(الصفحة 165)
لا مانع من الحفظ المذكور ولو كان في ضمن سنين عديدة إذا كانت الدار محتاجاً إليه .
نعم ، في المثال الذي ذكرناه في رأس المال يجب الخمس في الزائد على المليون المذكور وإن كان دخيلاً في التوسعة الزائدة على حاله ، فما أفاده الماتن (قدس سره) من التفصيل هو الظاهر .
وقد استند بعض الأعلام (قدس سره) في تفصيله المتقدّم إلى ما يرجع إلى أنّ المستثنى من الأرباح إنّما هو مؤونة السنة لا مؤونة عمره وما دام حيّاً ، وحينئذ فإذا اكتسب ما يفي بمؤونة سنته جاز أن يتّخذه رأس ماله من غير تخميس ، نظراً إلى أنّ صرف المبلغ المذكور يعني ثلاثمائة وستّين ديناراً فرضاً في المؤونة يمكن على أحد وجهين ; إمّا بأن يضعه في صندوق ويسحب منه كلّ يوم ديناراً ، أو بأن يشتري به سيّارة مثلاً ويعيش باُجرتها كلّ يوم ديناراً ، إذ الصرف في المؤونة لم ينحصر في صرف نفس العين ، بل المحتاج إليه هو الجامع بين صرف العين وصرف المنافع; لتحقّق الإعاشة بكلّ من الأمرين ، فهو مخيّر بينهما ولا موجب لتعيّن الأوّل(1) .
ويرد عليه أنّ الأمر في المثال المذكور وإن كان كما ذكره ، إلاّ أنّه في المثال الذي ذكرناه من الحاجة إلى مليون لتحصيل إعاشته التي هي عشر ذلك المبلغ يتوجّه عليه السؤال بأنّه ما الفرق بين المبلغ المذكور ، وبين الدار التي يحتاج إليها وتبقى سنين عديدة ، وكذلك مثل الدار ، كالفرش ونحوه ؟ فكما أنّ الدار مستثناة من الأرباح ولا يتعلّق بها الخمس ، كذلك رأس المال في المثال المفروض وإن كان زائداً على المؤونة السنوية كثيراً ، كما لا يخفى .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 246 .
(الصفحة 166)مسألة 14 : لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان مثلاً ولم يتعلّق بها الخمس ، كما إذا انتقل إليه بالإرث أو تعلّق بها لكن أدّاه ، فتارةً يبقيها للتكسّب بعينها كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلاّ بخشبها وأغصانها فأبقاها للتكسّب بهما ، وكالغنم الذكر الذي يبقيه ليكبر ويسمن فيكتسب بلحمه . واُخرى للتكسّب بنمائها المنفصل ، كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها ، وكالأغنام الاُنثى التي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها. وثالثة للتعيّش بنمائها وثمرها; بأن كان لأكل عياله وأضيافه . أمّا في الصورة الاُولى فيتعلّق الخمس بنمائها المتّصل فضلاً عن المنفصل ، كالصوف والشعر والوبر . وفي الثانية لا يتعلّق بنمائها المتّصل ، وإنّما يتعلّق بالمنفصل منه . كما أنّ في الثالثة يتعلّق بما زاد على ما صرفه في معيشته1 .
1 ـ لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان مثلاً ولم يتعلّق بها الخمس ، أو تعلّق بها ولكن أدّاه فبالإضافة إلى النماء مطلقاً يتصوّر صور :
الاُولى : ما إذا أبقاها للتكسّب بعينها كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلاّ بخشبها وأغصانها فأبقاها للتكسّب بهما ، وكالغنم المذكّر الذي يبقيه ليكبر ويسمن فيكتسب بهما ، ولا إشكال في تعلّق الخمس بالنماء في هذه الصورة مطلقاً: المتّصل والمنفصل ، كالصوف والشعر والوبر . لصدق الربح بالإضافة إلى كليهما . أمّا بالنسبة إلى النماء المنفصل فواضح . وأمّا بالنسبة إلى النماء المتّصل ، فلأنّه زيادة عينية حاصلة ، والظاهر أنّ الأمر كذلك بالإضافة إلى القيمة السوقية وإن لم يكن هناك زيادة عينية ، والمفروض عدم ثبوت الخمس بالنسبة إلى الأصل ، وقد تقدّم البحث في هذه الجهة في المسألة الثامنة المتقدّمة (1) .
(الصفحة 167)مسألة 15 : لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة فباع واشترى مراراً ، فخسر في بعضها وربح في بعض آخر يجبر الخسران بالربح ، فإذا تساويا فلا ربح ، وإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة ، وكذا لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد ممّا تعارف الاتّجار بها فيه من غير استقلال كلّ برأسه ، كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات ، بل وكذا لو اتّجر بالأنواع المختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد ، كما لو كان لتجارة واحدة ـ بحسب الدفتر والجمع والخرج ـ شعب كثيرة مختلفة ، كلّ شعبة تختصّ بنوع تجمعها شعبة مركزيّة ، أو مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج ، كلّ ذلك يجبر خسران بعض بربح بعض . نعم ، لو كان أنواع مختلفة من التجارة ومراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض بحسب الخرج والدخل
الثانية : ما إذا أبقاها للتكسّب بنمائها المنفصل ، كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها ، وكالأغنام الاُنثى التي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها ، والظاهر ثبوت الخمس في هذا النماء; لأنّ المفروض قصد التكسّب به . وأمّا المتّصل فهو خارج عن دائرة التكسّب ، والمفروض عدم ثبوت الخمس بالإضافة إلى الأصل .
