(الصفحة 192)
نسب إلى علمائنا وأصحابنا(1) ، بل ادّعي الإجماع عليه(2) صريحاً ، لكنّ المحكي عن جماعة مثل ابن أبي عقيل والمفيد وجمع آخر إنكار ذلك(3) ، وهم بين من نسب إليه الإنكار لأجل عدم التعرّض لهذا الأمر في تعداد الاُمور المتعلّقة للخمس ، وبين من صرّح ظاهراً بعدم الوجوب .
وكيف كان ، فالأصل في المسألة رواية وحيدة محكيّة عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) ، وإن كان ظاهر الوسائل أنّه في المسألة روايتان ، إحداهما مرويّة عنه ، والاُخرى عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) ، خصوصاً مع اختلاف يسير في التعبير; وهو إضافة كلمة «فيها» في الرواية الثانية(4) . لكنّ الظاهر وحدة الرواية ، وإن كانت الرواية الثانية من المرسلات المعتبرة; للنسبة إلى الصادق(عليه السلام) لا إلى الرواية كما ذكرنا مراراً ، وكون المروي عنه هو الباقر(عليه السلام) .
وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذّاء قال : سمعت أبا جعفر الباقر(عليه السلام)يقول : أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس(5) . والكلام في الرواية تارةً من حيث السند ، واُخرى من جهة الدلالة .
أمّا من الجهة الاُولى فالمحكي عن صاحب الجواهر (قدس سره)(6) الحكم بصحّة
- (1) منتهى المطلب 1 : 549 ، تذكرة الفقهاء 5 : 422 ، كنز العرفان 1 : 249 .
- (2) الخلاف 2: 73 ـ 74 مسألة 85 ، غنية النزوع : 129 .
- (3) حكاه العلاّمة في مختلف الشيعة 3 : 188 مسألة 144 .
- (4) وسائل الشيعة 9 : 505 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب9 ح2 .
- (5) التهذيب 4 : 139 ح393 ، الوسائل 9 : 505 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب9 ح1 .
- (6) جواهر الكلام 16 : 65 .
(الصفحة 193)
الرواية ، بل عن صاحب المدارك(1) القائل باعتبار الصحيح الأعلائي ذلك ، وتبعه في ذلك بعض الأعلام (قدس سره)(2) ، نظراً إلى أنّه لا يكون في السند من يغمز فيه .
لكن ذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) ما يرجع إلى أنّ المذكور في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى الذي هو الراوي عن الحسن بن محبوب أنّه لم يكن يروي عن الحسن بن محبوب مدّةً ، لمكان روايته عن أبي حمزة الثمالي الذي اتّفق وفاته في سنة 150(3) ، مع أنّ تولّد الحسن بن محبوب كان في سنة 224 ، مع أنّه قيل في مدّة حياته إنّها كانت خمساً وسبعين سنة(4) ، وعليه فكان تولّده قريباً من وفاته ، فكيف يمكن له النقل عنه من دون واسطة ، مع أنّه له روايات عنه ربما تبلغ عشرين رواية ، ولعلّه هو السرّ في ترك رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب; لكنّه حكي أنّه قد رجع عن هذه الرويّة ، ولعلّ السرّ فيه أنّه كانت روايات أبي حمزة التي حكاها الحسن عنه محفوظة مضبوطة في رسالة مثلاً ، فاستجاز أبو «الحسن» نقلها لابنه ، وإن كان حين الاستجازة غير قابل له . ويؤيّده شدّة اهتمامه بكون ولده «الحسن» من المتحمّلين للحديث وسلكه في هذه الطريقة ، بحيث حكي عنه أنّه جعل لكلّ رواية تحملها الحسن درهماً(5) ، وعليه فيمكن له نقل تلك الروايات من دون واسطة مستنداً إلى الاستجازة منه ، ومثل هذا الأمر
- (1) مدارك الأحكام 5 : 386 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 174 .
- (3) رجال الشيخ: 110 رقم 1083 وص174 رقم 2047 .
- (4) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي»: 584 رقم 1094 .
- (5) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي»: 585 رقم 1095 .
(الصفحة 194)
ثابت في بعض الموارد الاُخر (1) .
وعليه فيمكن الحكم بصحّة الرواية واعتبارها .
قلت : مع أنّ استناد المشهور إليها خصوصاً مع كونها رواية وحيدة في هذا الباب يجبر السند على تقدير الإشكال ، وعليه فلا يجوز الإعراض عن مفادها .
وأمّا من الجهة الثانية الراجعة إلى جهة الدلالة ، فنقول : يجري فيها احتمالان بالإضافة إلى الخمس المذكور فيها :
الأوّل : أن يكون المراد من الخمس المذكور في الرواية هو الخمس المعهود المصطلح ، بحيث كان هذا العنوان من العناوين المتعلّقة للخمس ، كسائر العناوين مثل المعدن والكنز والغوص ، ولازمه حينئذ أن يكون الخمس متعلّقاً بنفس الأرض بمجرّد الاشتراء مثلاً ، وأن يكون مصرفه مصرف سائر الاُمور المتعلّقة للخمس الذي سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى .
