(الصفحة 131)
مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم ، فكتب (عليه السلام) : الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها ، وحرث بعد الغرام ، أو جائزة(1) .
هذا ، وذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاد البروجردي الذي كان له تبحّر في الأسانيد أنّ رواية أحمد بن محمد بن عيسى ، عن يزيد لا توجد في الكتب الأربعة إلاّ هذه الرواية ، و«يزيد» هذا مجهول من حيث الأب ومن حيث الحال(2) .
هذا ، ولكن المحكيّ في حاشية الوسائل الحديثة أنّ في هامش المخطوط أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد ، فتدبّر .
ومنها : ما رواه محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» نقلاً من كتاب محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر ، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب(عليه السلام) : الخمس في ذلك . وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً ، هل عليه الخمس؟ فكتب : أمّا ما أكل فلا ، وأمّا البيع فنعم هو كسائر الضياع(3) .
وربما يحتمل ـ كما احتمله سيّدنا الاُستاذ المذكور ـ أن يكون الصادر كلمة «لا خمس في ذلك» مكان «الخمس في ذلك» وهو وإن كان يؤيّده السياق ، فتدبّر . إلاّ أنّه لا دليل على ذلك ، خصوصاً بعد كون الرواية مأخوذة من مصدر صحيح ولم تقع إشارة إلى الخلاف .
- (1) الكافي 1 : 545 ح12 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح7 .
- (2) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 406 .
- (3) مستطرفات السرائر : 100 ح28 ، الوسائل 9 : 504 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح10 .
(الصفحة 132)
وأمّا بالنظر إلى السند فأحمد بن هلال وإن كان فاسد العقيدة منسوباً إلى الغلوّ تارةً وإلى النصب اُخرى(1) ، وعلى قول الشيخ (قدس سره)(2) يظهر أنّه لم يكن يتديّن بدين للبعد بين النسبتين بما بين المشرقين ، إلاّ أنّ الظاهر أنّه موثوق به في النقل ومقبول الرواية كما عن النجاشي(3) .
ومنها: غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
والمتحصّل من جميع ما ذكرنا بعد ملاحظة أنّ المسألة ليست بحدّ حتّى يلزم أن يكون الوجوب على تقديره ضرورياً ، بل الوجوب وعدمه من هذه الحيثية على حدٍّ سواء ، وقد عرفت ادّعاء الشهرة من كلتا الطائفتين(4) ، ومقتضى إطلاق الآية وبعض الروايات وإن كان هو الوجوب ، إلاّ أنّ انصراف الإفادة بيوم فيوم ـ كما مرّ في بعض الروايات(5) وإن كان في سندها محمد بن سنان ـ يوجب عدم الوجوب ، وعليه فمقتضى الاحتياط الوجوبي ذلك وإن كان ظاهر المتن الاحتياط الاستحبابي .
هذا ، ومثل الهبة والهدية والجائزة ، الصدقة المندوبة ، كما في المتن ، والمال الموصى به كما في العروة(6) .
ثانيها : الميراث ، وقد وقع فيه الاختلاف على أقوال ثلاثة ، ثالثها التفصيل بين
- (1) الفهرست للشيخ: 83 ، كمال الدين 1: 76 .
- (2) راجع كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم) : 86 و193 ، وحكاه عنه صاحب مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 212 .
- (3) رجال النجاشي : 83 .
- (4) في ص129 .
- (5) في ص117 ـ 118 .
- (6) العروة الوثقى 2 : 389 .
(الصفحة 133)
مطلق الإرث وبين الإرث ممّن لا يحتسب .
وظاهر المتن أنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي الثبوت مطلقاً . غاية الأمر أنّ رعاية الاحتياط كذلك في الإرث ممّن لا يحتسب يكون آكد وأشدّ وإن كان مشتركاً مع غيره في عدم الوجوب .
أقول : فالكلام يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في تعلّق الخمس بمطلق الإرث وعدمه كما لعلّه المشهور(1) ، وهو الظاهر; لأنّ الغنيمة في الآية الشريفة وإن كانت لا تختصّ بغنائم دار الحرب كما عرفت (2) ، بل هي بمعنى مطلق الفائدة والاستفادة ، إلاّ أنّ صدق الفائدة في نظر العرف على الميراث مشكل بل ممنوع ، ويؤيّده بل يدلّ عليه وجود الفرق بين مثل الميراث ومثل الهبة في شدّة الابتلاء به دون الثاني ، وعليه فلو كان الخمس ثابتاً في الإرث لكان بالغاً حدّ التواتر ، مع أنّ السيرة العمليّة القطعية من المتشرّعة على العدم .
المقام الثاني : في تعلّق الخمس بميراث من لا يحتسب وعدمه أيضاً ، والظاهر أنّ الدليل الوحيد في هذا الباب ـ بعد عدم شمول الآية الشريفة ـ صحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدّمة(3) المشتملة على عطف ميراث من لا يحتسب لعدم كونه أباً ولا إبناً على الجائزة التي لها خطر في تعلّق الخمس .
