(الصفحة 221)
حسب ما عرفت ، فهو أيضاً مخيّر بينه وبين الصدقة .
وأمّا رواية السكوني فهي أيضاً غير ظاهرة في الوجوب التعييني ، إذ هي في مقام دفع توهّم الحظر من أجل تخيّل عدم جواز التصرّف في مال الغير حتّى بنحو التصدّق عن صاحبه ، فغاية ما هناك أنّها ظاهرة في الجواز ، وأنّه يجوز الاكتفاء بالتصدّق بمقدار الخمس من غير أن يتعيّن في ذلك ، بل يجوز التخلّص بالتصدّق بنحو آخر حسبما عرفت آنفاً ، والنتيجة هو التخيير بين الأمرين ، انتهى .
ثمّ إنّه قد أورد عليه الملخِّص بوجوه :
منها : أنّ ما ادّعاه في رواية السكوني من ورود الأمر فيها موقع توهّم الحظر فليس الأمر كذلك بحيث يمنع عن ظهور الأمر في الوجوب ، فإنّ التصدّق بمال الغير وإن كان حراماً ، لكن ليس كلّ محرّم يمنع عن ظهور الأمر المتعلّق به في الوجوب ، فإنّ السؤال هنا عن الوظيفة الفعلية في مقام تفريغ الذمّة بعدما كان يعلم السائل بعدم جواز التصرّف في مال الغير .
وهذا الإيراد في محلّه ، ضرورة أنّه لو فرض مثلاً أنّ حفظ نفسه يتوقّف على أكل مال الغير ، فإذا تعلّق به الأمر من قبل المولى فهل يمكن أن يقال بعدم ظهور هذا الأمر في الوجوب ، وأنّه في مقام توهّم الحظر فلا دلالة له على الوجوب ؟
ومنها : أنّ ما أفاده بالإضافة إلى موثّقة عمّار من جواز التصدّي للتفريغ والتطهير بغير التخميس أعني التصدّق فلا يمكن تصديقه بوجه ، ضرورة أنّ التصدّق بمال الغير والاجتزاء به في مقام التفريغ يحتاج إلى الدليل ، ولولا قيامه على ذلك في مجهول المالك لم يكن أيّ وجه للالتزام به ، إذ كيف يكون التصدّق ممّن لا وكالة عنه ولا ولاية عليه مفرّغاً؟ وإنّما التزمنا بذلك من أجل الروايات
(الصفحة 222)
الخاصّة الخ(1) .
وهذا الإيراد أيضاً في محلّه ، إذ حمل رواية عمّار على أنّ المراد التطهير بأيّة كيفيّة ولو بنحو التصدّق بمثل ما أفاده في غاية الإشكال; لظهور الرواية قويّاً في لزوم الخمس وإن قلنا باختلاف كيفيّة التعلّق ومغايرتها مع سائر الاُمور المتعلّقة للخمس .
وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في دلالة موثّقة عمّار على لزوم إخراج الخمس عن الحلال المختلط بالحرام ، وعليه فلا وجه للحمل على أنّ المراد إفادة التطهير والتصدّي للتفريغ ولو بغير التخميس بالكيفيّة التي ذكرها أو بمثلها ، فالإنصاف عدم تماميّة هذا البيان .
إلاّ أنّ الذي يوجب الإشكال في أساس المسألة أنّ المستفاد من الوسائل اشتمال موثّقة السكوني على قوله : «تصدّق بخمس مالك» سواء في رواية الكافي(2) أو الشيخ نقلاً عنه(3) أو الصدوق(4) أو البرقي في المحاسن(5) أو المفيد في المرسلة(6) ، مع أنّ المحكي عن الفقيه بسند معتبر قوله : «أخرج خمس مالك» بدل قوله «تصدّق بخمس مالك» كما أنّ فيه في التعليل: «فإنّ الله ـ عزّوجلّ ـ قد رضي من الإنسان بالخمس» بدل قوله: «فإنّ الله رضي من الأشياء بالخمس» إلاّ أن يقال: إنّ الكافي
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 130 ـ 131 .
- (2) الكافي 5 : 125 ح5 .
- (3) التهذيب 6 : 368 ح1065 .
- (4) الفقيه 3 : 117 ح499 .
- (5) المحاسن 2: 40 ح1130 .
- (6) المقنعة : 283 ، وفيه : يخرج منه الخمس .
(الصفحة 223)
أضبط من الفقيه ، لتمحّضه في نقل الرواية دونه .
ويؤيّده الكتب الاُخرى المشتملة على هذه اللفظة ، كما أنّه يؤيّده الأخبار الواردة في مجهول المالك(1) .
المقام الثالث : في سائر الفروع التي وقع التعرّض لها في هذا الأمر ، وهي كثيرة :
الأوّل : ما لو علم مقدار المال الحرام ، وفي المتن أنّه لو علم صاحبه أيضاً دفعه إليه ولا خمس ، والوجه فيه واضح; لمعلومية المقدار والمالك كما هو المفروض . ولو علمه في عدد محصور فاحتاط وجوباً بالتخلّص عن الجميع في صورة الإمكان ، والرجوع إلى القرعة في صورة عدم الإمكان ، ولكن صاحب العروة احتمل في المسألة وجوهاً أربعة :
وجوب التخلّص وإرضاء من يحتمل ملكيّته بأيّ نحو كان ولو بدفع المال لكلّ منهم مِثلاً أو قيمةً; لحصول العلم بالفراغ بعد العلم بالضمان; لفرض كونه حراماً .
