(الصفحة 194)
ثابت في بعض الموارد الاُخر (1) .
وعليه فيمكن الحكم بصحّة الرواية واعتبارها .
قلت : مع أنّ استناد المشهور إليها خصوصاً مع كونها رواية وحيدة في هذا الباب يجبر السند على تقدير الإشكال ، وعليه فلا يجوز الإعراض عن مفادها .
وأمّا من الجهة الثانية الراجعة إلى جهة الدلالة ، فنقول : يجري فيها احتمالان بالإضافة إلى الخمس المذكور فيها :
الأوّل : أن يكون المراد من الخمس المذكور في الرواية هو الخمس المعهود المصطلح ، بحيث كان هذا العنوان من العناوين المتعلّقة للخمس ، كسائر العناوين مثل المعدن والكنز والغوص ، ولازمه حينئذ أن يكون الخمس متعلّقاً بنفس الأرض بمجرّد الاشتراء مثلاً ، وأن يكون مصرفه مصرف سائر الاُمور المتعلّقة للخمس الذي سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى .
ويؤيّده ـ مضافاً إلى ظهور كلمة «الخمس» في الخمس الاصطلاحي الذي هو مقابل الزكاة ـ أنّه قد جعل في عداد تلك الاُمور في كثير من كتب الشيخ . وعليه فالرواية مستندة لهذا الحكم كما في الوسائل(2) . ويؤيّده ذكر كلمة «فيها» في مرسلة المفيد (قدس سره)(3) كما مرّ .
الثاني : أن يكون المراد من الخمس هما العشرين المذكورين في كتاب الزكاة ولازمه أن تكون الرواية مرتبطة بباب الزكاة ، كما أنّ لازمه أن يكون متعلّقاً بحاصل الأرض من الحنطة والشعير ; لعدم كون العين متعلّقة للزكاة بحيث كان
- (1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 386 ـ 388 .
- (2) الوسائل 9 : 505 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب9 .
- (3) المقنعة : 283 .
(الصفحة 195)
اللاّزم صرف العشر مثلاً من نفس الأرض ، ويؤيّده ـ مضافاً إلى عدم تعرّض الروايات الدالّة على الخمس لهذا النوع في عداد الاُمور المتعلّقة للخمس ، بل ظاهر بعضها حصر الخمس في الغنائم خاصّة ـ استناد الشيخ إلى هذه الرواية في باب الزكاة .
قال في الخلاف في كتاب الزكاة : إذا اشترى الذمّي أرضاً عشرية وجب عليه فيها الخمس ، وبه قال أبو يوسف ، فإنّه قال : عليه فيها عشران ، وقال محمّد : عليه عشر واحد ، وقال أبو حنيفة : تنقلب خراجية(1) (أي يصير الاختيار في تعيين المقدار إلى وليّ المسلمين) ، وقال الشافعي : لا عشر عليه ولا خراج(2) . دليلنا إجماع الفرقة ، فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة ، وهي مسطورة لهم منصوص عليها ، روى ذلك أبو عبيدة الحذّاء قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول : أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس(3) .
هذا ، والظاهر أنّ الترجيح إنّما هو مع الاحتمال الأوّل ، وذلك لعدم كون الأرض في الرواية الصحيحة المتقدّمة مقيّدة بالأراضي العشرية ، بل بالأراضي الزراعية أصلاً ، فإذا اشترى الذمّي من مسلم أرضاً للبناء مثلاً في وسط بلد كطهران ونحوه يكون مشمولاً للرواية ، مع أنّ الأرض المذكورة غير قابلة للزراعة فضلاً عن بلوغ نصاب الحاصل إلى مقدار يجب فيه الزكاة ، والتعجّب من الشيخ حيث إنّه بعد فرض المسألة في الأراضي العشرية كيف استدلّ بالرواية الواردة في اشتراء مطلق الأرض؟!
- (1) النتف في الفتاوى: 119 .
- (2) المجموع 5 : 455 .
- (3) الخلاف 2 : 73 ـ 74 مسألة 85 .
(الصفحة 196)
والعمدة في الترجيح أنّ التعبير بالخمس اصطلاح قرآني في مقابل الزكاة التي اُمر بإيتائها بعد الأمر بإقامة الصلاة كثيراً ، وعليه فيبعد أن يكون المراد به هما العشرين وإن كانا متساويين من حيث المقدار; لاتّحاد العشرين مع الخمس ، ولا يناسب التعبير بالخمس في باب الزكاة ولو فرض التساوي من حيث المقدار ، وذلك مثل أنّه لا يقال في مقام الاستغفار: «يا شديد العذاب» بل يقال : «يا غفّار» مثلاً مع وحدة الموصوف بالوصفين ، كما هو واضح . هذا ، مع أنّ مثل صاحب الوسائل استفاد من الرواية الخمس ، ولذا أوردها في كتاب الخمس في أبواب ما يجب فيه الخمس ، فراجع .
