(الصفحة 177)مسألة 21 : الدين الحاصل قهراً مثل قيم المتلفات واُروش الجنايات ـ ويلحق بها النذور والكفّارات ـ يكون اداؤه في كلّ سنة من مؤونة تلك السنة ، فيوضع من فوائدها وأرباحها كسائر المؤن ، وكذا الحاصل بالاستقراض والنسيئة وغير ذلك إن كان لأجل مؤونة السنوات السابقة إذا أدّاه في سنة الربح ، فإنّه من المؤونة على الأقوى ، خصوصاً إذا كانت تلك السنة وقت أدائه . وأمّا الدين الحاصل من الاستقراض عن وليّ الأمر من مال الخمس المعبّر عنه بـ «دستگردان» فلا يعدّ من المؤونة حتّى لو أدّاه في سنة الربح ، أو كان زمان
أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح . وأمّا على تقدير كون مبدأ السنة حين تحقّق الربح فلما سيأتي في بعض المسائل الآتية من أنّ أداء هذاالنحو من الدين من المؤونة ، كما أنّ تكميل رأس المال للاكتساب المناسب لحاله من الربح قد مرّ أنّه لا مانع منه ولا يتعلّق به الخمس .
نعم ، ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّه بناءً على كون مبدأ السنة ظهور الربح مطلقاً كما استظهره من الأدلّة لا يجوز إخراج مقدار المؤونة المصروفة سابقاً من الربح المتأخّر لعدم الدليل عليه بوجه ، ثمّ استدرك صورة تحمّل المؤونة في سبيل تحصيل الربح كالسفر إلى بلاد بعيدة ، كما لو اشترى بضاعة من بغداد بمائة دينار مثلاً وذهب إلى لندن فباعها بخمسمائة درهم ، فإنّ ذلك يتكلّف بطبيعة الحال مصارف مأكله ومسكنه واُجور الطائرة ونحو ذلك ، فإنّ هذا كلّه يخرج من الربح المتأخّر قطعاً ، بل لا ربح حقيقة إلاّ فيما عداه (1) .
أقول : سيأتي التحقيق في مسألة أداء الدين من المؤونة إن شاء الله تعالى .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 256 ـ 257 .
(الصفحة 178)
أدائه في تلك السنة وأدّاه ، بل يجب تخميس الجميع ثمّ أداؤه من المخمّس ، أو أداؤه واحتسابه حين أداء الخمس وردّ خمسه1 .
1 ـ قد ذكرنا في التعليقة على العروة الدالّة على أنّ أداء الدين من المؤونة ، أنّ الأظهر أنّ الدين إن كان مقارناً ، فتارةً يكون لمؤونته في ذلك العام ، أو مؤونة أصل الاكتساب ، أو حصل بأسباب قهريّة ، واُخرى لغيرها ، كالصرف في شراء ضيعة لا يحتاج إليها ، ففي الأوّل يكون أداؤه من المؤونة ، وفي الثاني أيضاً يكون منها مع تلف ما استدان له كالضيعة في المثال . وأمّا مع بقائه فلا . وإن لم يكن مقارناً بل كان سابقاً ، فإن كان لمؤونة عام الربح فالظاهر أنّه كالمقارن ، وإلاّ فتارة لم يتمكّن من أدائه إلى عام حصول الربح ، واُخرى تمكّن ولم يؤدّه ، ففي الأوّل يكون وفاؤه من المؤونة مع عدم بقاء مقابله إلى عام الاكتساب وحصول الربح أو احتياجه إليه فيه ، وإلاّ فلا، وفي الثاني إشكال خصوصاً مع بقاء مقابلهوعدم احتياجه إليه فيه، انتهى(1).
أقول : الكلام في المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : ما إذا لم يكن الاستقراض من وليّ الأمر من مال الخمس المعبّر عنه بـ «دستگردان» . والحقّ أنّ الحكم فيه ما ذكرناه في التعليقة مع توضيح أنّ المراد من قيم المتلفات الأعمّ من المثلي المتلف والقيمي كذلك ، ومن أرش الجناية أعمّ من الدية في قتل العمد مع عدم إرادة القصاص ، ومع بيان أنّ الاستقراض لأجل المؤونة قبل عام الاكتساب إذا لم يتمكّن من أدائه إلاّ في عام الاكتساب من الأرباح يعدّ من المؤونة وإن جعلنا المبدأ حصول الربح لا الشروع في الاكتساب ، وإن كانت عبارة المتن مطلقة من جهة صورة التمكّن وعدمها ، إلاّ أنّ الظاهر
- (1) الحواشي على العروة : 192 مسألة 71 .
(الصفحة 179)
الاختصاص بصورة العدم; لأنّه لا وجه لعدّ أداء الدين لأجل مؤونة السنوات السابقة من مؤونة هذه السنة ، خصوصاً إذا جعلنا المبدأ حصول الربح إذا تمكّن من أدائه فيها ، غاية الأمر أنّه لم يؤدّه .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ اداء الدين لأجل مؤونة هذه السنة من المؤونة مطلقاً إنّما يتمّ على تقدير كون المبدأ الشروع في الاكتساب ، وأمّا على تقدير كون المبدأ حصول الربح فاللازم التقييد بصورة عدم التمكّن من الأداء إلاّ من طريق الربح الحاصل ، كما لا يخفى .
المقام الثاني : فيما إذا كان الاستقراض من وليّ الأمر من مال الخمس ، والمذكور في المتن أنّه لا يعدّ من المؤونة حتّى لو أدّاه في سنة الربح ، أو كان زمان أدائه في تلك السنة ، بل يجب تخميس الجميع ثمّ أداؤه من الخمس أو أداؤه واحتسابه حين أداء الخمس وردّ خمسه .
