(الصفحة 264)
مسألة 6 : الأحوط عدم دفع الخمس إلى المستحقّ أزيد من مؤونة سنته ولو دفعة ، كما أنّ الأحوط له عدم أخذه1 .
العقد . وأمّا إذا علم الكيفيّة وأنّه أجراه بصيغة فارسية ، لكنّه شكّ في صحّتها فشمول دليل أصالة الصحّة لذلك غير معلوم ، كما لا يخفى .
ويلحقه في الإشكال موارد الشكّ في صحّة الكيفيّة المعلومة بشبهة موضوعيّة كما في المقام ، حيث يعلم الموكّل أنّ الوكيل أخذه لنفسه باعتقاده الاستحقاق ، لكنّه يشكّ الموكّل في استحقاقه ، فإنّ البناء على الصحّة حينئذ مشكل جدّاً; لعدم إحراز قيام السيرة في مثل ذلك عليه .
ومن الواضح أنّ علم الوكيل طريقيّ محض وليس بموضوعي ، فلا أثر له في تصحيح العمل بالنسبة إلى الموكّل الذي هو المكلّف بالأصالة(1) .
قلت : لازم ما ذكر من التوجيه جعل الأحوط الوجوبي لو لم يكن الأقوى عدم التوسّل إلى هذه الحيلة ، لكن لو بني على صحّتها لا يحتاج إلى إحراز عدالة الوكيل ، فإنّه لا فرق في جريان أصالة الصحّة في عمل الوكيل بين ما إذا اُحرزت عدالته ، وبين ما إذا لم تحرز كما لا يخفى . والأولى جعله تحت اختيار الحاكم الشرعي الذي هو مرجع تقليده ، بل هو المتعيّن بناءً على اعتبار إذنه ، كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى .
1 ـ أمّا الدفع إليه في الدفعات المتعدّدة التي يزيد بعضها على مؤونة السنة فالظاهر أنّ عدم جوازه كذلك إنّما هو على سبيل الفتوى ، ومستندها ما تقدّم(2) من
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 322 ـ 323 .
- (2) في ص260 .
(الصفحة 265)
اعتبار الفقر في الأصناف الثلاثة الأخيرة المستحقّة للخمس ، وفي الدفعة الزائدة لا يكون هذا الشرط موجوداً ، وهذا بالإضافة إلى سهم السادة الذي هو نصف الخمس واضح; لما ذكر من اعتبار الفقر فيهم .
وأمّا بالإضافة إلى سهم الإمام(عليه السلام)فالأمر لا يدور مدار المؤونة ، بل يتوقّف على إذن الحاكم الذي هو الوليّ في زمن الغيبة ، وهو يعمل على طبق ما يراه مصلحة ممّا هو مرضيّ للإمام(عليه السلام) ، ولعلّ ذكر المؤونة قرينة على أنّ المراد من الخمس في المتن هو سهم السادة لا الأعمّ منه ومن سهم الإمام(عليه السلام) . ويؤيّده أنّه جعل الأحوط عدم الأخذ كما لا يخفى ، كما أنّه لابدّ من التنبيه على أمر; وهو أنّ الزائد على دفعة واحدة إن كانت الزيادة زائدة على مؤونة سنته فالحكم ما مرّ ، وإن كانت مشتملة على الزيادة; بأن كانت مركّبة من الزيادة وغيرها فالحكم فيه ما سيأتي في الفرع الآتي .
وأمّا عدم جواز الدفع إليه في دفعة واحدة بمقدار يزيد على مؤونة سنة واحدة فإنّما هو على نحو الاحتياط الوجوبي ، فقد قيل في وجهه: إنّه إذا أُعطي ما يزيد على مؤونته السنويّة فهو بتملّك مقدار المؤونة صار غنيّاً ، فليس له حينئذ تملّك ما يزيد عليه; لزوال فقره بتملّك ذلك المقدار ، فإعطاء الزائد إعطاء إلى الغنيّ ولو كان غناه قد حصل مقارناً للإعطاء المزبور ، إذ العبرة في الغنى والفقر بملاحظة حال الإعطاء لا قبله ولا بعده(1) .
