(الصفحة 118)
يوماً بيوم ، إلاّ أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكّوا(1) .
وظاهر الرواية ـ مضافاً إلى الخدشة في السند ـ الدلالة على اختصاص الآية بغير غنائم دار الحرب وأنّ المراد الإفادة يوماً بيوم ، مع أنّ غاية ما تقدّم منّا(2) عدم الاختصاص بغنائم دار الحرب ، فاللاّزم أن يقال بأنّ المراد من الرواية شمول الآية للإفادة المذكورة لا الاختصاص بغنائم دار الحرب .
ومنها : رواية محمّد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : أخبرني عن الخمس أعَلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤونة(3) .
والظاهر كما تقدّم أنّ المراد من المؤونة ليس مؤونة السنة ، بل المؤونة المصروفة في تحصيل ما يتعلّق به الخمس من المعدن والغوص والكنز ومثلها ، فلا ارتباط لها بمسألة مؤونة السنة .
ومنها : رواية علي بن محمّد بن شجاع النيسابوري أنّه سأل أبا الحسن الثالث(عليه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّى ، فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً وبقي في يده ستّون كرّاً ، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقّع(عليه السلام) : لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته(4) .
ومنها : صحيحة علي بن مهزيار قال : قال لي أبو علي بن راشد: قلت له : أمرتني
- (1) التهذيب 4 : 121 ح344 ، الاستبصار 2 : 54 ح179 ، الوسائل 9 : 546 ، أبواب الأنفال ب4 ح8 .
- (2) في ص108 ـ 109 .
- (3) التهذيب 4: 123 ح352، الاستبصار 2: 55 ح181، الوسائل 9: 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1.
- (4) التهذيب 4 : 16 ح39 ، الاستبصار 2 : 17 ح48 ، الوسائل 9 : 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح2 .
(الصفحة 119)
بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدرِ ما أجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس ، فقلت : ففي أيّ شيء؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم ، قلت : والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(1) .
وفي رواية اُخرى لعليّ بن مهزيار أنّه كتب ـ وقرأه عليّ بن مهزيار ـ عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وخراج السلطان (2) ، والظاهر عدم تعدّد الرواية بل وحدتها ، ويستفاد منها كفاية استثناء مؤونة السنة ، وإن لم يقع التصريح بالسنة في شيء من الروايات على ما اعترف به جماعة من أعاظم الفقهاء(3) إلاّ في رواية واحدة في الوسائل على بعض الطبعات ، والظاهر عدم صحّتها .
وجه الدلالة في المقام إضافة المؤونة إلى الشخص أو الأشخاص لا متعلّق الخمس من الأرباح وغيرها ، ومن الظاهر أنّ مؤونة الشخص لا تلاحظ بالإضافة إلى يوم أو اُسبوع أو شهر ، بل تلاحظ بالإضافة إلى السنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يكون لكلّ فصل منها شرائط خاصّة ومؤونة مخصوصة ، ولذا تلاحظ الغنى والثروة وعدمها بالإضافة إلى السنة المذكورة .
هذا ، مضافاً إلى الاتّفاق(4) على أنّ المراد مؤونة السنة ، ولعلّ منشأه سيرة
- (1) التهذيب 4: 123 ح353، الاستبصار 2: 55 ح182، الوسائل 9: 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح3.
- (2) التهذيب 4: 123 ح354، الاستبصار 2: 55 ح183، الوسائل 9: 500، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح4 .
- (3) كفاية الأحكام: 43 ، الحدائق الناضرة 12: 353 ، رياض المسائل 5: 253 ، جواهر الكلام 16: 58ـ 59 ، مصباح الفقيه 14: 128 .
- (4) راجع غنية النزوع: 129 ، الحدائق الناضرة 12: 353 ، رياض المسائل 5: 253 ، جواهر الكلام 16: 45 ، مصباح الفقيه 14: 129 .
(الصفحة 120)
المتشرّعة المتّصلة إلى زمن المعصوم(عليه السلام) ، فإنّا نراهم جعل يوم من أيّام السنة رأس سنته ويدفعون خمس أموالهم الحاصلة من مثل الأرباح بعد استثناء مؤونتهم في تلك السنة ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة في مقام المحاسبة ودفع الخمس المتعلّق بهم ، كما أنّه ممّا ذكرنا يظهر أنّ المناط في السنة هي السنة الشمسية باعتبار اشتمالها على جميع الفصول الأربعة لا القمرية غير المشتملة عليه ، وإن كان المراد بالشهر في جلّ الموارد أو كلّها هو الشهر القمري كما في رمضان وغيرها .
وأمّا تقييد العيال بواجبة النفقة كما في بعض العبارات فالظاهر أنّه لا وجه له ، بل الظاهر الشمول للمؤن التي هي من شأن الرجل وإن لم تكن واجبة عليه شرعاً ، كما في نفقة بعض الأقارب على ما قرّر في محلّه ، ولعلّه المراد من إطلاق عبارة المتن .
