(الصفحة 153)
وميراث من لا يحتسب ، ولعلّ السرّ فيه عدم وجوب الخمس في مثلهما عنده كما تقدّم(1) وإن كان استحبابه يقتضي تعيين مبدأ السنة أيضاً .
ويمكن أن يكون الوجه استفادة حكمه من القسم الثاني بالأولويّة ، فإنّه إذا كان مبدأ السنة في مثل الزراعة حال ظهور الربح ففي الربح الحاصل اتّفاقاً بطريق أولى .
ثمّ إنّ صاحب العروة(2) جعل مبدأ السنة في التكسّب بالمعنى العام الشامل للتجارة والزراعة والصناعة هو الشروع فيه ، وفي مثل الهبة ظهور الربح .
وكيف كان ، فالمحكي عن جماعة(3) منهم الشهيد(4) أنّ الاعتبار بظهور الربح مطلقاً ولو في التكسّب ، فالمؤن المصروفة قبل ظهور الربح لا يستثنى من الربح الحاصل بعدها ، وقد حكم بعض الأعلام (قدس سره) بصحّته ، نظراً إلى أنّ المشتقّ وما في حكمه من الجوامد ظاهر في الفعليّة ، ولا يستعمل فيما انقضى إلاّ بالعناية(5) ، وحينئذ فمع ملاحظة أنّه لم يرد في النصوص عنوان عام الربح أو سنة الربح لما مرّ سابقاً(6) ، بل الوارد فيها عنوان مؤونتهم أو مؤونته ومؤونة عياله ، فاللازم أن يقال : إنّ المراد بالمؤونة هي المؤونة الفعلية غير الشاملة للمصروفة قبل الربح ، فإنّها كانت مؤونة سابقاً ، فلا مجال لإخراجها من الربح المتأخّر . وعلى تقدير الشكّ فمقتضى الاقتصار في المخصّص المنفصل المردّد بين الأقلّ ، والأكثر على الأقلّ الذي هو المتيقّن ، هو
- (1) في ص129 ـ 133 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 394 مسألة 60 .
- (3) كشف الغطاء 4 / 207 ـ 208 ، مدارك الأحكام 5 : 391 ، جواهر الكلام 16 : 81 .
- (4) مسالك الأفهام 1 : 467 ـ 468 ، الروضة البهيّة 2 : 77 .
- (5) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 248 .
- (6) في ص119 .
(الصفحة 154)
مسألة 11 : المراد بالمؤونة ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم ، ومنها ما يصرفه في زياراته وصدقاته وجوائزه وهداياه وضيافاته ومصانعاته ، والحقوق اللازمة عليه بنذر أو كفّارة ونحو ذلك ، وما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو دار أو فرش أو أثاث أو كتب ، بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده واختتانهم ولموت عياله وغير ذلك ممّا يعدّ من احتياجاته العرفيّة . نعم ، يعتبر فيما ذكر الاقتصار على اللائق بحاله دون ما يعدّ سفهاً وسرفاً ، فلو زاد على ذلك لا يحسب منها ، بل الأحوط مراعاة الوسط من المؤونة المناسبة لمثله; لا صرف غير اللائق بحاله وغير المتعارف من مثله ، بل لا يخلو لزومها من قوّة . نعم ، التوسعة المتعارفة من مثله من المؤونة . والمراد من المؤونة ما يصرفه فعلاً لا مقدارها ، فلو قتّر على نفسه أو تبرّع بها متبرّع لم يحسب مقداره منها ، بل لو وجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شيء كالحجّ أو اداء دين أو كفّارة ونحوها ولم يصرف فيه عصياناً أو نسياناً ونحوه لم يحسب مقداره منها على الأقوى1 .
الاقتصار على المؤونة اللاحقة وعدم الشمول للمؤونة السابقة على الربح .
والظاهر أنّ المراد من التكسّب في المتن هو الذي يترتّب عليه الربح من يوم الشروع ، غاية الأمر تدريجاً ويوماً فيوماً فتدبّر ; لأنّه من البعيد فيما لو فرض عدم ترتّب الربح إلاّ بعد ستّة أشهر مثلاً أن يستثنى مؤونة السنة الماضية قبل الربح منه ، كما لا يخفى .
1 ـ الغرض من هذه المسألة أيضاً بيان أمرين :
الأوّل : أنّ المراد بالمؤونة ما يحتاج إليه عادةً من نفقة نفسه وعياله مطلقاً كما
(الصفحة 155)
تقدّم(1) ، وما يحتاج إليه في جميع شؤونه الانفرادية والاجتماعية من الزيارات والصدقات والجوائز والهدايا ونحو ذلك ، أو يحتاج إليه عياله كذلك من الاحتياجات العرفية التي منها النفقة المصروفة لاختتان الأولاد أو تزويجهم وصرف ما يحتاج إليه بعنوان الجهيزية ، وموت العيال المستلزم للمؤن الكثيرة ، وغير ذلك من الأمثلة المذكورة في المتن وغيرها ، إنّما المهمّ في هذا الأمر الأوّل بيان جهتين :
الاُولى : أنّه لا إشكال في أنّ المؤونة المستثناة هي التي لا تبلغ حدّ السفه والإسراف; لانصرافها إلى المؤونة المتعارفة ، وهي تختلف باختلاف الأشخاص ، فربّ مؤونة يكون إسرافاً بالإضافة إلى شخص دون آخر ، لتموّله فرضاً تموّلاً كثيراً ، بل احتاط في المتن رعاية الوسط ، بل نفى خلوّه عن القوّة ، نظراً إلى أنّ الشخص الواحد ـ ولو كان في حالة واحدة من جهة الفقر والغنى ـ يمكن له أن يعيش في الرتبة الأعلى بحسب حاله ، ويمكن له أن يعيش في الرتبة الأدنى ، ولا يخرج شيء منهما عن مقتضى حاله ورعاية شأنه ، لكن رعاية الحدّ المتوسّط بين المرتبتين تكون بلا شبهة .