ويرد عليه أنّه بعدما كان المفروض إعطاء الزائد دفعة واحدة من دون تقدّم وتأخّر ، وقد فرض أنّه في حال الإعطاء كان فقيراً ، ولا مجال لدعوى التبعّض بعد كون الإعطاء واحداً وهو مستحقّ للخمس لفقره ، فالظاهر أنّه لا مجال للاحتياط
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 324 .
(الصفحة 266)
مسألة 7 : النصف من الخمس الذي للأصناف الثلاثة المتقدّمة أمره بيد الحاكم على الأقوى ، فلابدّ إمّا من الإيصال إليه ، أو الصرف بإذنه وأمره ، كما أنّ النصف الذي للإمام (عليه السلام) أمره راجع إلى الحاكم ، فلابدّ من الإيصال إليه حتّى يصرفه فيما يكون مصرفه بحسب نظره وفتواه ، أو الصرف بإذنه فيما عيّن له من المصرف . ويشكل دفعه إلى غير من يقلّده إلاّ إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلّده كمّاً وكيفاً ، أو يعمل على طبق نظره1 .
الوجوبي حينئذ فضلاً عن الفتوى .
فالمتحصّل أنّ مقتضى القاعدة الجواز في هذه الصورة ، وتؤيّده إطلاقات الأدلّة وإن كان يبعّده حكمة تشريع الخمس ، فإنّها عبارة عن سدّ حاجة السادة ، ومن المستبعد جواز دفع عشرة أضعاف مؤونة سنته إلى واحد ـ مع كثرة المستحقّين أو شدّة احتياجهم ـ باستناد كون الدفع في دفعة واحدة مقارنة لفقره ، كما لا يخفى . كيف ، ولازمه جواز جمع جملة كثيرة من الأخماس والدفع إلى واحد; لعدم لزوم البسط كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
كما أنّه يبعّده أنّه لو فرض صيرورته غنيّاً مقارناً لإعطاء الخمس إليه; كما لو فرض موت مورّثه الذي له مال كثير في حال إعطاء الخمس إلى الوارث ، فهل يكفي مجرّد فقره قبل الإعطاء في جواز الدفع إليه أم لا؟ الظاهر أنّه بعيد جدّاً .
وكيف كان ، لو كان مقتضى الاحتياط الوجوبي عدم جواز الدفع إلى المستحقّ ولو في دفعة واحدة يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي للمستحقّ عدم الأخذ كذلك.
1 ـ الخمس نصفان: نصف للأصناف الثلاثة المتقدّمة; وهم الله تعالى ورسوله وذوو القربى ، وقد دلّت الروايات الكثيرة على أنّ ما كان لله فهو للرسول ، وما كان
(الصفحة 267)
للرسول فهو للإمام(1) ، فهذا النصف فعلاً للإمام الثاني عشر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، ولذا يعبّر عنه بسهم الإمام(عليه السلام) ، فلابدّ في زمن حضوره وإمكان التشرّف لديه من الإيصال إليه أو الصرف بإذنه والإيصال إلى النوّاب الخاصّة ، وكان في زمن حياتهم (عليهم السلام) لهم نوّاب خاصّة أكثرهم معروفين ، وفي زمن الغيبة الصغرى كانت النوّاب الخاصّة الأربعة معروفون ، وبعد ارتحال الأخير تبدّلت الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى ، وفي زمن الغيبة الكبرى كزماننا هذا يجب بمقتضى أدلّة الولاية العامّة والنيابة كذلك الإيصال إلى النائب العام ، أو الصرف بإذنه فيما عيّن له من المصرف ، وقد استشكل في المتن في الدفع إلى غير مرجع تقليده .
