(الصفحة 186)
لأمكن دعوى الاختصاص وأنّ للزكاة خصوصيّة من هذه الجهة ، لكنّها غير مذكورة في كلامه(عليه السلام)(1). وهذا الذي أفاده في غاية الغرابة ، فإنّ الجواب إنّما ينطبق على السؤال ، فلو فرض كون مورده خصوص الزكاة فلا وجه لتعميم الجواب بوجه ، إلاّ أن يدّعي إلغاء الخصوصية قطعاً ، أو اطمئناناً ، أو حكم العرف .
ثمّ إنّه نهى عن ترك الاحتياط بعدم نقل الخمس إلى الذمّة في صورة عدم المصالحة مع الحاكم أو وكيله المأذون في غير المال الحرام المختلط بالحلال من الاُمور المتعلّقة للخمس التي صرّح في أوّل الفصل بكونها اُموراً سبعة ، وظاهره عدم الجواز في المال المزبور في صورة عدم المصالحة المذكورة ، كما أنّه صرّح باستثناء الأمر المزبور .
ولعلّ وجه التفصيل أنّه مع النقل إلى الذمّة من عند نفسه لا وجه لصيرورة المال المختلط المشتمل على الحرام قطعاً ـ وإن كان مقداره غير معلوم كما سيجيء ـ حلالاً بأجمعه ، فإنّ الحرام الخارجي ولو كان معلوماً بالإجمال لا يصير حلالاً بذلك بعد بقاء عينه وعدم تلفه كما هو المفروض . وأمّا في غيره من الاُمور المتعلّقة للخمس فالنقل إلى الذمّة لا يؤثّر في الحقّ الذي يكون لأصحاب الخمس .
وبعبارة اُخرى: المقصود فيها رعاية حقوق الأصحاب ، وهي تتحقّق بذلك وإن كان خلاف الاحتياط مع عدم المصالحة ، والمقصود في هذا الأمر صيرورة المال المختلط حلالاً طاهراً ، وهو لا يتحقّق مع النقل ، أللّهمّ إلاّ مع المصالحة المزبورة بناءً على ثبوت الولاية للحاكم أيضاً ، كما لا يخفى .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 283 .
(الصفحة 187)
مسألة 24 : لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في الأرباح وغيرها وإن جاز التأخير إلى آخره في الأرباح احتياطاً للمكتسب ، ولو أراد التعجيل جاز له ، وليس له الرجوع على الآخذ لو بان عدم الخمس مع تلف المأخوذ وعدم علمه بأنّه من باب التعجيل1 .
1 ـ لعدم الدليل على اعتبار الحول في وجوب الخمس لا في الأرباح ولا في غيرها ، أمّا في غيرها فواضح ، وأمّا فيها فلأنّ مقتضى الدليل أنّ الخمس إنّما هو بعد استثناء المؤونة ، وليس مرجع ذلك إلى لزوم استثناء المؤونة ، ولا إلى أنّ لزومه إنّما يحدث بعد مؤونة السنة ، بل مرجعه إلى جواز التأخير إلى آخر السنة التي مبدؤها حال الشروع في الاكتساب ، أو حصول الربح على الخلاف المتقدّم(1) ; لاحتمال زيادة المؤونة واحتياطاً للمكتسب ، مع أنّ المؤونة المستثناة من الأرباح إنّما هي المؤونة الفعلية التي لا تعلم إلاّ بعد الحول .
وبالجملة : الجمع بين ظاهر الكتاب والسنّة الدالّ على تحقّق الوجوب بمجرّد الربح الذي هي غنيمة وفائدة ، وبين مثل قوله(عليه السلام) في الصحيحة المتقدّمة(2) : «الخمس بعد المؤونة» ـ بضميمة كون المراد بالمؤونة هي المؤونة الفعلية التي هي في معرض الكثرة والقلّة ـ يقتضي الحكم بأنّ الوجوب يتحقّق بمجرّد الربح ، إلاّ أنّه يجوز التأخير في الأداء إلى آخر السنة لاستثناء المؤونة .
وقد نسب الخلاف إلى الحلّي صاحب السرائر(3) وأنّه ذهب إلى أنّ التعلّق في آخر السنة ، وهو على تقدير صحّة النسبة لا يعرف له وجه ، والعمدة في التوهّم
- (1) في ص152 .
- (2) في ص118 .
- (3) السرائر 1 : 489 .
(الصفحة 188)
المزبور ما دلّ على أنّ «الخمس بعد المؤونة» .
ولكن يرد على الاستناد به بعد حمل المؤونة على المؤونة الفعلية السنويّة وحمل الخمس على خمس الأرباح; لعدم استثناء تلك المؤونة من خمس غير الأرباح من المعدن والكنز ونحوهما ما ربما يقال من أنّ الظاهر أنّ المراد بالبعديّة ليست هي البعديّة الزمانيّة; لتدلّ الرواية على أنّ حدوث وجوب الخمس متأخّر عن إخراج المؤونة ، بل المراد البعديّة في المرتبة ، نظير قوله تعالى في باب الإرث
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْن}(1) ومرجع ذلك في المقام إلى أنّه يلاحظ الخمس فيما يفضل من المؤونة من الربح من غير نظر إلى الزمان قطعاً ، ولذا لو أدّى خمس الربح الحاصل في أثناء السنة من دون استثناء المؤونة أو مع استثناء المؤونة القطعية إلى آخر السنة لا مجال للارتياب في أجزائه وصحّته ، مع أنّه لو فرض ظهورها في ذلك في نفسه يكون مقتضى الجمع بين الأدلّة ذلك; لدلالتها من ناحية على كون عنوان الغنيمة والفائدة كافياً في الوجوب والثبوت ، ومن ناحية اُخرى على كون الخمس إنّما هو بعد المؤونة ، فهو من قبيل الواجب المشروط بالشرط المتأخّر ، نظير بيع الفضولي بناءً على كون الإجازة فيه كاشفة وشرطاً له بنحو الشرط المتأخّر .
ويؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه أنّ لازم إرادة البعدية الزمانية جواز إتلاف الربح أثناء السنة أو الصرف في غير المؤونة; لعدم لزوم حفظ القدرة قبل تعلّق التكليف ومرجع هذا إلى سقوط الخمس عنه ، ولا يلتزم به أحد حتّى الحلّي ظاهراً .
ويمكن أن يقال : بأنّ قوله(عليه السلام) : «الخمس بعد المؤونة» إمّا أن يراد بالمؤونة المذكورة فيه هي المؤونة المصروفة في تحصيل متعلّق الخمس من المعدن والكنز
(الصفحة 189)
والأرباح وغيرها ، كما ربما يؤيّده إطلاق كلمة الخمس وعدم التقييد بالأرباح ، وإمّا أن يراد بها خصوص مؤونة السنة ، وعليه لابدّ من أن يكون المراد بالخمس هو خصوص خمس الأرباح; لعدم استثناء مؤونة السنة من غير الأرباح من الاُمور المتعلّقة للخمس .
فعلى الأوّل لا يتحقّق عنوان الغنيمة والفائدة بدون استثناء المؤونة ; لأنّ المفروض الصرف في تحصيل ذلك العنوان ، ولا يتحقّق إلاّ فيما زاد عليه ، وفي المقام المؤونة المصروفة في تحصيل الربح لابدّ من أن تستثنى من الربح; لأنّه لا يتحقّق بدون ملاحظتها واستثنائها ، فمثل اُجرة السفر والدلاّل والحمّال يكون كذلك .
وعليه فلا تنافي بين مثل الآية الدالّة على تعلّق الخمس بمطلق الغنيمة ، وبين دليل استثناء المؤونة بوجه; لأنّ المفروض أنّه بدون الاستثناء لا يكاد يتحقّق عنوان الغنيمة والفائدة .
وعلى الثاني ـ الذي هو الظاهر بملاحظة أنّ استثناء مؤونة التحصيل لم يكن يحتاج إلى البيان; لوضوحه وظهوره بخلاف استثناء مؤونة السنة ـ يكون مقتضى الجمع بين الأدلّة ما ذكرنا من كون وجوب الخمس في الأرباح مشروطاً بشرط متأخّر ، بحيث كان أصل الوجوب معلّقاً على حصول الربح ، غاية الأمر جواز التأخير إلى آخر السنة; لاستثناء مؤونتها التي هي غير معلومة ابتداءً غالباً وفي معرض القلّة والكثرة ، فتدبّر جيّداً .
ويدلّ على ما ذكرنا السيرة القطعية العمليّة القائمة على ذلك ، فإنّ المتشرّعة لا يكادون يرتابون في جواز التأخير إلى آخر السنة ولو مع العلم بعدم كون المؤونة بقدر الربح وزيادته عليها كثيراً ، وإن كان يوجد فيهم بعض من يؤدّي خمسه بمجرّد الاسترباح ، كما أنّنا نعرفهم بأشخاصهم ، إلاّ أنّ البناء العملي الغالبي على غير
(الصفحة 190)
ذلك قطعاً .
وبمثلها يجاب عمّا ربما يمكن أن يتوهّم من أنّه كيف يجوز تأخير حقّ الغير الثابت بمجرّد تحقّق عنوان الغنيمة وظهور الربح ، خصوصاً مع إطلاق ما دلّ على عدم حلّ مال المسلم بغير إذنه(1) بمجرّد احتمال المؤونة ، سيّما مع العلم بزيادة الربح لأجل كثرته مثلاً على المؤونة المصروفة إلى نهاية السنة ، ولكن قد عرفت أنّ مقتضى السيرة ذلك ولو مع العلم المذكور ، كما لا يخفى .
بقي الكلام في الفرع الذي ذكره في ذيل المسألة ، وهو أنّه في صورة إرادة التعجيل وتحقّقه لو بان له في آخر السنة مثلاً عدم وجوب إخراج الخمس عليه لزيادة المؤونة أو قلّة الربح فلا يجوز له الرجوع إلى الآخذ وأخذ المثل أو القيمة منه مع شرط التلف وعدم علم الآخذ بكونه من باب التعجيل ، وظاهره أنّه مع الوجود أو علم الآخذ بكونه من باب التعجيل يجوز له الرجوع إليه ، أمّا على التقدير الأوّل فلأجل انكشاف كونه بعينه مال نفسه والمفروض عدم عروض التلف عليه . وأمّا على التقدير الثاني فلعلمه بكونه مراعى ، ومن الممكن عدم الوجوب عليه ، فهو بمنزلة الأمانة ، فعند الإتلاف ينطبق عليه إتلاف مال الغير ، فاللازم الضمان ، نظير ما إذا أتلف مالاً مردّداً بين كونه مال نفسه أو مال غيره ، وبعد الإتلاف انكشف كونه مال الغير ، فإنّه لا مجال لتوهّم عدم ثبوت الضمان في مثله ، بل لو تخيّل واعتقد كونه مال نفسه ثمّ أتلفه وانكشف كونه مال غيره يثبت الضمان هنا; لعدم مدخليّة العلم في ذلك كما قد حقّق في محلّه .
- (1) وسائل الشيعة 5: 120 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ب3 ح1 وج29: 10 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ب1 ح3 .