(الصفحة 227)
ومن البعيد جدّاً أن يكون هذا الشخص عارفاً بأشخاص الأموال التي تكون لغيره ، بل بطبيعة الحال يكون أكثرها نقوداً مختلطة في أمواله ، ولو بين من يعرف مالكه ومن لا يعرف; لحكم الإمام(عليه السلام) بالتفصيل المذكور ، لكنّها ضعيفة السند بإبراهيم بن إسحاق ، فلا عبرة يعتمد عليها .
والعمدة أنّ هذا الاختصاص أو التعميم لا أثر له في محلّ الكلام; لأنّا إذا بنينا على شمول أدلّة التخميس لهذه الصورة ، فلا يفرق في ذلك بين كون أدلّة مجهول المالك مطلقة أم لا ، أمّا على الثاني فواضح ، وأمّا على الأوّل ، فلأنّ غايته تقييد إطلاق تلك الأدلّة بمثل الموثّقتين الدالّتين على التخميس أو التصدّق به كما مرّ ، وإذا بنينا على عدم الشمول فلا دليل على التخميس حتّى على فرض الاختصاص ، فالعبرة في وجوب التخميس بشمول أدلّته للمقام وعدمه ، لا بالإطلاق أو الاختصاص أو التعميم في أدلّة الصدقة(1) .
ويمكن الإيراد عليه بأنّه لو قلنا بالتعميم في أدلّة مجهول المالك والشمول للمتميّز والمختلط فلا شبهة في اختصاصها بما إذا كان مقدار الحرام معلوماً ولو في صورة الاختلاط ، والمفروض أنّ القدر المتيقّن من موثّقة عمّار(2) صورة الجهل بمقدار الحرام المختلط ، وعليه فتصير النسبة عموماً من وجه ومادّة الاجتماع المختلط مع معلومية مقدار الحرام ، كما أنّ مادّة افتراق الموثّقة صورة الجهل بالمقدار ، ومادّة افتراق تلك الأدلّة صورة التعيّن والتميّز . ودعوى تقيّدها بالموثّقة خالية عن الشاهد ، فما ذكره من عدم ابتناء البحث على التعميم أو التخصيص في تلك الأدلّة في
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 135 ـ 136 .
- (2) تقدّمت في ص209 ـ 210 .
(الصفحة 228)
غير محلّه ، فافهم واغتنم .
ثمّ قال ما ملخّصه : إنّ الأقوى عدم الشمول; إذ لا يكاد يحتمل وجوب التخميس على من يعلم بوجود دينارين محرّمين في ضمن عشرة آلاف من دنانيره المحلّلة ، كما لا يكاد يحتمل الاكتفاء بالتخميس لمن يعلم بوجود دينار مثلاً محلّل في ضمن عشرة آلاف من الدنانير المحرّمة ، بحيث يحلّ له الباقي بعد أداء الخمس ، ولا سيّما إذا كان متعمّداً في الخلط للتوصّل إلى هذه الغاية ، فإنّ هذا لعلّه مقطوع البطلان(1) .
أقول : وهذا هو الذي ذكرناه في ذيل رواية عمّار المتقدّمة(2) من أنّ تناسب الحكم والموضوع يقضي بصورة الاختصاص بالجهل بالمقدار ، وأنّ الحرام المختلط بالحلال هل هو بمقدار الخمس أو أزيد أو أقلّ ، والسؤال في موثّقة السكوني(3) وإن كان بحسب بادئ النظر مطلقاً ولم يقع في الجواب الاستفصال ، إلاّ أنّ المتفاهم العرفي صورة الجهل بالمقدار وأنّ الحرام بمقدار الخمس أو لا؟
ومرجع الجواب فيها إلى أنّه لو كان الحرام أزيد من الخمس واقعاً فقد رضي الله تعالى بالخمس .
ثمّ إنّه أفاد في هذا المجال ما ملخّصه يرجع إلى لزوم التصدّق بهذا المال ، سواء قلنا باختصاص أدلّة مجهول المالك بالمتميّز والمتعيّن ، أم قلنا بالتعميم ، أمّا على الثاني فواضح ; لأنّه بعد عدم شمول أخبار الخمس للمقام لابدّ من الرجوع إلى أخبار مجهول المالك ، وأمّا على الأوّل فلإلغاء الخصوصية من تلك الأدلّة; لأنّه بعد عدم
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 137 .
- (2) في ص210 .
- (3) تقدّمت في ص214 .
(الصفحة 229)
شمول الأخبار الواردة في الخمس لابدّ إمّا أن يقال بجواز تملّك المال الحرام بعد حصول الاختلاط بالوجه المذكور ، ومن المعلوم أنّه لا مجال له .
وإمّا أن يقال برفع اليد عن الجميع والاجتناب عنه ، فإذا كان عشرة آلاف من الدينار مشتملة على دينار واحد حرام مثلاً يكون اللازم الاجتناب عن الجميع . ومن المعلوم أنّه لا مجال له أيضاً .
وإمّا أن يقال بإفراز الحرام من الحلال وتقسيم المختلط ، غاية الأمر أنّه حيث يكون المالك مجهولاً مطلقاً ، أو في عدد غير محصور يتصدّى للتقسيم بإذن من بيده الأمر وهو الحاكم الشرعي أو وكيله; لأنّه لا طريق إلى الإيصال إليه غيره، ويستفاد ذلك من بعض الأخبار الواردة في مجهول المالك ، مثل رواية داود بن أبي يزيد ـ وهي موثّقة معتبرة ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً وإنّي قد خفت فيه على نفسي ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه . قال : فقال لي أبو عبدالله(عليه السلام) : والله أن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ قال : إي والله ، قال : فأنا والله ما له صاحب غيري ، قال : فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره ، قال : فحلف فقال : فاذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن ممّا خفت منه ، قال : فقسّمته بين إخواني(1).
