(الصفحة 171)
خارج عن عموم الدليل ، فهو من قبيل التخصيص الأفرادي لا الأزماني ، كما أنّه لم يكن مقيّداً بعدم كونه مؤونة في السنة الآتية ، ولا بعدم الاستغناء في السنين القادمة ، فهذا الفرد بعد خروجه لا يكون مشمولاً لإطلاقات الخمس ، ومقتضى الأصل البراءة ، فلا موجب للاحتياط إلاّ استحباباً .
ومع التنزّل عن ذلك فلا ينبغي التأمّل في عدم مفرديّة الزمان في عموم الخمس المتعلّق بالأرباح ليلزم الانحلال ، بل هو ظرف محض ، فلكلّ فرد من الربح حكم وحداني مستمرّ من الخمس تكليفاً ووضعاً ، فإذا سقط الحكم عن فرد يحتاج عوده إلى دليل(1) ، انتهى .
وهذا الذي أفاده وإن كان متيناً جدّاً بالإضافة إلى المسألة الاُصولية التي هي مبنى المسألة ، كما أنّ الظاهر أنّ مورده صورة الخروج عن الحاجة بالإضافة إلى غير سنة الاسترباح ، ويؤيّده أنّ الاستغناء وعدمه حينئذ لا دخل له في المؤونة المستثناة من الربح في السنة الماضية; لعدم الارتباط بتلك السنة وعدم كونه معدوداً من ربح هذه السنة ، إلاّ أنّ خروجه عن ربح السنة الماضية لأجل كونه مؤونة ربما يقتضي أنّ الاستثناء يتوقّف على بقاء كونه كذلك ، فمع الخروج لا وجه لعدم تعلّق الخمس وإن كان الخروج عن مورد الحاجة في غير سنة الاسترباح ، وهذا الوجه لو لم يكن مقتضياً للحكم بالوجوب فلا أقل من اقتضائه الاحتياط الوجوبي ، فتدبّر جيّداً . لكنّ الظاهر كما ذكرنا في التعليقة عدم الوجوب .
ثمّ إنّ الخروج عن مورد الحاجة إن كان في نفس سنة الاسترباح كما لعلّه يقتضيه إطلاق العبارة في المتن وغيره ، فتارةً يكون الخروج موقتاً ، واُخرى لا يكون
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 258 ـ 259 .
(الصفحة 172)
كذلك ، ففي الصورة الاُولى كما إذا اشترى بخارياً لأجل الاصطلاء في الشتاء فانقضى الشتاء ولم يكن بحاجة بعد انقضائها إليه ، فالظاهر أنّه لا يتعلّق الخمس به بعد كونه مورداً للحاجة ولو في خصوص الشتاء . وفي الصورة الثانية كما إذا اشترى فرشاً لأجل الحاجة إليه ثمّ بذل له فرش أنسب من الأوّل فاستفاد منه فخرج الأوّل عن مورد الحاجة بالمرّة ، فالظاهر أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي الخمس; لأنّ بذل الآخر إيّاه وإن لم يكن بكاشف عن عدم كونه مورد الحاجة بوجه خصوصاً بعد ظهور الاحتياج إليه ولو في مدّة حقيقةً .
وقدذكرنافي تعليقتناعلى العروة التي استظهر فيهاالوجوب بنحوالاحتياط المطلق مطلقاً كما هنا ، بل الأقوى فيما إذا كان الاستغناء في أثناء السنة بنحو لا يحتاج إليه أصلاً ، وأمّافيما إذاكان بعدتمامها أوبنحويحتاج إليه فيما بعد فالظاهر عدم الوجوب(1).