ولعلّ منشأه ثبوت نظر خاصّ له في مصرف سهم الإمام(عليه السلام) ، إمّا مطلقاً أو في مقطع خاصّ زمانيّ أو مكانيّ ، ولا أقلّ من جهة الكمّية والكيفيّة ، فإذا كان نظره التقسيم إلى الطلاّب بكيفيّة الراتب الشهري المعمول المتعارف في الحوزات العلمية فلا يجوز التسليم إليهم مستقلاًّ مع اختلافه مع ما هو المعمول الموجب للاختلاف زيادة ونقصاناً أو لمحرومية بعض رأساً . نعم ، لازم ذلك جواز الدفع إلى مجتهد آخر يرى الصرف كذلك ، ولو لم يكن مرجع تقليده أو الصرف بإذنه; لعدم اختلاف الرأيين في المصرف أصلاً .
اللّهم إلاّ أن يقال بأنّه حيث يرى مرجع تقليده أعلم من غيره ، ويعتقد بوجوب الرجوع إليه فتوىً أو احتياطاً لزوميّاً ، فمقتضى ذلك ولازمه ثبوت النيابة العامّة بالإضافة إلى مرجعه ، وعليه فيشكل التسليم إلى الغير ولو مع العلم باتّحاد المصرف من جميع الجهات ، وعليه فيشكل الدفع إلى غير مرجع تقليده . اللّهم إلاّ
- (1) الوسائل 9 : 512 و 516 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح6 و11 .
(الصفحة 268)
أن يقال : إنّ تعيّن الرجوع إلى الأعلم ولزوم اختياره إنّما هو في صورة اختلاف رأيه مع غير الأعلم ، وأمّا في صورة العلم بالوفاق فلا يجدي الحكم بتعيّنه ، وقد تقدّم التحقيق في باب الاجتهاد والتقليد ، فراجع(1) .
وينبغي أن يعلم المراد من ملكية الله والرسول والإمام سهم الإمام(عليه السلام) ، وأنّه لامعنى لأن يكون المراد هي الملكية الاعتبارية الثابتة بالإضافة إلى مثل زيد لداره وثوبه ، ضرورة أنّه لا معنى للملكية الاعتبارية بالنسبة إلى الله تعالى ، وكذا لا معنى للملكية التكوينيّة كما حكي عن بعض المحقّقين رحمة الله عليه(2) ، بل المراد هي الأولوية في التصرّف غير المستلزمة لمثل الإرث .
والظاهر أنّ ملكية الرسول وكذا الإمام يكون هكذا; أي بمعنى أولويّة التصرّف ، وعليه فيكون الفقيه في عصر الغيبة وليّاً للتصرّف في سهم الإمام(عليه السلام)يصرفه فيما يراه ويعتقده ، من غير أن يكون ملكاً له كسائر أمواله الشخصية المنتقلة إلى الوارث بالموت ، وقد فصّل الكلام في هذا المجال الاُستاذ العلاّمة الماتن (قدس سره) في المجلّد الثاني من المجلّدات الخمسة الموضوعة في البيع ، فراجع(3) .
كما أنّه ينبغي أن يعلم أنّ المنصوب من قبلهم (عليهم السلام) للرجوع إليه في التقليد وإيصال الوجوه الشرعية إليه ليس شخصاً خاصّاً ، بل من كان واجداً لصفات التقليد عنه المذكورة في مثل المقبولة(4) ، فلابدّ من الدفع إلى مرجع تقليده أو من هو يقول بمثله في اتّحاد المصرف من جميع الأبعاد .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (الاجتهاد والتقليد) : 106 .
- (2) المحقّق الإيرواني في حاشيته على المكاسب 2 : 422 .
- (3) كتاب البيع 2 : 659 .
- (4) الكافي 1 : 67 ح10 ، التهذيب 6 : 218 ح514 ، الوسائل 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح1 .