ثمّ إنّه على تقدير القول بإجمال الرواية واحتمالها لكلا الوجهين ، نظراً إلى عدم ثبوت الترجيح بالمرجّحات المذكورة ، هل يمكن الالتزام بترجيح الوجه الأوّل من طريق آخر؟ قيل: نعم ، نظراً إلى أنّ مقتضى حجّية الظنّ الحاصل من الانسداد الصغير هو ترجيح هذا الوجه ، والانسداد الصغير الجاري هنا أنّه بعد العلم بكون المراد من الخمس في الرواية هو أحد الأمرين ، فمقتضى قاعدة الاحتياط الجارية في موارد العلم الإجمالي وإن كان هو الالتزام بدفع خمس عين الأرض وحاصلها معاً ، إلاّ أنّا نعلم بعدم ثبوت هذا الاحتياط ، وأنّه لا يلزم الذمّي بدفع كلا الأمرين ، فلابدّ من الالتزام بما هو المظنون منهما ، ولا ريب في أنّ الظنّ حاصل بالإضافة إلى الوجه الأوّل ; نظراً إلى الوجوه المذكورة في مقام ترجيحه ، فلا محيص إلاّ عن حمل الرواية عليه ، ولا بأس بهذا القول كما لا يخفى .
المقام الثاني : في حدود الموضوع وخصوصيّاته ، ونقول : البحث فيها في اُمور :
منها : الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم ، فإنّه لا إشكال في أنّ الأرض إذا كانت خالية محضة معدّة للبناء أو الزرع ونحوهما مشمولة للحكم ومتعلّقة بعينها
(الصفحة 197)
للخمس بعد ثبوت أصل الحكم وإثبات الدليل إيّاه ، بل هو القدر المتيقّن من الموضوع للحكم المذكور ، كما أنّه لو كان الأمر المشترى شيئاً غير مرتبط بالأرض رأساً ولا مشتملاً عليها ، كما إذا اشترى أشجار البستان فقط ، أو اشترى سهم الإرث الثابت للزوجة بناءً على كونها ممنوعة من إرث الأرض مطلقاً ، لا مجال لاحتمال ثبوت الخمس على الذمّي .
إنّما الكلام والإشكال فيما إذا اشترى دكّاناً أو خاناً أو داراً أو حمّاماً أو نحوها ممّا هو مشتمل على الأرض أيضاً ، فإنّه قد وقع الاختلاف في ثبوت الخمس بالإضافة إلى أرضها ، فالمحكيّ عن الفاضلين(1) والمحقّق الثاني(2) الاختصاص بأرض الزراعة .
ويظهر من المتن التفصيل بين ما إذا كانت الأرض المشتراة مبيعة تبعاً للعناوين المذكورة ، فلا يجب فيها الخمس ، وبين ما إذا كانت مبيعة مستقلّة ، فاللازم فيها الخمس ، ولعلّ السرّ فيه أنّ الصادق حينئذ اشتراء الدار أو الدكّان أو الحمّام لا اشتراء الأرض الذي هو الموضوع في الرواية .
ولكن الذي ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ ما يرجع إلى مثل الدار مركّب من الأرض والبناء ، فالأرض جزء من المبيع ، ولا مجال لدعوى التبعية التي مرجعها إلى كونها خارجة عن المبيع بالذات وداخلة فيه بالتبع ، ولذا يحصل للمشتري خيار تبعّض الصفقة إذا انكشف كون الأرض مستحقّة للغير ، فدخولها في المبيع إنّما هو كالدخول فيما إذا اشترى أرضاً مع أرض آخر ، فالتبعية أمر والجزئية والضمنية أمرٌ
- (1) المعتبر 2 : 624 ، منتهى المطلب 1 : 549 .
- (2) جامع المقاصد 3 : 52 .
(الصفحة 198)
آخر ، فلِمَ لا يصدق عنوان الموضوع في الرواية بعد ثبوت الإطلاق لها(1)؟
ويمكن الإيراد عليه بأنّه بعد عدم إحاطتنا بحكمة أكثر الأحكام ـ سيّما العبادات المبنيّة على التعبّد ـ أنّ شمول الحكم لمورد تابع لصدق عنوان موضوعه عليه عرفاً ، ومن المعلوم أنّه لا يصدق عنوان اشتراء الأرض على من اشترى الدار أو الدكّان مثلاً ، فإنّ مثلهما وإن كان مشتملاً على الأرض لا بنحو التبعية ، بل بنحو الجزئية والضمنية ، إلاّ أنّ اشتراء الأرض يغاير عنوان اشتراء الدار ، فلا يقال لمن اشترى داراً: إنّه اشترى أرضاً ، وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع مركّباً من الأرض وغيره ، كما إذا اشترى أرضاً وأثواباً مثلاً . نعم ، لو اشترى أرض هذه الاُمور مستقلّة عن البناء ونحوه يصدق عنوان اشتراء الأرض ، كما لا يخفى .
ومنها : عنوان الاشتراء المذكور في الموضوع ، فإنّ فيه خصوصيات ثلاثاً: الانتقال ، وكون الانتقال في مقابل العوض ، وكون الانتقال كذلك بعنوان الاشتراء في مقابل الصلح المعاوضي والهبة المعوّضة ومثلهما . وإلغاء الخصوصية من جهة الخصوصية الثالثة وإن كان أمراً ممكناً في نفسه ، إلاّ أنّ الظاهر بمقتضى ما ذكرنا عدم جواز إلغاء الخصوصية بعد كون الموضوع عنوان الاشتراء ، ومرجعه إلى لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للأصل والقاعدة على القدر المتيقّن .
ولكنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) : أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي إلغاء خصوصيّة الشراء بحسب الفهم العرفي ، وأنّ الاعتبار بمطلق الانتقال من المسلم إلى الذمّي كيفما اتّفق ولا خصوصيّة للشراء ، فالمقام نظير منع المسلم عن بيع شيء من الذمّي كالعبد المسلم ، فإنّه لا يرى العرف خصوصيّة للانتقال البيعي .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 177 .