(الصفحة 139)
الملاك هي الاُجرة الموزّعة على سنة واحدة; وهي نصف مال الإجارة المفروض ؟
قال بعض الأعلام (قدس سره) في هذا المجال ما خلاصته ترجع إلى أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم الاحتساب في باب الإجارة على الأعمال; لأنّه وإن كان قد ملك اُجرة السنة الآتية وقد تسلّمها على الفرض ، إلاّ أنّه بإزاء ذلك مدين فعلاً بنفس العمل في السنة الآتية ، ولابدّ من استثناء الدين في تعلّق الخمس ، فإنّه من المؤن ، فلا يصدق أنّه استفاد بلا عوض ليتعلّق به الخمس .
قال : فالمقام نظير ما لو استدان مبلغاً وبقي عنده إلى نهاية السنة ، فإنّه لا خمس فيه وإن كان ملكاً له; لكونه مديناً بمقداره للغير ، ولا فرق في استثناء الدين بين المتعلّق بالأموال أو الأعمال; لاشتغال الذمّة الموجب للاحتساب من المؤونة في الموردين بمناط واحد كما هو ظاهر ، فلا يصدق في شيء منهما عنوان الفائدة(1) .
أقول : الظاهر أنّ الدين بمجرّده لا يكون من المؤونة ، بل الذي يكون منها هو أداء الدين وردّه إلى صاحبه . فلو بنى المقترض على عدم أداء قرضه أصلاً ، فهو وإن كان خلاف الشرع لوجوب الأداء ، إلاّ أنّه مع البناء على العدم وعدم تحقّق الأداء لا مجال للاحتساب من المؤونة ، ومجرّد الاشتغال لا يوجب ذلك ، ففيما إذا اقترض مالاً سنتين وشرط الأداء أقساطاً في كلّ شهر مقداراً معيّناً ـ كما هو المتداول في هذه الأزمنة ـ فاللاّزم مراعاة الأداء في كلّ سنة ، فإذا أدّى نصفه فرضاً قبل حلول السنة الخمسية التي عيّنها بالإضافة إلى كلّ سنة يكون المقدار المؤدّى في كلّ سنة محسوباً من مؤونته ، ويجب عليه الخمس بالنسبة إلى المقدار الباقي من سهم قرض السنة وسائر المؤن المصروفة .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 220 .
(الصفحة 140)
مثلاً إذا اقترض ألفين بشرط أن يؤدّي في كلّ سنة ألفاً ، فإذا أدّى الألف في السنة الاُولى طبقاً للشرط فهو يعدّ من مؤونتها ، فإذا فضل له من الألف وسائر المؤن المصروفة فاللازم أداء خمس الفاضل ، ولا مجال لحساب المجموع في هذه السنة ، كما أنّه لا مجال لعدم احتساب الألف بعد أدائه وردّه إلى المقرض . نعم ، لو لم يؤدّ يجب عليه خمس الألف أيضاً ، وهكذا على هذا المنوال .
وفيما كان الدين هو العمل فأداؤه هو إيجاده في ظرفه المستأجر عليه فيه ، وعليه فاللازم هو التفصيل بين من لا يكون له البناء على العمل في السنة الآتية في المثال المفروض ، فالفاضل يعدّ بالإضافة إلى مجموع الاُجرة المستلمة لا اُجرة خصوص العمل في هذه السنة ، كما لا يخفى .
هذا في الإجارة على الأعمال .
وأمّا الإجارة على المنافع ، فالمحكيّ عن السيّد الحكيم (قدس سره) في منهاجه(1) هو الاحتساب ، نظراً إلى وجود الفرق بين المنفعة والعمل من حيث الاشتغال وعدمه .
ولكنّه أورد عليه بعض الأعلام (قدس سره) بما يرجع إلى أنّ هذا النوع من الإيجار لا يوجب نقصاً في ماليّة العين بطبيعة الحال ، ضرورة أنّ الدار المسلوبة المنفعة عشر سنين مثلاً أو أقلّ تسوى بأقلّ منها لو لم تكن مسلوبة ، فكانت تقوّم بألف والآن بثمانمائة مثلاً ، ولا شكّ أنّ هذا النقص لابدّ من احتسابه ومراعاته عند ملاحظة الفائدة ، فلا يستثنى من الاُجرة التي تسلّمها خصوص مؤونة هذه السنة ، بل يراعى النقص المزبور أيضاً .
قال في توضيحه : فلو فرضنا أنّ الدار تسوى ألف دينار ، وقد آجرها عشر
- (1) منهاج الصالحين 1 : 468 ـ 469 مسألة : 45 .
(الصفحة 141)
سنين بأربعمائة دينار ، وتسلّم الاُجرة بتمامها ، وصرف منها في مؤونته مائة دينار ، فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمائة دينار ، لم يجب الخمس في تمامه ، بل ينبغي تخريج مقدار يجبر به النقص الوارد على الدار الناشئ من كونها مسلوبة المنفعة تسع سنين . فلو فرضنا أنّ قيمتها في هذه الحالة ثمانمائة دينار فنقصت عن قيمتها السابقة مائتان يستثنى ذلك عن الثلاثمائة ، ولم يجب الخمس إلاّ في مائة دينار فقط ، إذ لم يستفد أكثر من ذلك ، ولا خمس إلاّ في الغنيمة والفائدة دون غيرها(1) .
ويمكن الجواب عن هذا الإيراد :
أوّلاً : بأنّ المؤجر قد لا يكون مالكاً للعين المستأجرة ، بل مستأجراً لها بدون اشتراط استيفاء المنفعة بالمباشرة ، أو أوصى له بمنفعة الدار عشر سنين ، أو صولح به عنها على ما هو المفروض في السؤال ، وعليه فلا يستوجب ذلك نقص قيمة الدار أو لا يرتبط به أصلاً ، كما لا يخفى .
