(الصفحة 115)
1 ـ إيجاب الخمس في الذهب والفضّة ، مع أنّه لا يجب فيهما إلاّ الزكاة بالإجماع .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الزكاة لا تجب في مطلق الذهب والفضّة ، بل في خصوص الدينار والدرهم ـ ما أورد عليه بعض الأعلام (قدس سره).
أوّلاً: أنّه لو اُريد من الذهب والفضّة ما كان بنفسه مورداً للخمس كما لو وقع ربحاً في تجارة فالأمر ظاهر ، إذ عليه يكون هذا استثناءً عمّا ذكره(عليه السلام) من السقوط في مطلق الأرباح فأسقط(عليه السلام)الخمس عن كلّ ربح ما عداهما ، فيجب بعد حلول الحول لا بعنوانهما الأوّلي ، بل بما أنّهما ربح في تجارة .
وثانياً : أنّه لو اُريد إيجاب الخمس بعنوانهما الذاتي ولو لم يتعلّق بهما خمس ، كما لو كان إرثاً وحال عليه الحول فلا ضير فيه أيضاً; لأنّه(عليه السلام) لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي مطلقاً ، بل أوجب عليهم الخمس في خصوص سنته هذه فقط بمقتضى الولاية الكلّية الثابتة له(عليه السلام) ، فله إسقاط الخمس عن التجارة وإثباته في الذهب والفضّة ولو موقّتاً لمصلحة يراها(1) .
2 ـ قوله(عليه السلام) : «والغنائم والفوائد يرحمك الله» إلى آخره ، حيث حكي عن المدارك إندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممّن لايحتسب ، والمال الذي لا يُعرف صاحبه ، وما يحلّ تناوله من مال العدوّ في اسم الغنائم ، فيكون مصرف الخمس فيها مصرف خمس الغنائم .
واُجيب عنه بأنّ فيه ما لا يخفى ، ضرورة أنّ الجائزة من أظهر أنواع الفائدة ولو فرض عدم شمول لفظ الغنيمة لها ، وكذا ما بعده من الموارد من الميراث ممّن لا يحتسب ، والمال المأخوذ من عدوّ يصطلم ، فإنّ كون ذلك كلّه فائدة أمر
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 202 ـ 203 .
(الصفحة 116)
قطعيّ لا يُنكر .
3 ـ قوله(عليه السلام) في آخر الرواية : «فأمّا الذي اُوجب من الضياع» إلى آخره ، فقد أورد عليه فيها بأنّ مصرف السهم المذكور في آخر الرواية وهو نصف السدس في الضياع والغلاّت فغير مذكور في الرواية صريحاً ، مع أنّا لا نعلم بوجوب ذلك على الخصوص قائلاً .
والظاهر أنّ مراده أنّه لا يعلم أنّ المراد من نصف السدس الذي هو نصف الخمس هو الذي يعبّر عنه بسهم الإمام(عليه السلام) ، نظراً إلى أنّ ما كان لله فهو للرسول ، وما كان للرسول فهو للإمام ، أو أنّ المراد به ما يعبّر عنه بسهم السادة الذي هو نصف الخمس .
واُجيب عنه بأنّ ما أفاده عجيب ; لأنّ الصحيحة صدراً وذيلاً تنادي بأعلى صوتها بأنّه(عليه السلام) في مقام تخفيف الخمس ، إمّا بالإلغاء محضاً ، كما في الموارد المذكورة في صدرها ، أو بعضاً كما بالإضافة إلى الضيعة ، ولا تكون في مقام بيان الحكم الشرعي حتّى تطرح لأجل عدم وجود قائل به .
وحكي عن المحقّق الهمداني إشكال آخر في الرواية; وهو أنّه يظهر من قوله(عليه السلام) : «فأمّا الغنائم والفوائد» إلى آخره ، يظهر منه أنّ الأرباح غير داخلة في الغنائم ، ولأجله أسقط الخمس في الأوّل وأثبته في الثاني ، فيظهر التغاير من المقابلة واختلافهما من حيث المصرف وأنّ خمس الأرباح يختصّ بالإمام ، ولأجله تصرّف فيه رفعاً وتخفيفاً(1) .
واُورد عليه بأنّ المذكور فيها لو كان هو الغنائم فقط لأمكن الاستظهار المذكور ،
- (1) مصباح الفقيه 14 : 102 .
(الصفحة 117)
ولكن اقترانها بالفوائد قرينة قطعيّة على أنّ المراد بها معنى عامّ يشمل مطلق الأرباح وغيرها . غايته الالتزام بخروج صنف خاصّ من الفوائد وهي أرباح التجارات ، ونتيجته ارتكاب التخصيص الذي ليس بعزيز ، فيثبت الخمس في غير ما ذكر من الفوائد(1) .