ومن الواضح عدم كون المورد مالاً شخصيّاً للإمام(عليه السلام) ، وإلاّ لكان اللازم الأمر بدفعه إليه لا التقسيم بين الإخوان ، لكنّ الظاهر أنّ موردها اللقطة التي تكون بأجمعها للغير لا المال المختلط الذي هو محلّ الكلام ، إلاّ أن يقال بأولويّة المقام من اللقطة من جهة الافتقار إلى التقسيم أوّلاً ثمّ التصدّق ، وكلاهما تصرّف في مال الغير ، فالحاجة إلى الإجازة والإذن من الحاكم أو من يقوم مقامه أشدّ ، والظاهر
- (1) الكافي 5 : 138 ح7 ، الوسائل 25 : 450 ، كتاب اللقطة ب7 ح1 .
(الصفحة 230)
أنّه لا محيص عن هذا الطريق .
أقول : وهذا هو الوجه لما أفاده في المتن من لزوم التصدّق واعتبار إذن الحاكم على سبيل الاحتياط اللزومي . نعم ، لابدّ من التنبيه على أمر; وهو أنّه بعد عدم إمكان الاحتياط في هذا المقام ـ لأنّ المفروض الجهل بالمالك مطلقاً ، أو كونه في عدد غير محصور . ومنه يظهر أنّه لا يمكن الرجوع إلى القرعة ـ يجري الانسداد الصغير بالإضافة إلى من تعلّق الظنّ الشخصي بملكيّته وكان محلاًّ للتصدّق; بأن يقال بانسداد باب العلم والعلمي إلى العلم بالمالك الواقعي ، ولا يمكن الاحتياط ولا الرجوع إلى القرعة ، فاللازم جعل مظنون المالكية أولى بالتصدّق به عن المالك الواقعي فيما إذا كان المظنون محلاًّ للتصدّق ومورداً له .
ولا يجري هذا الأمر فيما إذا كان المالك مردّداً بين عدد محصور; لإمكان الاحتياط أو الرجوع إلى القرعة ، فالظنّ الشخصي لا اعتبار به من طريق دليل الانسداد ، وعدم الالتزام بدليل الانسداد في محلّه الأصلي إنّما هو لأجل عدم تماميّة جميع مقدّماته بعد حجّية مثل خبر الواحد على ما قرّر في محلّه ، فلا يلازم عدم الالتزام به في جميع الموارد .
إن قلت : إذا كان الظنّ الشخصي الحاصل من دليل الانسداد المذكور حجّة بالإضافة إلى تعيين المالك المجهول فما وجه تقييد جواز التصدّق له بكونه فقيراً محلاًّ للتصدّق كسائر الموارد ، بل لابدّ وأن يكون حجّة مطلقاً .
قلت : وجه التقييد أنّ أصل جواز التصدّق لم يكن مستنداً إلى دليل الانسداد ، بل إلى إلغاء الخصوصية من أدلّة مجهول المالك كما عرفت ، ففي الحقيقة لا يكون دليل الانسداد تامّاً من هذه الجهة; لوجود الدليل العلمي ، وأمّا من جهة الشخص الذي يتصدّق له فدليل الانسداد تمام ، ولعلّه من أجل ذلك وقع التقييد في المتن ،
(الصفحة 231)
فتدبّر جيّداً .
إن قلت : إنّ لازم ما ذكر الفتوى بلزوم التصدّق إلى من يظنّه مالكاً بالخصوص مع كونه فقيراً مورداً للتصدّق ، لا النهي عن ترك الاحتياط بالتصدّق به عليه .
قلت : لعلّ الوجه في ذلك عدم تمامية دليل الانسداد ولو على فرض صحّة جميع مقدّماته لإفادة حجّية الظنّ ، من غير فرق بين الكشف والحكومة ، غاية الأمر لزوم العمل على طبقه ولو من باب الاحتياط اللازم بحكم العقل ، والتحقيق في محلّه دون المشكوك والموهوم .
الثالث : ما أفاده في المتن بقوله : «ولو علم المالك وجهل بالمقدار تخلّص منه بالصلح» وأضاف إليه السيّد (قدس سره) في العروة قوله : وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان ، الأحوط الثاني ، والأقوى الأوّل إذا كان المال في يده(1) .
وكيف كان ; فقوله تخلّص منه بالصلح لا يراد وجوب التخلّص بالصلح والتراضي بالتصالح ; لعدم الدليل على اللزوم والوجوب ، بل المراد توقّف الوصول إلى ماله الشخصي على الصلح والتراضي ، ويؤيّده قول السيّد (قدس سره) بعد ذلك : «وإن لم يرض المالك في الصلح» الخ .
وعلى أيّ فقد احتمل وجهين في جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي الثاني ، وقوّى الأوّل إذا كان المال في يده .
هذا ، وقد نسب إلى العلاّمة(2) الخمس في المسألة مع وجود التقييد بما إذا
- (1) العروة الوثقى 2 : 379 .
- (2) تذكرة الفقهاء 5 : 422 .