(الصفحة 164)
يليق بحاله ، فلو فرض كونه بحيث لا يحتاج إلى رأس المال أصلاً لكونه عاملاً في باب المضاربة مثلاً أو مشترياً للجنس نسيئة معمولاً ثمّ استفادة مقدار المعاش المذكور من هذا الطريق فالظاهر ثبوت الخمس عليه بلا إشكال .
إذا عرفت محلّ النزاع فالظاهر أنّ التحقيق يقتضي المصير إلى ما أفاده الماتن (قدس سره); لأنّ المستثنى من الأرباح وإن كان هي مؤونة السنة فقط لا أزيد ، إلاّ أنّ الأمر المحتاج إليه كذلك ربما يكون باقياً إلى ما بعد السنة أيضاً كالدار والفرش ونحوهما ، فأيّ فرق بين الدار والفرش وبين رأس المال إذا كان محتاجاً إليه في التجارة اللائقة بحاله؟
فلو فرض أنّ الشخص يحتاج في التجارة الكذائية إلى مليون مثلاً ، ولكن كانت مخارجه كذلك مائة ألف توماناً بحيث كان يستفيد ذلك المقدار من رأس المال لقلّة حيلته مثلاً ، فهل يمكن أن يقال بأنّ الواجب استثناء ما يعادل مؤونة السنة فقط ، أو أنّه يجوز له عدم إخراج الخمس من مجموع المليون; لكونه بحاجة منه في معاشه المناسب لشأنه؟ وأيّ فرق بينه وبين الدار لو كانت محتاجاً إليها مع بقائها سنوات عديدة ، ومجرّد كون رأس المال ثمناً نوعاً دون مثل الدار لا يصلح فارقاً ، وقياس المقام بما إذا جمع المال بعينه للجهيزية ونحوها دون ما إذا اشتراها تدريجاً مع الفارق أوّلاً ، وعدم وضوح ثبوت الحكم في المقيس عليه ثانياً ، كما سيأتي(1) أنّه لو كانت تهيئة الجهيزية مثلاً متوقّفة على حفظ أصل الثمن لتحقّق السرقة مع الشراء مثلاً أو نحوه ممّا يوجب الفقدان أو التغيير المعتبر عند العقلاء لا مانع من حفظ أصل الثمن مع كون القصد ذلك والتبديل بالجهيزية في وقتها ، وكذلك في باب تهيئة الدار مثلاً ، فإنّه إذا توقّفت على حفظ أصل الثمن لاشتراء الدار لما ذكر من السرقة ونحوها ،
(الصفحة 165)
لا مانع من الحفظ المذكور ولو كان في ضمن سنين عديدة إذا كانت الدار محتاجاً إليه .
نعم ، في المثال الذي ذكرناه في رأس المال يجب الخمس في الزائد على المليون المذكور وإن كان دخيلاً في التوسعة الزائدة على حاله ، فما أفاده الماتن (قدس سره) من التفصيل هو الظاهر .
وقد استند بعض الأعلام (قدس سره) في تفصيله المتقدّم إلى ما يرجع إلى أنّ المستثنى من الأرباح إنّما هو مؤونة السنة لا مؤونة عمره وما دام حيّاً ، وحينئذ فإذا اكتسب ما يفي بمؤونة سنته جاز أن يتّخذه رأس ماله من غير تخميس ، نظراً إلى أنّ صرف المبلغ المذكور يعني ثلاثمائة وستّين ديناراً فرضاً في المؤونة يمكن على أحد وجهين ; إمّا بأن يضعه في صندوق ويسحب منه كلّ يوم ديناراً ، أو بأن يشتري به سيّارة مثلاً ويعيش باُجرتها كلّ يوم ديناراً ، إذ الصرف في المؤونة لم ينحصر في صرف نفس العين ، بل المحتاج إليه هو الجامع بين صرف العين وصرف المنافع; لتحقّق الإعاشة بكلّ من الأمرين ، فهو مخيّر بينهما ولا موجب لتعيّن الأوّل(1) .
ويرد عليه أنّ الأمر في المثال المذكور وإن كان كما ذكره ، إلاّ أنّه في المثال الذي ذكرناه من الحاجة إلى مليون لتحصيل إعاشته التي هي عشر ذلك المبلغ يتوجّه عليه السؤال بأنّه ما الفرق بين المبلغ المذكور ، وبين الدار التي يحتاج إليها وتبقى سنين عديدة ، وكذلك مثل الدار ، كالفرش ونحوه ؟ فكما أنّ الدار مستثناة من الأرباح ولا يتعلّق بها الخمس ، كذلك رأس المال في المثال المفروض وإن كان زائداً على المؤونة السنوية كثيراً ، كما لا يخفى .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 246 .
(الصفحة 166)مسألة 14 : لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان مثلاً ولم يتعلّق بها الخمس ، كما إذا انتقل إليه بالإرث أو تعلّق بها لكن أدّاه ، فتارةً يبقيها للتكسّب بعينها كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلاّ بخشبها وأغصانها فأبقاها للتكسّب بهما ، وكالغنم الذكر الذي يبقيه ليكبر ويسمن فيكتسب بلحمه . واُخرى للتكسّب بنمائها المنفصل ، كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها ، وكالأغنام الاُنثى التي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها. وثالثة للتعيّش بنمائها وثمرها; بأن كان لأكل عياله وأضيافه . أمّا في الصورة الاُولى فيتعلّق الخمس بنمائها المتّصل فضلاً عن المنفصل ، كالصوف والشعر والوبر . وفي الثانية لا يتعلّق بنمائها المتّصل ، وإنّما يتعلّق بالمنفصل منه . كما أنّ في الثالثة يتعلّق بما زاد على ما صرفه في معيشته1 .