الثالثة : ما إذا كان المقصود من إبقاء العين التعيّش بنمائها وثمرها دون التكسّب ، بل كان المقصود أكل عياله وأضيافه ، وفي هذه الصورة لا ينبغي الإشكال في عدم تعلّق الخمس بالمقدار المصروف مع فرض عدم التبذير والإسراف ، وأمّا بالإضافة إلى ما زاد عليه من الباقي بعد الصرف فالظاهر تعلّق الخمس به ; لأنّ المفروض كونه من الأرباح غير المصروفة ، ولا مدخليّة لعدم قصد التكسّب في عدم تعلّقه ، كما لا يخفى .
(الصفحة 168)
والدفتر والحساب ، فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر ، بل يمكن أن يقال: إنّ المعيار استقلال التجارات لا اختلاف أنواعها1 .
1 ـ في هذه المسألة أيضاً صور متعدّدة :
الصورة الاُولى : ما لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة في محلّ واحد ومركز فارد فباع واشترى مراراً ، فخسر في بعضها وربح في بعض آخر ، وهذه الصورة هو القدر المتيقّن من جبر الخسران بالربح وكون الملاك والمناط هي ملاحظة المجموع ، فإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة ، وهي المرتبطة بباب الخمس المتعلّقة له بعد استثناء المؤونة .
الصورة الثانية : ما لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد من غير استقلال كلّ برأسه ، كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات; لكثرة الدكاكين المشتملة على أجناس مختلفة ، ويختلف ذلك حسب اختلاف البلاد ، بل يوجد في بعض الدكاكين من القرى أجناس مختلفة كمال الاختلاف من المواد الغذائيّة والأثواب والألبسة وغيرهما ممّا يحتاج إليه الناس ، وفي هذه الصورة أيضاً ينجبر الخسران في البعض بالربح في الآخر ، لاتّحاد التجارة ولو كانت في أجناس مختلفة بعد كون المحلّ واحداً وحساب الدخل والخرج كذلك ، بل ربما لا يمكن أن يكون لكلّ جنس حساب مستقلّ برأسه ، فاللازم ملاحظة الكسر والانكسار وحساب المجموع; لأنّ الربح وعدمه عند العقلاء إنّما يلاحظان بالإضافة إليه كما هو غير خفيّ .
الصورة الثالثة : ما إذا اتّجر بأنواع مختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج ، ويلاحظ حال التاجر من جهة الربح والخسران بالإضافة إلى المجموع الذي يجمعها ذلك المركز ، والظاهر في هذه الصورة
(الصفحة 169)
مسألة 16 : لو اشترى لمؤونة سنته من أرباحه بعض الأشياء كالحنطة والشعير والدهن والفحم وغير ذلك وزاد منها مقدار في آخر السنة ، يجب إخراج خمسه قليلاً كان أو كثيراً . وأمّا لو اشترى فرشاً أو ظرفاً أو فرساً ونحوها ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها ، إلاّ إذا خرجت عن مورد الحاجة ، فيجب الخمس فيها على الأحوط1 .
أيضاً عدم استقلال كلّ شعبة ، بل ملاحظة حال ذلك المركز الواحد من جهة الربح والخسران بعد الكسر والانكسار .
الصورة الرابعة : ما لو اتّجر بأنواع مختلفة من التجارة في مراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض ، بل كان لكلّ مركز حساب مستقلّ ودفتر الدخل والخرج كذلك ، وقد استظهر في المتن في هذه الصورة عدم الانجبار ، بل احتمل أن يكون الملاك ذلك حتّى فيما لو كان الاتّجار بنوع واحد ، فإذا كان بائعاً ومشترياً للرزّ وكان له دكّان في الشرق ودكّان في الغرب ولا ارتباط بين الدكّانين ، بل كان لكلّ وضع مستقلّ فالانجبار غير متحقّق وإن كان نوع التجارة واحداً; وهي معاملة الرزّ مثلاً .
1 ـ الفرق بين مثل الحنطة والشعير ، وبين مثل الفرش والظرف مع اشتراكهما في كون شرائهما بعنوان المؤونة من أرباح سنة واحدة ، إنّما هو في أنّه يتوقّف الانتفاع من العين على إتلافها في الصورة الاُولى ، والانتفاع بها مع بقائها في الصورة الثانية ، فمع زيادة مقدار من الاُولى في آخر السنة يجب إخراج خمسه قليلاً كان أو كثيراً; لانكشاف عدم كونه من مؤونة السنة لفرض خروجها وبقائه . وهذا بخلاف الصورة الثانية ، فإنّ العين ببقائها لا تكشف عن عدم كونها مؤونة من الأوّل ، والفرض عدم خروجها عن مورد الحاجة .