(الصفحة 183)
ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة فلا ينبغي الإشكال في لزوم إخراج الخمس من الأرباح قبل حصول الاستطاعة . وأمّا الربح المتمّم للاستطاعة في السنة الأخيرة مثلاً فيجري فيه ما ذكرنا من أنّه مع الصرف في الحجّ وصيرورته مؤونة فعليّة لا يجب فيه الخمس ، ويمكن له أن يصرف خصوص الربح الأخير في الحجّ من دون لزوم التخميس أصلاً; لما مرّ(1) من أنّه لو كان عنده مال مخمّس أو غير متعلّق للخمس لا يجب عليه الصرف في المؤونة منه أو التوزيع بينه وبين غيره ، وعليه فيجوز عليه إبقاء أرباح السنوات السابقة المخمّسة على حالها وصرف تمام الربح الأخير في الحجّ ، كما لا يخفى .
ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا في صورة إيداع المصارف عند مؤسّسة الحجّ والزيارة من الفروض والأحكام المذكورة إنّما يشترط فيها أمران :
أحدهما : كون المصارف عنده بصورة الأمانة ، بحيث كلّما أراد أن يستردّ أمكن له ذلك ، كما ربّما يقال ، وإلاّ فلو فرض عدم إمكان الاسترداد بوجه يكون الدفع إليها بمنزلة الصرف فيعدّ من المؤونة ، وإن كان أصل العمل يكون ظرف وقوعه بعد حلول الربح; لأنّها صارت مؤونة بمجرّد الدفع ، كما أنّه يشترط في الورقة الحاكية لذلك عدم صحّة النقل إلى الغير ، وإلاّ فمع الصحّة لا وجه للعدّ من المؤونة في صورة العدم .
ثانيهما : عدم إمكان الذهاب إلى الحجّ أو العمرة من طريق آخر غير مستلزم للعسر أو الحرج ، وإلاّ فلا يعتبر في الاستطاعة السربيّة موافقة المؤسّسة المزبورة . نعم ، في صورة عدم الإجازة من غير طريقها تكون المخالفة مع مقرّرات الحكومة
(الصفحة 184)
مسألة 23 : الخمس متعلّق بالعين ، وتخيير المالك بين دفعه منها أو من مال آخر لا يخلو من إشكال ، وإن لا يخلو من قرب إلاّ في الحلال المختلط بالحرام ، فلا يترك الاحتياط فيه بإخراج خمس العين ، وليس له أن ينقل الخمس إلى ذمّته ثمّ التصرّف في المال المتعلّق للخمس . نعم ، يجوز للحاكم الشرعي ووكيله المأذون أن يصالح معه ونقل الخمس إلى ذمّته ، فيجوز حينئذ التصرّف فيه ، كما أنّ للحاكم المصالحة في المال المختلط بالحرام أيضاً1.
الإسلامية غير جائزة ، وإن كان ذلك لا يضرّ بصحّة الحجّ أو العمرة كالسفر مع الدابّة الغصبية على ما قرّر في محلّه ، فتدبّر .
1 ـ من الواضح مغايرة هذه المسألة مع مسألة كيفيّة تعلّق الخمس ، وأنّها هل هي على سبيل الإشاعة ، أو الكلّي في المعيّن ، أو غيرهما من الاحتمالات التي لعلّها تجيء فيما بعد؟ فإنّ المبحوث عنه في هذه المسألة ارتباط الخمس وتعلّقه بنفس العين ، سيّما إذا كانت عينيّة ، وخصوصاً إذا كانت منفصلة ، ويتفرّع عليه في نفسه عدم كون المالك في نفسه مخيّراً بين دفع الخمس من العين ، وبين دفعه من مال آخر نقداً كان أو عروضاً; لأنّ المتعلّق إنّما هي العين ، فلو لم يصالح الحاكم الشرعي أو وكيله المأذون معه في هذه الجهة ونقل الخمس إلى ذمّته لا يجوز له ذلك ; لأنّ ظاهر الكتاب تعلّق الخمس بنفس
{ما غَنِمْتُم مِن شَىْء}(1) وكذا الروايات ظاهرة في هذه الجهة ; لأنّ مقتضاها كون العين ظرفاً ، سيّما ما دلّ على أنّ الخمس في خمسة أشياء مثلاً(2) .
- (1) سورة الأنفال 8: 41 .
- (2) الوسائل 9 : 488 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح9 و 11 .
(الصفحة 185)
هذا ، ولكنّ الظاهر التسالم على جواز النقل إلى الذمّة في باب الزكاة ، ومن المحتمل قويّاً عدم اختصاص هذا الأمر بذلك الباب ، وقد نقل في الوسائل رواية بهذا اللفظ; وهي صحيحة البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : هل يجوز أن اُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى ، أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجاب(عليه السلام) : أيّما تيسّر يخرج(1) .
وربما استفيد منها حكم الخمس أيضاً ، نظراً إلى أنّ قول السائل: «ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير» وإن كان مختصّاً بباب الزكاة ، إلاّ أنّ قوله : «ما يجب على الذهب» عامّ يشمل الخمس أيضاً ، فتدلّ الرواية بالمطابقة على جواز النقل في الذمّة في باب الخمس أيضاً .