ثمّ إن كان الخروج عن المؤونة لأجل لزوم بيعه مثلاً وإقامة فرش آخر أولى منه مقامه كما ربما يتّفق بالإضافة إلى الدار الذي احتاج إليه فاشتراه من الأرباح ثمّ احتاج إلى أوسع منه فباعه بقصد اشتراء دار آخر مقامه مناسب لشأنه كاف لحاجاته ، فإن كان ذلك في سنة الربح فلا إشكال ، وإن كان في السنة التي بعد سنة حصول الربح بناءً على ثبوت الخمس حينئذ ولو بنحو الاحتياط المطلق ، فإن كان ذلك بالمعاوضة العرفيّة; بأن أبدل الدار الصغيرة مثلاً بدار كبيرة كافية وإن استلزم الإبدال المذكور بذل مقدار من الربح ، فالظاهر أنّه لا مانع منه ولا يجب الخمس ، وإن كان ذلك متوقّفاً على بيع الأوّل مثلاً واشتراء الثاني ، فالظاهر أنّه بمجرّد الشراء يخرج من مؤونة السنة ويجب فيها الخمس ، إلاّ إذا انحصر طريق تحصيل الدار
- (1) الحواشي على العروة : 192 مسألة 67 .
(الصفحة 173)
مسألة 17 : إذا احتاج إلى دار لسكناه مثلاً ولا يمكنه شراؤها إلاّ من أرباحه في سنين عديدة فالأقوى أنّه من المؤونة إن اشترى في كلّ سنة بعض ما يحتاج إليه الدار ، فاشترى في سنة أرضها مثلاً ، وفي اُخرى أحجارها ، وفي ثالثة أخشابها وهكذا ، أو اشترى مثلاً أرضها وأدّى من سنين عديدة قيمتها إذا لم يمكنه إلاّ كذلك . وأمّا إبقاء الثمن في سنين للاشتراء فلا يعدّ من المؤونة ، فيجب إخراج خمسه . كما أنّ جمع صوف غنمه من سنين عديدة لفراشه اللاّزم أو لباسه إذا لم يمكنه بغير ذلك يعدّ من المؤونة على الأقوى ، وكذلك اشتراء الجهيزيّة لصبيّته من أرباح السنين المتعدّدة في كلّ سنة مقدارها يعدّ من المؤونة لا إبقاء الأثمان للاشتراء1 .
المناسبة مثلاً بهذا النحو ، لكن الأحوط في مثله الاستدارة مع أهلها .
1 ـ لا ينبغي الإشكال في العدّ من المؤونة في الموارد المذكورة في المتن إذا كان بالكيفيّة المذكورة في المتن أيضاً ، فإنّه لا مجال لتوهّم أنّ الدار التي يحتاج إليها لسكناه إنّما تكون من المؤونة إذا كان ربح سنة واحدة كافياً لشرائها ، ولا يجوز شراؤها من أرباح سنين عديدة بالكيفيّة المذكورة أو مثلها ، فإنّه على هذا التقدير ربما لا يقدر على الاشتراء مع كون المفروض الحاجة إليها لأجل السكنى والقدرة على الشراء في سنين عديدة ، مع أنّه يمكن أن يقال بالأولويّة ، فتدبّر جيّداً .
إنّما الإشكال في اختصاص العدّ من المؤونة بمثل الكيفيّات المذكورة ، فإنّه في مسألة الدار إذا لاحظ أنّ الاشتراء في كلّ سنة من الأرباح بعض ما يحتاج إليه الدار ربمايصير موجباً لتلف بعض ذلك بالسرقة أو تصرّف المطر أو الهواء مثلاً ولا يكون له مكان للحفظ أصلاً ، فأيّ مانع من جمع الثمن في مثل البنك ونحوه بهذا القصد
(الصفحة 174)
مسألة 18 : لو مات في أثناء حول الربح سقط اعتبار إخراج مؤونة بقيّة السنة على فرض حياته، ويخرج خمس ما فضل عن مؤونته إلى زمان الموت1 .
