(الصفحة 125)
فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم(1) .
ثمّ إنّه حكي عن صاحب الحدائق (قدس سره)(2) أنّه جمع بين الطائفتين الاُوليين بحمل أخبار التحليل على خصوص حصّة الإمام(عليه السلام) ، وأنّه حلّل سهم الإمام(عليه السلام) الذي هو نصف الخمس لعموم الشيعة مطلقاً ، وحمل أخبار العدم على خصوص حصّة السادة العظام .
ويرد عليه
أوّلاً : عدم انحصار الروايات الواردة في هذا المجال بالطائفتين ، بل لنا طوائف ثلاثة كما عرفت (3) .
وثانياً : أنّ هذا الجمع مجرّد اقتراح لا شاهد له أصلاً ، خصوصاً مع التعليل بطيب الولادة المقتضي لحصول التحليل مطلقاً ، وإن كان لم يظهر لنا وجه التعليل بطيب الولادة; لأنّ عدم دفع الخمس المركّب من حصّة الإمام(عليه السلام) ومن سهم السادة العظام لا يوجب خللاً في النكاح وقدحاً فيه وإن كان المهر شخصيّاً غير مخمّس; لعدم اشتراط ذكر المهر أصلاً في النكاح الدائم المتعارف ، وكذا التعليل بطيب المتاجر والمساكن مع وقوع البيع بالإضافة إليهما بنحو الثمن الكلّي لا الشخصي ، ولذا حكي عن صاحب الجواهر (قدس سره) أنّه يخشى على من أمعن النظر فيها مريداً لإرجاعها إلى مقصد صحيح من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشيء(4) .
هذا ، وإن كان ربما يتوهّم من بعض الروايات في بادئ النظر صحّة هذا الجمع مثل :
- (1) التهذيب 4 : 138 ح389 ، الاستبصار 2 : 59 ح194 ، الوسائل 9 : 545 ، أبواب الأنفال ب4 ح6 .
- (2) الحدائق الناضرة 12 : 443 و 447 ـ 448 .
- (3) في ص120 .
- (4) جواهر الكلام 16 : 152 .
(الصفحة 126)
صحيحة ابن مهزيار قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر(عليه السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب بخطّه : من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ(1) . لكنّ الظاهر اختصاصها بالمعوزين وغير القادرين ، لا مطلقاً كما هو مدّعى صاحب الحدائق(2) .
ورواية أبي حمزة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، فقال تبارك وتعالى :
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(3)فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا ، والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلاّ كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً ، الحديث(4) .
وسندها ضعيف بعلي بن العبّاس الذي ضعّفه النجاشي صريحاً(5) ، وكذا في دلالتها مناقشة; لعدم إفادة انحصار التحليل بحقّ الإمام(عليه السلام) ، كما لا يخفى .
وثالثاً : أنّ ملاحظة الموارد المشابهة المشتملة على ثلاث طوائف من الروايات ـ : الإثبات المطلق ، والنفي كذلك ، والتفصيل بين موارد النفي والإثبات ـ تقتضي جعل الطائفة المفصّلة شاهدة للجمع بين الطائفتين الآخرتين ، فلِمَ لا يكون المقام كذلك بحمل أخبار التحليل على من انتقل إليه ما لا يخمّس ، يعني لم يدفع
- (1) التهذيب 4 : 143 ح400 ، الوسائل 9 : 543 ، أبواب الأنفال ب4 ح2 .
- (2) الحدائق الناضرة 12 : 429 .
- (3) سورة الأنفال 8: 41.
- (4) الكافي 8 : 285 ح431 ، الوسائل 9 : 552 ، أبواب الأنفال ب4 ح19 .
- (5) رجال النجاشي : 255 .
(الصفحة 127)
خمسه ، سواء كان الانتقال اختياريّاً أو قهريّاً كالإرث . غاية الأمر وقوع الاختلاف من جهة اختصاص التحليل بما إذا كان الانتقال ممّن لا يعتقد الخمس ، كالكافر والمخالف ، أو عدم الاختصاص بذلك والشمول لما إذا كان المنتقل إليه لم يؤدّ خمسه وإن كان معتقداً له كالشيعي الفاسق ؟ المعروف والمشهور هو الأوّل(1) كما صرّح به السيّد في العروة(2) ، ولكنّه ذهب بعض الأعلام (قدس سره) في تقريراته في الشرح إلى الثاني .
وخلاصة ما أفاده في هذا المجال أنّ العمدة في المسألة هما صحيحتا يونس بن يعقوب وسالم بن مكرم المتقدّمتان ، وهما مطلقتان من هذه الجهة ، ولا ريب في أنّ إطلاق دليل القيد مقدّم على الإطلاق الأوّلي ، فإذا قال مثلاً: «أعتق رقبة» وقال : «لا تعتق رقبة كافرة» فإنّ إطلاق دليل القيد والشمول للكافرة الكتابيّة يمنع عن شمول الإطلاق في «أعتق رقبة» للكافرة الكتابيّة .