1 ـ لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان مثلاً ولم يتعلّق بها الخمس ، أو تعلّق بها ولكن أدّاه فبالإضافة إلى النماء مطلقاً يتصوّر صور :
الاُولى : ما إذا أبقاها للتكسّب بعينها كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلاّ بخشبها وأغصانها فأبقاها للتكسّب بهما ، وكالغنم المذكّر الذي يبقيه ليكبر ويسمن فيكتسب بهما ، ولا إشكال في تعلّق الخمس بالنماء في هذه الصورة مطلقاً: المتّصل والمنفصل ، كالصوف والشعر والوبر . لصدق الربح بالإضافة إلى كليهما . أمّا بالنسبة إلى النماء المنفصل فواضح . وأمّا بالنسبة إلى النماء المتّصل ، فلأنّه زيادة عينية حاصلة ، والظاهر أنّ الأمر كذلك بالإضافة إلى القيمة السوقية وإن لم يكن هناك زيادة عينية ، والمفروض عدم ثبوت الخمس بالنسبة إلى الأصل ، وقد تقدّم البحث في هذه الجهة في المسألة الثامنة المتقدّمة (1) .
(الصفحة 167)مسألة 15 : لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة فباع واشترى مراراً ، فخسر في بعضها وربح في بعض آخر يجبر الخسران بالربح ، فإذا تساويا فلا ربح ، وإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة ، وكذا لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد ممّا تعارف الاتّجار بها فيه من غير استقلال كلّ برأسه ، كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات ، بل وكذا لو اتّجر بالأنواع المختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد ، كما لو كان لتجارة واحدة ـ بحسب الدفتر والجمع والخرج ـ شعب كثيرة مختلفة ، كلّ شعبة تختصّ بنوع تجمعها شعبة مركزيّة ، أو مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج ، كلّ ذلك يجبر خسران بعض بربح بعض . نعم ، لو كان أنواع مختلفة من التجارة ومراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض بحسب الخرج والدخل
الثانية : ما إذا أبقاها للتكسّب بنمائها المنفصل ، كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها ، وكالأغنام الاُنثى التي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها ، والظاهر ثبوت الخمس في هذا النماء; لأنّ المفروض قصد التكسّب به . وأمّا المتّصل فهو خارج عن دائرة التكسّب ، والمفروض عدم ثبوت الخمس بالإضافة إلى الأصل .
الثالثة : ما إذا كان المقصود من إبقاء العين التعيّش بنمائها وثمرها دون التكسّب ، بل كان المقصود أكل عياله وأضيافه ، وفي هذه الصورة لا ينبغي الإشكال في عدم تعلّق الخمس بالمقدار المصروف مع فرض عدم التبذير والإسراف ، وأمّا بالإضافة إلى ما زاد عليه من الباقي بعد الصرف فالظاهر تعلّق الخمس به ; لأنّ المفروض كونه من الأرباح غير المصروفة ، ولا مدخليّة لعدم قصد التكسّب في عدم تعلّقه ، كما لا يخفى .
(الصفحة 168)
والدفتر والحساب ، فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر ، بل يمكن أن يقال: إنّ المعيار استقلال التجارات لا اختلاف أنواعها1 .
1 ـ في هذه المسألة أيضاً صور متعدّدة :
الصورة الاُولى : ما لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة في محلّ واحد ومركز فارد فباع واشترى مراراً ، فخسر في بعضها وربح في بعض آخر ، وهذه الصورة هو القدر المتيقّن من جبر الخسران بالربح وكون الملاك والمناط هي ملاحظة المجموع ، فإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة ، وهي المرتبطة بباب الخمس المتعلّقة له بعد استثناء المؤونة .
الصورة الثانية : ما لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد من غير استقلال كلّ برأسه ، كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات; لكثرة الدكاكين المشتملة على أجناس مختلفة ، ويختلف ذلك حسب اختلاف البلاد ، بل يوجد في بعض الدكاكين من القرى أجناس مختلفة كمال الاختلاف من المواد الغذائيّة والأثواب والألبسة وغيرهما ممّا يحتاج إليه الناس ، وفي هذه الصورة أيضاً ينجبر الخسران في البعض بالربح في الآخر ، لاتّحاد التجارة ولو كانت في أجناس مختلفة بعد كون المحلّ واحداً وحساب الدخل والخرج كذلك ، بل ربما لا يمكن أن يكون لكلّ جنس حساب مستقلّ برأسه ، فاللازم ملاحظة الكسر والانكسار وحساب المجموع; لأنّ الربح وعدمه عند العقلاء إنّما يلاحظان بالإضافة إليه كما هو غير خفيّ .
الصورة الثالثة : ما إذا اتّجر بأنواع مختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج ، ويلاحظ حال التاجر من جهة الربح والخسران بالإضافة إلى المجموع الذي يجمعها ذلك المركز ، والظاهر في هذه الصورة