وبقائه إلى يوم الأخذ والاشتراء ، فهل هذا يوجب الخروج من المؤونة ؟ الظاهر العدم ، وكذلك في مسألة الجهيزية ، مثلاً إذا لاحظ أنّ اشتراءها تدريجاً يكون ملازماً لحفظه مع أنّه لا مكان له للحفظ مثلاً ، أو رأى استلزامه للاندراس ، أو لاحظ اختلاف الأنظار بحسب الأزمنة المتعدّدة ، خصوصاً إذا كانت كثيرة ، فإنّه إذا جمع الأثمان في البنك المذكور ونحوه بقصد تهيئة الجهيزية في الزمان اللازم ، فهل هذا لا يعدّ من المؤونة ؟ الظاهر العدّ .
نعم ، الظاهر أيضاً كما أشرنا إليه(1) اختصاص ذلك بمن لا يقدر على تحصيل جهاز العروس بغير النحو المذكور ، فالإنصاف أنّ تخصيص الجواز بخصوص النحو المذكور في المتن في غير محلّه ، بل الظاهر عدم ثبوت الخمس في الكيفيّة التي ذكرناها ، وقد وقع الجواب أخيراً من استفتاء المسألة المذكورة المبتلى بها غالباً بمثل ما ذكر في أجوبة الاستفتاءات .
1 ـ لظهور الدليل في أنّ المؤونة المستثناة من الربح ـ الذي أحد الاُمور المتعلّقة للخمس المراد منه ـ هي مؤونة السنة الفعلية المناسبة لشأنه وشرفه من دون إسراف ولا تبذير ، فمع فرض الموت في أثناء حول الربح يسقط اعتبار إخراج جميع السنة على فرض الحياة; لانتفاء الموضوع وعدم ثبوت المؤونة بالإضافة إلى بقيّة السنة ممّا بعد الموت .
وبعبارة اُخرى: المستثنى إنّما هي المؤونة الفعلية لا التقديريّة ، ولذا لو قتّر واقتصر على الأقلّ من المؤونة المناسبة لا يحسب التفاوت بوجه .
(الصفحة 175)
مسألة 19 : لو كان عنده مال آخر لا يجب فيه الخمس فالأقوى جواز إخراج المؤونة من الربح خاصّة وإن كان الأحوط التوزيع ، فلو قام بمؤونته غيره لوجوب أو تبرّع لم تحسب المؤونة ، ووجب الخمس من جميع الربح1.
1 ـ الأقوال في المسألة ثلاثة ، بعد بيان أنّ المراد ليس المال الذي لم تجر العادة بصرفه في المؤونة ، كدار السكنى ، أو رأس المال ونحوهما :
أحدها : جواز إخراج المؤونة من الربح خاصّة .
ثانيها : عدم الجواز أصلاً ، وربما نسب ذلك إلى المحقّق الأردبيلي (قدس سره)(1) .
ثالثها : جواز التوزيع بالنسبة .
وعلّل الأخير بأنّه مقتضى قاعدة العدل والإنصاف .
وعلّل الثاني بأنّ ما دلّ على جواز أخذ المؤونة من الربح ضعيف السند ، والعمدة الإجماع ودليل نفي الضرر ، والقدر المتيقّن صورة الاحتياج ، أمّا مع عدم الحاجة لوجود مال آخر فلا إجماع ، ومع قطع النظر عن المناقشة في السند فالدليل منصرف إلى صورة الاحتياج .
وممّا ذكر يظهر دليل القول الأوّل ، وأنّه مقتضى إطلاق دليل ثبوت الخمس بعد المؤونة ، فإنّ مقتضاه الشمول لمثل ما إذا كان له مال آخر ، كما لا يخفى .
أقول : أمّا المناقشة في دليل إخراج المؤونة من الربح فغير واضحة ، بل غير صحيحة ; لأنّ ما دلّ على ذلك كان مثل صحيحة علي بن مهزيار المتقدّمة(2) ، مع أنّ اشتهار الاستناد يكفي في الانجبار على تقدير الضعف .
- (1) مجمع الفائدة والبرهان 4 : 318 ، وحكاه عنه في مستمسك العروة الوثقى 9 : 540 .
- (2) في ص112 ـ 114 .