والتحقيق أنّ في الرواية إشكالاً يوجب ردّ علمها إلى أهلها ولا يمكن التفصّي عنه بوجه; وهوأنّ استشهادالإمام(عليه السلام) في صدر الرواية بالآية الدالّة على أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله)بأخذ الصدقة مع كون مورد الكلام هو الخمس لا الزكاة إنّما كان للدلالة على التأسّي بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والاقتداء به في الأخذ لأجل حصول التطهير والتزكية لمواليه المقصّرين في أمر الخمس . وأمّا استشهاده في الذيل بآية الخمس الدالّة على ثبوته فلا يناسب المسبوقية بعدم إيجابه الخمس في الأرباح التي هي من أظهر مصاديق الفائدة ، خصوصاً مع التصريح بالوجوب في كلّ عام في جميع الغنائم والفوائد .
وبالجملة : الآية الشريفة الواردة في الخمس تدلّ على بيان حكم كلّي إلهي ثابت في جميع الأعصار ، فلا يناسب الاستشهاد بها عقيب عدم الإيجاب في الأرباح خصوصاً مع عطف الفوائد على الغنائم ، وقد عرفت أنّ من أظهر مصاديق الفوائد الأرباح ، ولا مجال للتمسّك بالعموم في مورد التخصيص ، وعليه فما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) من أنّ الرواية ظاهرة الدلالة(2) غير ظاهر ، كما لا يخفى .
ومنها : رواية حكيم مؤذّن بني عيس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له :
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِن شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} قال : هي والله الإفادة
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 206 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 206 .
(الصفحة 118)
يوماً بيوم ، إلاّ أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكّوا(1) .
وظاهر الرواية ـ مضافاً إلى الخدشة في السند ـ الدلالة على اختصاص الآية بغير غنائم دار الحرب وأنّ المراد الإفادة يوماً بيوم ، مع أنّ غاية ما تقدّم منّا(2) عدم الاختصاص بغنائم دار الحرب ، فاللاّزم أن يقال بأنّ المراد من الرواية شمول الآية للإفادة المذكورة لا الاختصاص بغنائم دار الحرب .
ومنها : رواية محمّد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : أخبرني عن الخمس أعَلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤونة(3) .
والظاهر كما تقدّم أنّ المراد من المؤونة ليس مؤونة السنة ، بل المؤونة المصروفة في تحصيل ما يتعلّق به الخمس من المعدن والغوص والكنز ومثلها ، فلا ارتباط لها بمسألة مؤونة السنة .
ومنها : رواية علي بن محمّد بن شجاع النيسابوري أنّه سأل أبا الحسن الثالث(عليه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّى ، فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً وبقي في يده ستّون كرّاً ، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقّع(عليه السلام) : لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته(4) .
ومنها : صحيحة علي بن مهزيار قال : قال لي أبو علي بن راشد: قلت له : أمرتني
- (1) التهذيب 4 : 121 ح344 ، الاستبصار 2 : 54 ح179 ، الوسائل 9 : 546 ، أبواب الأنفال ب4 ح8 .
- (2) في ص108 ـ 109 .
- (3) التهذيب 4: 123 ح352، الاستبصار 2: 55 ح181، الوسائل 9: 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1.
- (4) التهذيب 4 : 16 ح39 ، الاستبصار 2 : 17 ح48 ، الوسائل 9 : 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح2 .
(الصفحة 119)
بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدرِ ما أجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس ، فقلت : ففي أيّ شيء؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم ، قلت : والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(1) .
وفي رواية اُخرى لعليّ بن مهزيار أنّه كتب ـ وقرأه عليّ بن مهزيار ـ عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وخراج السلطان (2) ، والظاهر عدم تعدّد الرواية بل وحدتها ، ويستفاد منها كفاية استثناء مؤونة السنة ، وإن لم يقع التصريح بالسنة في شيء من الروايات على ما اعترف به جماعة من أعاظم الفقهاء(3) إلاّ في رواية واحدة في الوسائل على بعض الطبعات ، والظاهر عدم صحّتها .
وجه الدلالة في المقام إضافة المؤونة إلى الشخص أو الأشخاص لا متعلّق الخمس من الأرباح وغيرها ، ومن الظاهر أنّ مؤونة الشخص لا تلاحظ بالإضافة إلى يوم أو اُسبوع أو شهر ، بل تلاحظ بالإضافة إلى السنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يكون لكلّ فصل منها شرائط خاصّة ومؤونة مخصوصة ، ولذا تلاحظ الغنى والثروة وعدمها بالإضافة إلى السنة المذكورة .
هذا ، مضافاً إلى الاتّفاق(4) على أنّ المراد مؤونة السنة ، ولعلّ منشأه سيرة
- (1) التهذيب 4: 123 ح353، الاستبصار 2: 55 ح182، الوسائل 9: 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح3.
- (2) التهذيب 4: 123 ح354، الاستبصار 2: 55 ح183، الوسائل 9: 500، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح4 .
- (3) كفاية الأحكام: 43 ، الحدائق الناضرة 12: 353 ، رياض المسائل 5: 253 ، جواهر الكلام 16: 58ـ 59 ، مصباح الفقيه 14: 128 .
- (4) راجع غنية النزوع: 129 ، الحدائق الناضرة 12: 353 ، رياض المسائل 5: 253 ، جواهر الكلام 16: 45 ، مصباح الفقيه 14: 129 .