنز ؟
المسألة محلّ للخلاف جدّاً ، فذهب الماتن (قدس سره) تبعاً لجماعة(1) ، منهم: صاحب العروة(2) إلى الانضمام ، وذهب الشهيد الثاني في جملة من كتبه(3) وغيره إلى الثاني ، واختاره بعض الأعلام (قدس سره)(4) .
وتظهر الثمرة بين القولين في موارد:
منها: المؤن المصروفة بين الربحين ، وقد مثّل له بما إذا ربح أوّل محرّم عشرة دنانير وأوّل رجب ثلاثين وصرف ما بينهما في مؤونته عشرين ، فعلى القول الأوّل تستثنى هذه المؤونة في آخر السنة من مجموع الربحين أي الأربعين ، فلا خمس إلاّ في العشرين الزائدة .
- (1) كالشهيد في الدروس 1 : 259 ، مدارك الأحكام 5 : 391 ، الحدائق الناضرة 12 : 354 ، مستمسك العروة الوثقى 9 : 532 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 392 مسألة 56 .
- (3) الروضة البهيّة 2 : 78 ، مسالك الأفهام 1 : 468 .
- (4) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 239 ـ 241 .
(الصفحة 159)
وعلى القول الثاني فلا وجه لاستثنائها إلاّ عن الربح الأوّل دون الثاني ، ضرورة عدم استثناء المؤونة إلاّ بعد ظهور الربح لا قبله ، فلو بقي الربح الثاني إلى انتهاء سنته وجب إخراج خمسه ، فيخمّس الثلاثين بتمامها من غير استثناء المؤونة السابقة عليها .
ومنها : تخميس الربح المتأخّر وعدمه ، فلو فرض أنّه ربح في شهر محرّم الحرام عشرة وصرفها في مؤونته ، وهكذا في بقيّة الشهور سوى آخرها الذي هو شهر ذي حجّة الحرام ، فصادف أن ربح فيه مائة بعد كون مؤونته فيه كذلك عشرة ، فإنّه على القول الأوّل يجب تخميس التسعين الباقية في آخر الشهر الذي هو آخر السنة على ما هو المفروض ، بخلاف القول الآخر ، فإنّه عليه لابدّ من انقضاء سنة من ذي الحجّة ، فلو فرض أنّ مؤونته في كلّ شهر كانت كذلك ولم يتحقّق هناك ربح آخر لا يجب عليه الخمس; لفرض تمامية التسعين بتمامية تسعة أشهر بعد ذي الحجّة ، كما لا يخفى .
ومنها : استثناء المؤن الحاصلة قبل الربح الأوّل على تقدير تأخّره عن التكسّب ، سيّما إذا كان التأخّر بكثير .
ثمّ إنّه ربما يستدلّ للقول الأوّل بما في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة المتقدّمة(1)من قوله(عليه السلام) : «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» إلخ ; نظراً إلى أنّه يستفاد منه أنّ العبرة بملاحظة ربح السنة بما هي سنة ، فيلاحظ في كلّ عام مجموع الأرباح .
ولكن التحقيق كما قيل عدم ارتباط هذه الصحيحة بما نحن فيه أصلاً وعدم
(الصفحة 160)
كونها ناظرة إلى الانضمام وعدمه ، بل هي بصدد بيان إسقاط الخمس في بعض الموارد في سنة خاصّة ، والاكتفاء في بعض الموارد بنصف السدس والحكم بلزوم الخمس في الغنائم والفوائد . وأمّا كيفيّة الوجوب من ملاحظة الانضمام أو عدمها فلا دلالة لها عليها أصلاً ، كما لا يخفى .