والظاهر أنّه ليس المراد منها عدم كون الوارث من الطبقة الاُولى من طبقات
- (1) السرائر 1 : 490 ، تذكرة الفقهاء 5 : 421 ، البيان : 219 ، كفاية الأحكام: 43 ، مدارك الأحكام 5: 384 ، مستند الشيعة 10: 52 ، كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم): 191 .
- (2) في ص108 ـ 109 .
- (3) في ص114 .
(الصفحة 134)
الإرث الثلاث ، بل المراد عدم تخيّل الوارث صيرورته كذلك .
والمثال الواضح ما أفاده السيّد في العروة من أنّه إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات وكان هو الوارث له(1) ، وقد عرفت(2) أنّ اشتمال الصحيحة على الإشكال لا يقدح في صحّة الاستدلال ، فهذا القسم من الإرث في حكم الهبة من جهة الاحتياط الوجوبي المتقدّم ، ولا يرد عليه ما ذكرناه في مطلق الإرث من أنّه لو كان متعلّقاً للخمس لبلغ حدّ التواتر; لوضوح ندرة هذا القسم من الإرث بخلاف مطلقه ، كما لا يخفى .
ثمّ ليعلم وجود الفرق بين هذا المقام وبين ما تقدّم في أخبار التحليل من جعل الطائفة الثالثة الدالّة على التفصيل بين من انتقل عنه ، وبين من انتقل إليه شاهدة للجمع بين الطائفتين الدالّتين على التحليل وعلى عدمه ، وهو أنّ محلّ البحث هناك في ثبوت التحليل وعدمه ، وهنا بعد الفراغ عن عدم ثبوت التحليل يكون البحث في أنّ الانتقال القهري المجّاني هل يوجب تعلّق الخمس بالوارث ، أو لا يوجب ولو كان ذلك مع العلم بأداء المورّث الخمس فضلاً عن الاعتقاد به ، فالفرق بين المسألتين واضح .
ثالثها : المهر وعوض الخلع ، فإنّ الظاهر عدم ثبوت الخمس فيهما .
أمّا عوض الخلع ، فلأنّه لا ينطبق عليه عنوان الغنيمة ولو بمعناها الوسيع الذي هو مطلق الفائدة; لعدم صدقها على عوض الخلع الذي هو عبارة عن المال المبذول بإزاء أن يطلّقها الزوج ، فالطلاق مبذول في عوض بذل الزوجة ، سواء كان بمقدار
- (1) العروة الوثقى 2 : 389 .
- (2) في ص114 ـ 117 .
(الصفحة 135)
المهر أو أقلّ أو أكثر ، فليس هنا مال بإزاء مال حتّى تتحقّق الغنيمة والفائدة .
وأمّا المهر ، فالظاهر فيه أيضاً عدم وجوب الخمس فيه ، إمّا لما ذكر من عدم صدق الغنيمة عرفاً على المهر ولو كان في النكاح المنقطع الذي يعتبر فيه ذكر المهر ، بخلاف النكاح الدائم الذي لا يعتبر فيه ذلك ، بل ولو كان أضعاف مهر المثل ، وإمّا لاستمرار سيرة المتشرّعة المتّصلة بزمن المعصوم(عليه السلام) على عدم الخمس في المهر مطلقاً ولو في النكاح المنقطع ، كما لا يخفى .
نعم ، هنا بعض الشبهات سيّما في النكاح المنقطع الذي يعتبر فيه ذكر المهر ، خصوصاً إذا كان أضعاف مهر المثل ، نظراً إلى التعبير عنهنّ بأنّهنّ مستأجرات(1) ، ولا ريب في ثبوت الخمس في باب الإجارة ، كما لو فرض أنّ شخصاً له دار ثانية اشتراها بالمال المخمّس وقد آجرها لمعاشه ، ففضل مال الإجارة عن مؤونة سنته ، فإنّه لا إشكال في ثبوت الخمس عليه بالإضافة إلى الزائد عن مؤونة السنة .
قال بعض الأعلام (قدس سره) ما ملخّصه : إنّه لا يقاس ذلك بباب الإجارات; ضرورة أنّ متعلّق الإجارة ليس له بقاء وقرار ولا يمكن التحفّظ عليه ، فلو لم ينتفع منه هو أو غيره يتلف ويذهب سدىً ، وهذا بخلاف الزوجيّة ، إذ للزوجة أن تبقي السلطنة لنفسها وتكون هي المالكة لأمرها دون غيرها ، وهذه السلطنة لها ثبات وبقاء ، كما أنّ لها بدلاً عند العقلاء والشرع وهو المهر ، فما تأخذه من الزوج يكون بدلاً عمّا تمنحه من السلطنة ، فيكون من قبيل تبديل مال بمال ولا ينطبق على مثله عنوان الغنيمة والفائدة(2) .
- (1) الكافي 5: 452 ح7 ، التهذيب 7: 258 ح1120 ، الاستبصار 3: 147 ح538 ، وسائل الشيعة 21: 18 ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ب4 ح2 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 217 .