وثانياً : أنّ نقصان قيمة العين بسبب الإجارة الكذائيّة لا يرتبط بالإجارة التي قد فرض فيها استلام مال الإجارة بأجمعه ، ومن الممكن أن لا يريد بيع العين أصلاً ، فلا وجه لجبران النقصان بسبب مال الإجارة ، كما أنّه من الممكن أن يكون أصل الدار إرثاً غير متعلّق للخمس . وإن اُريد الكسر والانكسار بالإضافة إلى طريق واحد كالتجارة فقط والصناعة كذلك ، فهو وإن كان صحيحاً في نفسه ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ إلاّ أنّه لا يختصّ الجبران بنقصان قيمة الدار ، بل يشمل سائر النقائص الحاصلة من ذلك الطريق في سنة واحدة .
وكيف كان ، فلم يظهر وجه جبران خصوص هذا النقصان من الربح ، مع أنّ
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 220 ـ 221 .
(الصفحة 142)
إجارة الدار سنتين مثلاً لا تؤثّر في نقصان قيمة الدار ، وإلاّ فاللازم تأثيرها في النقصان في إجارة سنة واحدة أيضاً ، فتدبّر .
رابعها : أنّه لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة كما في المتن ، وهذا التعبير يشعر بحصول الملكيّة في باب الخمس والزكاة ، مع أنّه ربما يقال بعدم حصول الملكية في باب الزكاة والخمس ، بل بكون الفقير ومثله مصرفاً في بابهما لا كونه مالكاً ، وحصول الملكية لمثله .
وكيف كان ، فعلى تقدير عدم حصول الملكية لا وجه لثبوت الخمس ; لأنّه لا خمس إلاّ في ملك ، وأمّا على فرض حصول الملكية فقد علّل عدم الوجوب بأنّ المستحقّ من السادة أو الفقراء يدفع إليه ما هو ملك له ويطلبه ، وهو يشكل صدق الفائدة; لانصرافها عنه .
وهذا التعليل وإن كان قد اُورد عليه بما يرجع عمدته إلى أنّ الملكية لا تنافي صدق الفائدة ، بل تعاضده وتقوّيه ، وقد مرّ أنّه لا خمس إلاّ في ملك ، إلاّ أنّ الظاهر ثبوت الانصراف; لأنّ الحكم المترتّب على الغنيمة تكون الغنيمة منصرفة عنه ، لا بمعنى عدم إمكان الشمول ، نظير ما ربما يقال من أنّ أدلّة حجّية خبر العادل لا تشمل الأخبار مع الواسطة ، كقول الشيخ (قدس سره) : «أخبرني المفيد كذا وكذا» نظراً إلى أنّ ثبوت موضوع إخبار المفيد بعد عدم كونه محرزاً وجداناً يتوقّف على شمول الدليل لقول الشيخ ، والحكم لا يؤثّر في تحقّق موضوعه; لأنّه بعد كون قضيّة دليل الحجّية قضية حقيقيّة لا خارجيّة لا مانع من تأثير الحكم في تشكيل موضوع آخر له ، كإخبار البيّنة وشهادتها بثبوت البيّنة وقيامها على أمر كالملكيّة ونحوها ، بل بمعنى الانصراف في المقام بخلاف الخبر والبيّنة ، كما عرفت ، هذا ما تقتضيه القاعدة .
وهنا رواية واحدة في هذا المجال ربما يتمسّك بها; وهي رواية علي بن الحسين
(الصفحة 143)
ابن عبد ربّه قال : سرّح الرضا(عليه السلام) بصلة إلى أبي ، فكتب إليه أبي : هل عليَّ فيما سرّحت إليَّ خمس؟ فكتب إليه : لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس(1) .
واُورد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى ضعف السند بسهل بن زياد الواقع فيه ـ باختصاص الرواية بموردها ، وهو ما إذا كان المعطي هو الإمام(عليه السلام) الذي هو صاحب الخمس دون غيره ، إذ الصاحب هو من له الولاية على الخمس ، وهو خصوص الإمام ، كما يفصح عنه قوله(عليه السلام) : «فأنا والله ما له صاحب غيري»(2) ، فغايته أنّ هدية الإمام(عليه السلام)لا خمس فيه ، ولا ربط لها بما نحن فيه من عدم الخمس فيما ملك بالخمس .
وإن شئت قلت : إنّ الرواية تنفي الخمس عن المال المملوك هديّة لا المملوك خمساً الذي هو محلّ الكلام ، وتوهّم أنّ المراد بالصاحب هو السيّد واضح الضعف ، فإنّه مصرفه وليس بصاحبه(3) .
أقول : دعوى وضوح ضعف كون المراد بالصاحب هو السيّد وإن كانت ممنوعة لاحتمال كونه هو المراد به ، وإن كان يؤيّد الدعوى أنّ السيّد لا يكون صاحباً لجميع الخمس ، بل لنصفه حسب السهام المذكورة في الآية الشريفة بخلاف الإمام(عليه السلام) ، فإنّه صاحب لجميع الخمس ملكاً وولاية ، إلاّ أنّ عدم ارتباط الرواية بالمقام واضح ، فإنّ موردها هديّة الإمام(عليه السلام) إلى الكاتب . والظاهر عدم كونه من السادة ، فغاية مفاد الرواية عدم ثبوت الخمس في صلة صاحب الخمس ، والكلام إنّما هو
- (1) الكافي 1 : 547 ح23 ، الوسائل 9 : 508 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب11 ح2 .
- (2) الوسائل 25 : 450 ، كتاب اللقطة ب7 ح1 .
- (3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 224 .