ولكن يرد على هذه الاستفادة ـ مضافاً إلى ذكر الذهب في عداد الحنطة والشعير مع أنّه لا يجب فيهما إلاّ الزكاة . نعم ، ربما يجب الخمس فيهما أيضاً لكن لا بهذا العنوان ـ أنّ الذهب بما هو ذهب لا يجب فيه الخمس ، بل هو متعلّق بأحد الاُمور الخمسة أو السبعة بعنوانه ، كالمعدن والكنز والربح .
فالإنصاف أنّ الرواية من حيث هي لا دلالة لها على حكم الخمس ، ولا يكون قوله(عليه السلام) في الجواب: «أيّما تيسّر يخرج» مطلقاً شاملاً للإخراج بعنوان الخمس ، كما لايخفى .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا وجه لما يستفاد من تقريرات بعض الأعلام في الشرح على العروة من أنّه لو كانت الزكاة مذكورة في كلام الإمام(عليه السلام)
- (1) الكافي 3 : 559 ح1 ، الوسائل 9 : 192 ، أبواب زكاة الغلاّت ب9 ح1 .
(الصفحة 186)
لأمكن دعوى الاختصاص وأنّ للزكاة خصوصيّة من هذه الجهة ، لكنّها غير مذكورة في كلامه(عليه السلام)(1). وهذا الذي أفاده في غاية الغرابة ، فإنّ الجواب إنّما ينطبق على السؤال ، فلو فرض كون مورده خصوص الزكاة فلا وجه لتعميم الجواب بوجه ، إلاّ أن يدّعي إلغاء الخصوصية قطعاً ، أو اطمئناناً ، أو حكم العرف .
ثمّ إنّه نهى عن ترك الاحتياط بعدم نقل الخمس إلى الذمّة في صورة عدم المصالحة مع الحاكم أو وكيله المأذون في غير المال الحرام المختلط بالحلال من الاُمور المتعلّقة للخمس التي صرّح في أوّل الفصل بكونها اُموراً سبعة ، وظاهره عدم الجواز في المال المزبور في صورة عدم المصالحة المذكورة ، كما أنّه صرّح باستثناء الأمر المزبور .
ولعلّ وجه التفصيل أنّه مع النقل إلى الذمّة من عند نفسه لا وجه لصيرورة المال المختلط المشتمل على الحرام قطعاً ـ وإن كان مقداره غير معلوم كما سيجيء ـ حلالاً بأجمعه ، فإنّ الحرام الخارجي ولو كان معلوماً بالإجمال لا يصير حلالاً بذلك بعد بقاء عينه وعدم تلفه كما هو المفروض . وأمّا في غيره من الاُمور المتعلّقة للخمس فالنقل إلى الذمّة لا يؤثّر في الحقّ الذي يكون لأصحاب الخمس .
وبعبارة اُخرى: المقصود فيها رعاية حقوق الأصحاب ، وهي تتحقّق بذلك وإن كان خلاف الاحتياط مع عدم المصالحة ، والمقصود في هذا الأمر صيرورة المال المختلط حلالاً طاهراً ، وهو لا يتحقّق مع النقل ، أللّهمّ إلاّ مع المصالحة المزبورة بناءً على ثبوت الولاية للحاكم أيضاً ، كما لا يخفى .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 283 .
(الصفحة 187)
مسألة 24 : لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في الأرباح وغيرها وإن جاز التأخير إلى آخره في الأرباح احتياطاً للمكتسب ، ولو أراد التعجيل جاز له ، وليس له الرجوع على الآخذ لو بان عدم الخمس مع تلف المأخوذ وعدم علمه بأنّه من باب التعجيل1 .
1 ـ لعدم الدليل على اعتبار الحول في وجوب الخمس لا في الأرباح ولا في غيرها ، أمّا في غيرها فواضح ، وأمّا فيها فلأنّ مقتضى الدليل أنّ الخمس إنّما هو بعد استثناء المؤونة ، وليس مرجع ذلك إلى لزوم استثناء المؤونة ، ولا إلى أنّ لزومه إنّما يحدث بعد مؤونة السنة ، بل مرجعه إلى جواز التأخير إلى آخر السنة التي مبدؤها حال الشروع في الاكتساب ، أو حصول الربح على الخلاف المتقدّم(1) ; لاحتمال زيادة المؤونة واحتياطاً للمكتسب ، مع أنّ المؤونة المستثناة من الأرباح إنّما هي المؤونة الفعلية التي لا تعلم إلاّ بعد الحول .
وبالجملة : الجمع بين ظاهر الكتاب والسنّة الدالّ على تحقّق الوجوب بمجرّد الربح الذي هي غنيمة وفائدة ، وبين مثل قوله(عليه السلام) في الصحيحة المتقدّمة(2) : «الخمس بعد المؤونة» ـ بضميمة كون المراد بالمؤونة هي المؤونة الفعلية التي هي في معرض الكثرة والقلّة ـ يقتضي الحكم بأنّ الوجوب يتحقّق بمجرّد الربح ، إلاّ أنّه يجوز التأخير في الأداء إلى آخر السنة لاستثناء المؤونة .
وقد نسب الخلاف إلى الحلّي صاحب السرائر(3) وأنّه ذهب إلى أنّ التعلّق في آخر السنة ، وهو على تقدير صحّة النسبة لا يعرف له وجه ، والعمدة في التوهّم
- (1) في ص152 .
- (2) في ص118 .
- (3) السرائر 1 : 489 .