وينبغي هنا البحث عن أخبار التحليل وإن كان التعرّض لها وقع في كتاب العروة في آخر مباحث الخمس(1) بصورة اُخرى ، فنقول : إنّ الأخبار الواردة في هذا المجال نفياً أو إثباتاً أو تفصيلاً على طوائف ثلاثة :
الطائفة الاُولى : ما تدلّ على وقوع التحليل للشيعة مطلقاً ، مثل :
صحيحة أبي بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم ، كلّهم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم; لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ . وفي رواية الصدوق «وأبناءهم»(2) بدل «وآباءهم» ولعلّه الأنسب كما لا يخفى .
وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) حلّلهم من
- (1) العروة الوثقى 2: 407 مسألة 19 .
- (2) علل الشرائع: 377 ح2 ، التهذيب 4: 137 ح386 ، الاستبصار 2: 58 ح191 ، الوسائل 9: 543 ، أبواب الأنفال ب4 ح1 .
(الصفحة 121)
الخمس ـ يعني الشيعة ـ ليطيب مولدهم(1) .
ورواية الحارث بن المغيرة النصري ـ التي في سندها أبو عمارة المجهول ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : إنّ لنا أموالاً من غلاّت وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أنّ لك فيها حقّاً ، قال : فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلاّ لتطيب ولادتهم ، وكلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا ، فليبلغ الشاهد الغائب(2) .
وروايته الاُخرى التي في سندها جعفر بن محمّد بن حكيم الواقع في بعض إسناد كتاب كامل الزيارات لابن قولويه استاذ المفيد (قدس سره) ، قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)فجلست عنده ، فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له ، فدخل فجثا على ركبتيه ، ثمّ قال : جعلت فداك إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة والله ما اُريد بها إلاّ فكاك رقبتي من النار ، فكأنّه رقّ له فاستوى جالساً فقال : يا نجية سلني ، فلا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ، قال : جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان ؟ قال : يا نجية إنّ لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله ـ إلى أن قال :ـ اللّهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا . قال : ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال : يا نجية ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا(3) .
وينبغي قبل إيراد الطائفتين الآخرتين الواردتين في هذا المجال من ملاحظة أنّه لو كنّا نحن والآية الشريفة الدالّة على الخمس ، وهذه الطائفة من الروايات الدالّة على التحليل المطلق; أي الخمس المركّب من سهم الإمام(عليه السلام) وسهم السادة العظام ، غاية الأمر لخصوص الشيعة القائلين بثبوت الخمس وعدم اختصاص متعلّقه
- (1) علل الشرائع : 377 ب106 ح1 ، الوسائل 9 : 550 ، أبواب الأنفال ب4 ح15 .
- (2) التهذيب 4 : 143 ح399 ، الوسائل 9 : 547 ، أبواب الأنفال ب4 ح9 .
- (3) التهذيب 4 : 145 ح405 ، الوسائل 9 : 549 ، أبواب الأنفال ب4 ح14 .
(الصفحة 122)
بغنائم دار الحرب ـ كما يقول به غيرنا ـ فهل اللازم حمل الآية على بيان الحكم الاقتضائي ، وحمل الروايات على بيان الحكم الفعلي؟
ويردّه ـ مضافاً إلى أنّه لا شاهد في الآية على الحكم الاقتضائي ، خصوصاً مع ثبوت الفعليّة ولو بالإضافة إلى غنائم دار الحرب ، وإلى أنّ لازمه عدم ثبوت الفعليّة بالنسبة إلى غير الشيعة ـ أنّ نفس التحليل قرينة على الثبوت والفعليّة ، مع أنّ إنشاء الحكم الوضعي مع العلم بعدم بلوغه إلى مرحلة الفعليّة لعدم اعتقاد بعض المكلّفين به وثبوت غيره في حقّ المعتقدين ممّا لا يكاد يستقيم .
أو الالتزام بأنّ الروايات لأجل كونها مخالفة للقرآن تكون مطروحة ، واللازم ضربها على الجدار ، كما في بعض الأخبار الواردة في الروايات المخالفة للكتاب .
ويبعّده عدم اعتراض مثل زرارة على الإمام(عليه السلام) في هذا المجال .
أو يقال بتقييد إطلاق الآية; لشموله لغير الشيعة من المسلمين ، بل الكفّار بناءً على اشتراكهم مع المسلمين في الفروع كما في الاُصول .
ويبعّده أنّ التقييد المستلزم لعدم العمل بالإطلاق بوجه قبيح; لأنّ المفروض ثبوت التحليل بالإضافة إلى المعتقدين ، وعدم التأثير للإطلاق بالإضافة إلى غيرهم ، كما لا يخفى .
والتحقيق أن يقال: إنّه لا مجال للالتزام بمفاد هذه الأخبار; لاستلزامه أن لا يكون طريق لسدّ فقر فقراء السادة بعد حرمة الزكاة عليهم ، وثبوت التحليل بالنسبة إلى سهمهم كما هو المفروض ، واستلزامه أيضاً لعدم تداوم الحوزات العلمية التي بها يتقوّم بقاء الدين اُصولاً وفروعاً; لارتزاقهم من الخمس المركّب من السهمين ، وعدم وجود سبب آخر لارتزاقهم حتّى الموقوفات ، ومن هذه الجهة يتحقّق الاطمئنان الكامل بعدم تحقّق التحليل من ناحيتهم (عليهم السلام) .