كما أنّه ربما يستدلّ للقول الثاني بأنّ ملاحظة آية الخمس الدالّة على وجوبه في كلّ فائدة وغنيمة ، وكذا الروايات الواردة بهذا المضمون ، تقتضي أنّ الحكم انحلاليّ ، وأنّ كلّ فرد من أفراد الفائدة موضوع مستقلّ لوجوب التخميس ، كما هو الحال في الكنوز والمعادن ، ولو كانت هذه الأدلّة ولم يكن دليل على استثناء المؤونة لكان اللازم الالتزام بوجوب الخمس فوراً ، ولكن دليل الاستثناء أوجب ارتكاب التقييد في الوجوب التكليفي إرفاقاً وإن كان الحقّ ثابتاً من الأوّل ، فلا يجب البدار ، بل له التأخير .
وأمّا ارتكاب تقييد آخر أعني ضمّ الأرباح بعضها إلى بعض بحيث يستثنى حتّى المؤن الحاصلة قبل الربح المتجدّد; أي المؤونة المتخلّلة بين الربحين فهذا لم يقم عليه دليل; لوضوح عدم عدّ السابق من مؤونة الربح اللاحق ، وكذلك الحال في الثمرة الثانية المتقدّمة .
وعليه فما ذكره الشهيد(1) من أنّ كلّ ربح موضوع مستقلّ وله سنة تخصّه وتستثنى مؤونة السنة من كلّ ربح بالإضافة إلى سنته هو الصحيح .
قال بعض الأعلام (قدس سره) ما خلاصته : إنّ ما يقال من أنّ لحاظ المؤونة بالإضافة إلى كلّ ربح يوجب الاختلال والهرج والمرج ، فلا نعقل له معنىً محصّلاً حتّى في
- (1) مسالك الأفهام 1 : 468 ، الروضة البهيّة 2 : 78 .
(الصفحة 161)
التدريجيّات مثل العامل ومن يشبهه ، فإنّه لم يبق له في آخر السنة شيء كما هو الغالب ، وإن بقي يخمّس الفاضل على المؤونة .
نعم لا بأس بجعل السنة; لسهولة الأمر وانضباط الحساب كما هو المتعارف عند التجّار ، حيث يتّخذون لأنفسهم سنة جعليّة يخرجون الخمس بعد انتهائها واستثناء المؤن المصروفة فيها وإن كانت الأرباح المتخلّلة فيها تدريجيّة الحصول بطبيعة الحال ، فإنّ هذا لا ضير فيه ، إذ الخمس قد تعلّق منذ أوّل حصول الربح ، غايته أنّه لا يجب الإخراج فعلاً ، بل يجوز ـ إرفاقاً ـ التأخير إلى نهاية السنة والصرف في المؤونة ، فبالإضافة إلى الربح المتأخّر يجوز إخراج خمسه وإن لم تنته سنته ، فإنّ ذلك كما عرفت إرفاق محض ، ولا يلزم منه الهرج والمرج بوجه ، كما يجوز أن يخرج الخمس من كلّ ربح فعلاً من غير اتّخاذ السنة ، فلاحظ(1) .
والتحقيق أن يقال ـ بعد ملاحظة أنّه من الواضح أنّه لا فرق بين الأرباح المتعدّدة من جنس واحد ، وبين الأرباح الحاصلة من الطرق المتعدّدة; لأنّ الملاك في الجميع واحد وهو صدق الغنيمة والفائدة ، ولا فرق فيه بين الصورتين ـ :
أوّلاً : أنّ أصل المسألة ملحوظ لو لم يكن مبدأ السنة في استثناء المؤونة أوّل الشروع في التكسّب، سواء كان بالمعنى العامّ المذكور في كلام صاحب العروة الشامل للتجارة والزراعة والصناعة ونحوها ، أو بالمعنى الخاصّ في مقابل الزراعة والاتّجار بثمرة البستان كما عرفت في المتن ، ضرورة أنّه لو كان مبدأ السنة في الأمر المفروض هو أوّل الشروع في التكسّب وإن لم يتحقّق الربح بعده إلاّ بكثير ، فمن الواضح أنّه لا خصوصيّة للأرباح المتأخّرة ، فلابدّ من فرض أصل المسألة على القول بأنّ المبدأ
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 242 ـ 243 .