والتصدّق من قبل المالك ، كما في مجهول المالك مطلقاً ; نظراً إلى أنّه أيضاً من مصاديقه .
واستخراج المالك بالقرعة ، كما هو الشأن فيها في موارد الحقوق الماليّة المشكلة .
وتوزيع مقدار الحرام عليهم بالسويّة ، كما في درهم الودعي المعروف فيه التنصيف(2) مع العلم بملكية كلّ واحد منهما للتمام أو للنصف .
وقد قوّى الأخير(3) ، والظاهر أنّ مستنده قاعدة العدل والإنصاف المتّخذة من
- (1) الوسائل 25 : 450 ـ 451 ، كتاب اللقطة ب7 ح 2و3 .
- (2) شرائع الإسلام 2 : 121 ، الدروس الشرعية 3: 333 ، الوسائل 18 : 451 ، كتاب الصلح ب11 .
- (3) العروة الوثقى 2 : 381 مسألة 30 .
(الصفحة 224)
قضيّة درهم الودعي ، وقد ذكرنا غير مرّة(1) أنّ هذه القاعدة لم يقم عليها دليل شرعيّ ولا عقلائيّ ، والقياس على درهم الودعي قياس مع الفارق; لعدم ثبوت الضمان في مورده بوجه; لعدم تحقّق التعدّي والتفريط أصلاً بعد عدم كون الأمين ضامناً ، بخلاف المقام الذي تحقّق فيه الضمان لأجل الاشتمال على الحرام ، ومقتضى القاعدة في مثله الاحتياط بحكم العقل ، والاشتمال على الضرر لا يمنع عن ذلك ; لأنّه ـ مضافاً إلى ما مرّ مراراً من عدم ارتباط قاعدة الضرر بالأحكام الشرعية ـ يمكن أن يقال كما قيل بأنّه على تقدير الارتباط بالحكم الشرعي فهو مخصوص بما إذا كان الضرر ناشئاً عن الحكم الشرعي . ومن المعلوم في المقام عدم كون لزوم الدفع إلى المالك مستلزماً للضرر ، بل هو ينشأ من حكم العقل بلزوم الاحتياط كما في سائر موارد العلم الإجمالي ، فاللازم في المقام الاحتياط .
نعم ، مع عدم إمكانه لا محيص عن الرجوع إلى القرعة; لأنّها لكلّ أمر مشكل(2)فيما يرتبط بحقوق الناس ، ولا إشكال في المقام بعد وجود حكم العقل بلزوم الاحتياط ، نظراً إلى أنّ المراد بالمشكل ما لا يكون الحكم فيه بيّناً لا واقعيّاً ولا ظاهريّاً .
فالإنصاف أنّ القاعدة تقتضي الرجوع إلى الاحتياط في صورة الإمكان . نعم ، في صورة عدم الإمكان لا مجال إلاّ للرجوع إلى القرعة كما لا يخفى ، والرجوع إلى أدلّة مجهول المالك ـ مضافاً إلى استبعاد الحكم نفسه; لاقتضائه جواز التصدّق إلى فقير مع تردّد المالك الموجود بين شخصين ، وعدم رضاية واحد منهما بالتصدّق ،
- (1) في ص176 وغيره .
- (2) راجع عوالي اللئالي 2: 112 ، وروضة المتّقين 6: 215 وقاعدة القرعة للشيخ الكريمي: 45 .
(الصفحة 225)
والمفروض عدم ثبوت الوكالة والولاية ، فهل رفع اليد عنهما والتصدّق إلى شخص ثالث لا يكون في أعلى درجة البُعد ـ يكون موردها تردّد المالك بين غير محصورين أو تعذّر الإيصال إلى شخصه كما سيأتي ، فلا مجال لإجراء تلك الأدلّة في المقام ، فلم يبق إلاّ ما هو مذكور في المتن ، فتدبّر جيّداً .
الثاني : ما أفاده في المتن بقوله : «ولو جهل صاحبه أو كان في عدد غير محصور تصدّق بإذن الحاكم على الأحوط على من شاء ما لم يظنّه بالخصوص ، وإلاّ فلا يترك الاحتياط بالتصدّق به عليه إن كان محلاًّ له . نعم ، لا يجدي ظنّه بالخصوص في المحصور» .
ويظهر من صاحب الحدائق ـ على ما حكي ـ أنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة :
التصدّق مطلقاً ، سواء كان ما يعلمه من الحرام بمقدار الخمس ، أو أزيد ، أو أنقص ، واستظهر الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)(1) أنّ وجوب التصدّق في هذا الفرض مورد لاتّفاق الأصحاب ، لكنّ الظاهر ثبوت الشهرة المحقّقة على ذلك .
والتخميس والتصدّق بالزائد إن كان المعلوم أزيد من الخمس ، ونسبه صاحب الحدائق إلى بعضهم .
والتخميس مطلقاً ، سواء كان المعلوم أقلّ أو أكثر أو بقدره ، وقد اختاره صاحب الحدائق نفسه ، مستنداً في ذلك إلى أنّ روايات التخميس مثل موثّقة عمّار ابن مروان المتقدّمة تشمل ما إذا كان المعلوم أزيد أو أقلّ من الخمس ، وأنّ ما ورد في باب التصدّق بمجهول المالك خاصّ بالمال المتميّز ، وأمّا المخلوط فلم يرد التصدّق به ولو في رواية واحدة ، فالظاهر شمول أخبار الخمس له ، وقياس المخلوط مع
- (1) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم): 251 ـ 252 .