وقد عرفت(2) أنّ استثناء مؤونة السنة إنّما هو بالإضافة إلى خصوص هذا الأمر المتعلّق للخمس ، ولولا الدليل عليه لم نقل به بعد قيام الدليل على تعلّق الخمس بالربح ، فالقدر المتيقّن هو الحدّ الوسط ، وفي الحقيقة اللحاظ إنّما هو بالنسبة إلى المتعارف من مثله اللاّئق بحاله ، وقد فرض أنّ رعاية الوسط لا تكون خارجة عن
- (1) في ص119 ـ 120 .
- (2) في ص152 .
(الصفحة 156)
المتعارف . نعم ، التوسعة المتعارفة لا تكون قادحة ومضرّة .
الثانية : ظاهر المتن ـ كظاهر السيّد في العروة(1) ـ أنّه لا فرق فيما ذكر من رعاية التعارف بين الاُمور الدنيوية المذكورة ، وبين الاُمور الاُخروية التي لها ثواب وأجر في الآخرة ، فمن كان المتعارف في حقّ مثله زيارة مشهد الرضا(عليه السلام) في كلّ عام مرّة أو مرّتين إذا أراد أن يزوره في كلّ شهر مرّة يكون خارجاً عن التعارف ، وهكذا من يكون شأنه التصدّق كلّ يوم مائة تومان إذا أراد أن يتصدّق كلّ يوم ألفاً وفعل ذلك يكون كذلك .
مع أنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّه لا يصحّ التفصيل هنا ، فإنّ شأن كلّ مسلم التصدّي للمستحبّات الشرعية والقيام بالأفعال القربيّة امتثالاً لأمره تعالى وطلباً لجنّته ، وكلّ أحد يحتاج إلى ثوابه ويفتقر إلى رضوانه ، فهو يناسب الجميع ولا معنى للتفكيك بجعله مناسباً لشأن مسلم دون مسلم ، فلو صرف أحد جميع وارداته بعد إعاشة نفسه وعائلته في سبيل الله ذخراً لآخرته ولينتفع به بعد موته كان ذلك من الصرف في المؤونة; لاحتياج الكلّ إلى الجنّة ، ولا يعدّ ذلك من الإسراف أو التبذير بوجه(2) .
وهذا الذي أفاده وإن كان يطابقه الذوق الشرعي ويقتضيه فقر العموم إلى الاُمور الاُخرويّة ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ البحث في الجواز وعدمه أمر والبحث في المؤونة المستثناة من الربح المتعلّق للخمس أمر آخر ، فالشخص إن تصدّق بجميع ما زاد على مؤونته وإن لم يرتكب أمراً غير جائز ، إلاّ أنّ الكلام في استثناء هذا
- (1) العروة الوثقى 2 : 394 مسألة 61 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 250 ـ 251 .
(الصفحة 157)
مسألة 12 : لو كان له أنواع من الاستفادات من التجارة والزرع وعمل اليد وغير ذلك يلاحظ آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع ، فيخمّس الفاضل عن مؤونة سنته ، ولا يلزم أن يلاحظ لكلّ فائدة سنة على حدة1 .
التصدّق وعدمه ، ولا يبعد أن يقال بالعدم .
الثاني : أنّ المراد بالمؤونة هي الفعلية منها لا التقديريّة ، فلو قتّر على نفسه لم يحسب جميع مقدارها وإن كان الصرف جائزاً له على تقدير الصرف ، كما أنّه لو تبرّع بها متبرّع لم يحسب له مقدار ما تبرّع به; لعدم تحقّق المؤونة الفعليّة منه ، بل ذكر في المتن أنّه لو وجب عليه صرف مال في أثناء السنة لحصول الاستطاعة الموجبة للحجّ أو لأداء الدين أو للوفاء بالنذر أو مثله ، ولكنّه لم يصرف في هذه الاُمور عصياناً أو نسياناً أو نحوهما ، لا يبعد فيه عدم الاستثناء ; وذلك لأنّ وجوب الصرف لا يقتضي تحقّق المؤونة الفعلية ، فمجرّد الدين مثلاً في نفسه لا يوجب ذلك لو فرض بناؤه على عدم الأداء بوجه ، بل ما يعدّ منها إنّما هو الأداء كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وهكذا لو كان بناؤه على عدم الحجّ رأساً فرضاً ، وإن كان مستطيعاً يجب عليه الحجّ .
1 ـ القدر المسلّم المفروض في هذه المسألة ثبوت أنواع الاستفادات تدريجاً وعدم كون كلّ واحدة منها لها دفتر مستقلّ وتشكيلات مستقلّة ، كما سيأتي فرضه في بعض المسائل الآتية إن شاء الله تعالى . وعليه فهل ينضمّ بعض الأرباح إلى بعض آخر ويلاحظ المجموع بمنزلة ربح واحد ، وتستثنى مؤونة السنة من أوّل ربح حصل ، أو من أوّل الشروع في التكسّب على الخلاف المتقدّم(1) على إشكال يأتي ،