ويؤيّده ـ مضافاً إلى ظهور كلمة «الخمس» في الخمس الاصطلاحي الذي هو مقابل الزكاة ـ أنّه قد جعل في عداد تلك الاُمور في كثير من كتب الشيخ . وعليه فالرواية مستندة لهذا الحكم كما في الوسائل(2) . ويؤيّده ذكر كلمة «فيها» في مرسلة المفيد (قدس سره)(3) كما مرّ .
الثاني : أن يكون المراد من الخمس هما العشرين المذكورين في كتاب الزكاة ولازمه أن تكون الرواية مرتبطة بباب الزكاة ، كما أنّ لازمه أن يكون متعلّقاً بحاصل الأرض من الحنطة والشعير ; لعدم كون العين متعلّقة للزكاة بحيث كان
- (1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 386 ـ 388 .
- (2) الوسائل 9 : 505 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب9 .
- (3) المقنعة : 283 .
(الصفحة 195)
اللاّزم صرف العشر مثلاً من نفس الأرض ، ويؤيّده ـ مضافاً إلى عدم تعرّض الروايات الدالّة على الخمس لهذا النوع في عداد الاُمور المتعلّقة للخمس ، بل ظاهر بعضها حصر الخمس في الغنائم خاصّة ـ استناد الشيخ إلى هذه الرواية في باب الزكاة .
قال في الخلاف في كتاب الزكاة : إذا اشترى الذمّي أرضاً عشرية وجب عليه فيها الخمس ، وبه قال أبو يوسف ، فإنّه قال : عليه فيها عشران ، وقال محمّد : عليه عشر واحد ، وقال أبو حنيفة : تنقلب خراجية(1) (أي يصير الاختيار في تعيين المقدار إلى وليّ المسلمين) ، وقال الشافعي : لا عشر عليه ولا خراج(2) . دليلنا إجماع الفرقة ، فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة ، وهي مسطورة لهم منصوص عليها ، روى ذلك أبو عبيدة الحذّاء قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول : أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس(3) .
هذا ، والظاهر أنّ الترجيح إنّما هو مع الاحتمال الأوّل ، وذلك لعدم كون الأرض في الرواية الصحيحة المتقدّمة مقيّدة بالأراضي العشرية ، بل بالأراضي الزراعية أصلاً ، فإذا اشترى الذمّي من مسلم أرضاً للبناء مثلاً في وسط بلد كطهران ونحوه يكون مشمولاً للرواية ، مع أنّ الأرض المذكورة غير قابلة للزراعة فضلاً عن بلوغ نصاب الحاصل إلى مقدار يجب فيه الزكاة ، والتعجّب من الشيخ حيث إنّه بعد فرض المسألة في الأراضي العشرية كيف استدلّ بالرواية الواردة في اشتراء مطلق الأرض؟!
- (1) النتف في الفتاوى: 119 .
- (2) المجموع 5 : 455 .
- (3) الخلاف 2 : 73 ـ 74 مسألة 85 .
(الصفحة 196)
والعمدة في الترجيح أنّ التعبير بالخمس اصطلاح قرآني في مقابل الزكاة التي اُمر بإيتائها بعد الأمر بإقامة الصلاة كثيراً ، وعليه فيبعد أن يكون المراد به هما العشرين وإن كانا متساويين من حيث المقدار; لاتّحاد العشرين مع الخمس ، ولا يناسب التعبير بالخمس في باب الزكاة ولو فرض التساوي من حيث المقدار ، وذلك مثل أنّه لا يقال في مقام الاستغفار: «يا شديد العذاب» بل يقال : «يا غفّار» مثلاً مع وحدة الموصوف بالوصفين ، كما هو واضح . هذا ، مع أنّ مثل صاحب الوسائل استفاد من الرواية الخمس ، ولذا أوردها في كتاب الخمس في أبواب ما يجب فيه الخمس ، فراجع .
ثمّ إنّه على تقدير القول بإجمال الرواية واحتمالها لكلا الوجهين ، نظراً إلى عدم ثبوت الترجيح بالمرجّحات المذكورة ، هل يمكن الالتزام بترجيح الوجه الأوّل من طريق آخر؟ قيل: نعم ، نظراً إلى أنّ مقتضى حجّية الظنّ الحاصل من الانسداد الصغير هو ترجيح هذا الوجه ، والانسداد الصغير الجاري هنا أنّه بعد العلم بكون المراد من الخمس في الرواية هو أحد الأمرين ، فمقتضى قاعدة الاحتياط الجارية في موارد العلم الإجمالي وإن كان هو الالتزام بدفع خمس عين الأرض وحاصلها معاً ، إلاّ أنّا نعلم بعدم ثبوت هذا الاحتياط ، وأنّه لا يلزم الذمّي بدفع كلا الأمرين ، فلابدّ من الالتزام بما هو المظنون منهما ، ولا ريب في أنّ الظنّ حاصل بالإضافة إلى الوجه الأوّل ; نظراً إلى الوجوه المذكورة في مقام ترجيحه ، فلا محيص إلاّ عن حمل الرواية عليه ، ولا بأس بهذا القول كما لا يخفى .
المقام الثاني : في حدود الموضوع وخصوصيّاته ، ونقول : البحث فيها في اُمور :
منها : الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم ، فإنّه لا إشكال في أنّ الأرض إذا كانت خالية محضة معدّة للبناء أو الزرع ونحوهما مشمولة للحكم ومتعلّقة بعينها