والظاهر أنّ الوجه في عدم كونه معدوداً من المؤونة أنّ المفروض عدم كون الاستقراض لمؤونة السنة أو لحصول أصل الاكتساب ، بل إنّما هو لمجرّد جواز التأخير في الأداء ، فالشروع في الاكتساب في هذا العام يتحقّق مع ملاحظته ، مثلاً لو فرض أنّ خمسه كان عشرة من خمسين فاستقرض العشرة من وليّ الأمر بالنحو المذكور ، فالشروع في الاكتساب في هذا العام يتحقّق بملاحظة خمسين المركّب من رأس المال والعشرة المستقرضة ، فاللازم عند تمامية السنة الثانية المشتملة على الربح أيضاً تخميس الجميع ثمّ أداؤه من المخمّس ، أو أداؤه واحتسابه حين أداء الخمس وردّ خمسه إلى وليّ الأمر .
هذا ، والظاهر أنّ المراد من تخميس الجميع الواجب كما في المتن الجميع المركّب ممّا استقرضه من مال الخمس من وليّ الأمر ومن أرباح السنة الثانية ، فيكون أصل
(الصفحة 180)
رأس المال والأرباح المخمّسة في السنة الباقية وما استقرضه دخيلاً في حصولها وتحقّقها ، فيجب تخميس هذا الجميع . وأمّا أصل رأس المال فالمفروض أنّه مخمّس أو غير متعلّق للخمس ، والأرباح المخمّسة لا يتعلّق بنفسها الخمس ثانياً ، فالمراد من الجميع ما ذكرنا .
وأمّا احتمال كون المراد خصوص جميع الأرباح فقط فلا يناسب مع كلمة «الجميع» ، فاللازم عند انتهاء السنة الثانية أداء ما استقرضه من المال المخمّس وخمسه وخمس الأرباح الحاصلة فيه .
فإذا فرض أنّ أصل رأس المال كان مائتين وقد ربح في السنة الاُولى مائة ، وأعطى خمسها إلى الحاكم ، ثمّ استقرض منه سنة ، فالتجارة في السنة الثانية إنّما هي بملاحظة ثلاثمائة ، والمفروض أنّه استفاد فيها مائة ونصفاً ، فاللازم إعطاء خمسمائة ونصف الذي هو ثلاثون وأداء العشرين المستقرضة من المال المخمّس ، فيجب عليه أداء خمسين ، ثلاثون بعنوان خمس جميع الأرباح ، وعشرون بعنوان أداء القرض من المال المخمّس .
أمّا تعلّق الخمس بجميع الأرباح الحاصلة في السنة الثانية فالوجه فيه واضح . وأمّا تعلّق الخمس بالعشرين المستقرضة فالوجه فيه أنّه غنيمة وفائدة حاصلة له وإن كان الواجب عليه ردّ مثلها .
ويمكن أن يكون المراد بالجميع هو خصوص أرباح السنة الثانية الحاصلة من رأس المال وممّا استقرضه ، والوجه فيه عدم تعلّق الخمس بالعشرين ، خصوصاً مع قصد الأداء كما هو المفروض ، فلا يتعلّق الخمس بنفسه ، بل بالربح الحاصل منه ، ولعلّ هذا الاحتمال هو الأظهر وإن كان التعبير بكلمة «الجميع» لعلّه لا يناسبه ، كما لايخفى .
(الصفحة 181)
مسألة 22 : لو استطاع في عام الربح ، فإن مشى إلى الحجّ في تلك السنة يكون مصارفه من المؤونة ، وإذا أخّر لعذر أو عصياناً يجب إخراج خمسه ، ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة وجب الخمس فيما سبق على عامّ الاستطاعة . وأمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا خمس فيه لو صرفه في المشي إلى الحجّ ، وقد مرّ جواز صرف ربح السنة في المؤونة ، ولا يجب التوزيع بينه وبين غيره ممّا لا يجب فيه الخمس ، فيجوز صرف جميع ربح سنته في مصارف الحجّ ، وإبقاء أرباح السنوات السابقة المخمّسة لنفسه 1.
1 ـ لا ينبغي الإشكال في أنّه إذا استطاع في عام الربح وتمكّن من المسير وسار إلى الحجّ في ذلك العام يكون مصارفه من المؤونة; لأنّ المفروض الصرف في الحجّ اللازم عليه شرعاً ، فهو من أوضح مصاديق المؤونة من دون جريان احتمال الخلاف بوجه . وأمّا إذا أخّر لعذر كعدم التمكّن من المسير فاللازم إخراج خمسه; لأنّ المفروض عدم الصرف وعدم الوجوب عليه شرعاً; لأنّ التأخير كان مستنداً إلى العذر الذي لا يجتمع مع الوجوب .
وأمّا إذا أخّر عصياناً مع تمكّنه من السير ووجود الاستطاعات المعتبرة بأجمعها فظاهر صاحب العروة(1) أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي إخراج الخمس من الاستطاعة الماليّة الحاصلة ، ولكن ظاهر المتن بل صريحه وجوب إخراج الخمس ، ولعلّه لأجل ما عرفت(2) من أنّ الدين بنفسه لا يكون من المؤونة ، بل الذي يعدّ منها إنّما هو الأداء المستلزم في المقام للصرف في مصارف الحجّ ، ولا يكفي مجرّد
- (1) العروة الوثقى 2 : 396 مسألة 70 .
- (2) في ص178 .