وهنا يكون المذكور في الروايتين وقوع الأموال في الأيدي من أيّة جهة ممّن لم يؤدّ خمسها ، ومقتضى الإطلاق أنّه لا فرق بين غير المعتقد والمعتقد . ودعوى أنّ جميع الشيعة كانوا يخمّسون أموالهم ، فعدم الأداء دليل على كون من انتقل عنه ممّن لا يعتقد الخمس واضحة الفساد; لوجود الفاسق بين الشيعة كهذه الأزمنة ، ولا فرق بين الأزمان والأعصار من هذه الجهة ، فمقتضى إطلاق الروايتين عدم الفرق .
هذا ، ويمكن أن يقال : إنّ قول السائل في صحيحة يونس: «نعلم أنّ حقّك فيها ثابت» وفي صحيحة سالم: «حلّل لي الفروج» ، قرينة على العلم بعدم أداء الخمس ،
- (1) مسالك الأفهام 1 : 476 ، الروضة البهيّة 2 : 80 ، البيان : 221 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 407 مسألة 19 .
(الصفحة 128)
وهو لا يجتمع نوعاً إلاّ مع كون المنتقل عنه غير معتقد أصلاً للكفر أو المخالفة; لأنّه مع تشيّعه يجري بالإضافة إليه أصالة الصحّة; لعدم العلم بعدم أدائه نوعاً ، كما لا يخفى .
هذا ، ولكنّ الغلبة والنوعية لا توجب ندرة المقابل بحيث يصير ملحقاً بالمعدوم ولكن الاحتياط يوافق المشهور .
هذا ، وقد ذكر (قدس سره) في ذيل كلامه ما ملخّصه : أنّ هذا فيما إذا كان المنتقل من الغير بنفسه متعلّقاً للخمس ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ، بل كان الخمس ثابتاً في ذمّة من انتقل عنه لا في عين ماله ، فالظاهر خروجه عن نصوص التحليل ، كما لو أتلف متعلّق الخمس وانتقل الخمس إلى ذمّته ، ثمّ مات وانتقلت أمواله إلى وارثه الشيعي ، فإنّ مثل هذا غير مشمول لدليل التحليل ، وذلك لصيرورة الخمس في هذه الصورة ديناً ، والدين مقدّم على الإرث; لقوله تعالى :
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْن}(1) فالدين مقدّم على الإرث ، بل مقداره باق على ملك الميّت يصرف في تفريغ ذمّته عنه ، ولم ينتقل إلى الوارث لكي يتوهّم إندراجه في نصوص التحليل(2) .
بقي في أصل المسألة اُمور لابدّ من التعرّض لها :
أحدها : الهبات والهدايا والجوائز التي فرض في المسألة أنّه لا يصدق التكسّب بها ، وإن حكي عن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) صدق التكسّب عليها(3) ، نظراً إلى كونها من العقود المحتاجة إلى القبول ، والقبول أيضاً تكسّب ، والظاهر الاختلاف في
- (1) سورة النساء 4: 11 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 348 ـ 349 .
- (3) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم) : 84 .
(الصفحة 129)
ثبوت الخمس فيها وعدمه بحيث نسب كلّ من القولين قوله إلى الشهرة ومقابله إلى غير المشهور .
وبالجملة : بعد ظهور عدم تحقّق الإجماع على شيء من القولين لابدّ من ملاحظة الأدلّة .
فنقول : ظاهر المتن عدم الوجوب بعد عدم صدق التكسّب فيها ، وأنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي أداء الخمس فيها ، فنقول :
أمّا الآية الشريفة الواردة في الخمس فالظاهر بعد ملاحظة صدق عنوان «ما غنمتم من شيء» عليها الوجوب; لما عرفت(1) من عدم الاختصاص بغنائم دار الحرب وشمولها لمطلق الفائدة والاستفادة ، بل يمكن كما قيل دعوى الأولويّة بالإضافة إلى مثل ربح التجارة ، فإنّه إذا كان في الربح الحاصل بالمشقّة من جهة تغيير المكان ، أو تأخير الزمان ، أو تغيير الهيئة ونحوها مع استلزام الجميع للمشقّة الخمس ثابتاً يكون ثبوته في الهبة غير المتوقّفة على المشقّة نوعاً بطريق أولى ، ويمكن التمسّك في ذلك مع قطع النظر عن الأولويّة بمفهوم الموافقة الراجع إلى إلغاء الخصوصية وعدم ثبوتها .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّه لا مجال للمناقشة في دلالة الآية ، وكون التكسّب أمراً مستمرّاً نوعاً ، بخلاف مثل الهبة ممّا قد يتّفق لا يصلح لأن يكون فارقاً ، خصوصاً لو قلنا بصدق التكسّب عليها كما عرفت من الشيخ (قدس سره) .
وأمّا الروايات :
فمنها: صحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدّمة المشتملة على قول أبي جعفر